![]() |
المقالة الثالثة النفس الواحدة / العصمة الرحمانية
تحدثنا عن البعد الأول للنفس الواحدة وقلنا أن النفس الواحدة هي الأسماء الحسنى كلها, وتحدثنا عن البعد الثاني للنفس الواحدة -الوحدة الكونية- بمراتبها الثلاثة:الوحدة الوجودية -الروحية- والوحدة التكوينية-العقلية- والوحدة المادية الطبيعية فهذه المراتب الثلاثة للوحدة يطلق عليها اسم الوحدة الكونية , وفي هذه المقالة نذكر البعد الثالث للنفس الواحدة , وهذا البعد هو العصمة الرحمانية فحقيقة النفس الواحدة هي (العصمة الرحمانية) . ولكن قبل الحديث عن مراتب العصمة أود الاشارة الى تعريفها , ومن ثم بيان تلكم المراتب. تعريف العصمة : حقيقة العصمة هي توافق الفعل الآدمي مع ذاته توافقاً كلياً اوجزئياً ؛ لاننا بينا في البحوث السابقة ان الذات الآدمية هي حقيقة الفعل الالهي في مراتبه الثلاثة : الروح والعقل والمادة وكل هذه المراتب الثلاثة يشتمل على البعدين: أ-البعد الافاقي ب- البعد الانفسي وبمجموع ضرب 3×2=6 ينتج التالي: 1. الروح الاسماء الالهية الحسنى في الانفس ذات الانسان . 2.الروح الاسماء الالهية الحسنى في الآفاق -عالم الغيب- . 3.العقل الكليات الاشتقاقية من الكليات الروحية في الانفس -ذات الانسان- . 4. العقل -الكليات الاشتقاقية من الكليات الروحية- في الآفاق -عالم الغيب-. 5.المادة وهي جزئيات ظهور الكليات العقلية في عالم الانفس -بدن الانسان-. 6. المادة وهي جزئيات ظهور الكليات العقلية في عالم الآفاق -عالم الشهادة أوقل الطبيعة- واود أن ابين ان الكليات سواء كانت روحية أم عقلية لاأقصد منها الكليات التي هي على نحو المفاهيم الذهنية ,بل هي كليات خارجية وواقعية كونية . مراتب العصمة المرتبة الاولى: العصمة الرحمانية وهي أعلى مراتب العصمة ؛ لانها وسعت كل شيء علماً وحكماً , فهي الرحمة التي وسعت كل شيء,وهي واقع العلم الحضوري بكل معالم الروح في كلياتها التنزيلية , ومعالم العقل في كلياته التفصيلية -الاشتقاقية-. إن مراتب العصمة هذه واقع وجودي وتكويني مركوز في ذات الانسان – أي انسان- وكذلك هو واقع وجودي وتكويني خارجي والذي اسميناه بالبعد الآفاقي , اذ إن العصمة الرحمانية كما قدمنا لها بعد أنفسي وهو ذات الانسان في كلياته الروحية والعقلية , وبعد آفاقي يساوي البعد الذاتي وهو عالم الغيب في كلياته الروحية والعقلية خارجاً , نعم لم يصل إلى أعلى مراتب البعدين إلا محمد وآل محمد(صلوات الله عليهم أجمعين), فهذه المرتبة من العصمة هي الكمال الوجودي والتمام التكويني كمال الروح وتمام العقل قال سبحانه: َمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ( ) وقال سبحانه ... وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ...( ) وبالجمع مابين الآيتين تكون النتيجة عندها ان محمداً وآل محمد هم الرحمة الالهية التي وسعت كل شيء,فضلاً عن باقي الادلة التي لم نذكرها . وهذا يعني بطبيعة الحال ان رؤياهم لاتغادر شيئاً صغر أم كبر فكل الاشياء هي تحت هذا الاحصاء الرؤيوي. َكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ( )وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً( ) ذلك الاحصاء المبين, والاحصاء الكتابي هو واقع العصمة الرحمانية في الانفس والآفاق , أما الوصول اليها فهومرتهن بالسير العبودي نحوهما وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْتَعْمَلُونَ ( ) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ( )وقد صرحت الروايات المباركة الصادرة عن اهل بيت العصمة صلوات الله عليهم اجمعين ان الذي عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام) , وكذا باقي الائمة صلوات الله عليهم اجمعين انتهاء بالامام الحجة (عجل الله فرجه الشريف وسهل مخرجه اللطيف). المرتبة الثانية : العصمة الرحيمية وهذه المرتبة المنيفة والدرجة الشريفة هي واقع كمالات الانبياء والرسل(صلوات الله عليهم اجمعين) , وكذا اولياؤهم (عليهم السلام) من قبيل الخضر(عليه السلام) وآصف بن برخيا(عليه السلام), وغيرهما ممن وصلوا الى هذه المرتبة السامية , والجامع الذي يجمع افراد هذه المرتبة كلها هو من كان لديه علم من الكتاب لاكل الكتاب , وقد بينا معنى الكتاب في بعديه الانفسي والافقي سواء ماقبل الخاتم (صلى الله عليه واله) أوبعده : َاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( )وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً ( ) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ( ) قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ( ): . فكل هؤلاء قد آتاهم الله رحمته الخاصة إلا انهم لم يصلوا الى كلية الرحمة وعمومها في مراتبها المتعددة.وهنا أود الإشارة إلى ان هذه المراتب كلها معصومة فهي فوق خط العصمة وليس دونه , فلو افترضنا ان خط مافوق العصمة هو من 1 % الى 100 % فهم ضمن هذا التناسب والتدرج. ان واقع العصمة الرحمانية هو الخط العمودي للرحمة , أما واقع العصمة الرحيمية فهو الخط الافقي , وبعبارة أخرى ان العصمة الرحيمية هي مرتبة متطابقة مع العصمة في بعض المراتب لاكلها ؛ لان من يصل بالعصمة الرحمة الرحيمية ليطابق بها العصمة الرحمانية يصبح هو رحمة الله التي وسعت كل شي , فتساوي رؤياه الحضورية الدهر كله من مبدأه الى منتهاه . وهذا الامر غير متحقق لأحد إلا لمحمد وآله الاطهار(صلوات الله عليهم أجمعين). المرتبة الثالثة : العصمة القدوسية وهي عصمة الملائكة المقدسين والمقربين والعلويين, ويلحقهم من تقوم بمقامهم من الاولياء ايضاً , فتصبح له الولاية على بعض مراتب الملكوت, فالاشياء كلها له جهتان : أ- جهة ملكوت , أي عالم الانشاء والنور والطاقة . ب- جهة ملك , أي عالــم الاحياء والخلق والمادة . المرتبة الرابعة : العصمة السبوحية وهي عصمة الملائكة المسبحين في السموات والارضين , ومن تقوم بمقامهم من الاولياء.وهذه المرتبة من العصمة هي ادنى مراتب العصمة . فكل هذه المقامات هي في مرتبة مافوق خط العصمة , وكل مرتبة منها لها درجات متفاوتة من 1% الى100% من العصمة . أما مرتبة 100 % مافوق خط العصمة فهي مرتبة محمد وآل محمد -صلوات الله عليهم اجمعين- وهي كلية الرحمة التي وسعت كل شيء كما قلنا سابقاً . أما باقي المراتب العصمية فانما هي فيض العصمة الرحمانية , أي النفس الواحدة . وهناك مراتب للعصمة دون خط العصمة فهي تشمل كل الاشخاص الذين يحملون فكراً وعملاً قد ارتبط بالواقع العصمي الفوقي -خط مافوق العصمة- فيكون معصوماً بقدر هذا الارتباط والاتصال. فقد ذكرنا في غير مناسبة : ان العقول مساسات فان ماسست الارواح تقدست ,وان ماسست النفوس تنجست . الاستقراء الكوني الحضوري للرسول الأكرم (صلى الله عليه واله) ان القرآن الذي نزل على قلب الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) هو الكتاب الكوني واقع عالم الغيب والشهادة بمعنى مشاهدته الحضورية للآيات الكونية في عالمي الانفس والآفاق. تلك الرؤية الحضورية المقدسة تقسم الى قسمين: 1-الاستقراء الكوني الحضوري لكل ذات وهذا الاستقراءنعبر عنه بـ (الاستقراءالتنزيلي) حيث استقرأ فيه صلوات الله وسلامه عليه واله كل الأشياء في جهتيها الملكوتية والملكية اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ( ) وبعبارة ثانية انه استقراء حقيقة (النفس الواحدة) أي الاسماء الالهية الروحية في مرتبة الفعل , وبعبارة ثالثة قد استقراء ذاته ؛ لان ذاته هي عيبة تلكم الاسماء و الصفات وهي واقع الفعل الالهي . حيث ان كل صفة فعلية لله سبحانه هي صفة ذاتية لآدم – كل انسان - وأن حقيقة الصفات الذاتية الالهية هي واقع ذاته المقدسة وذلك الوجود لايدرك , ولاي كان . أما صفات الله تعالى الفعلية فهي ذات كل شيء . فبالتالي لاذات واقعاً الا ذات الله تعالى أما ذواتنا فهي فعله جل شأنه . ومن هنا نرى ان المعصوم (عليه السلام) قد استدل( ) على الذات بالذات (يامن دل على ذاته بذاته)( ) . وهذا دليل الانبياء والرسل والالياء (صلوات الله عليهم اجمعين) , أما دليل العرفاء , فان الذات دليل على الفعل , واما دليل العلماء فان الفعل دليل على الذات كدلالة النظام على المنظم . أما دليل الجهلاء , فهو ان الفعل دليل على الفعل في مرتبة المادة أي ان المادة دليل على المادة لاغير . 2. الاستقراء الكوني الحضوري لكل الافعل وفي هذا الاستقراء له (صلوات الله عليه واله) قد استقرأ كل فعل فان كل ذات – أي ذات كانت – لها فعل , وبما ان الخلق فيضه ذوات فلازمه أن تفيض آنية الذات بافعال . اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ( ) وهنا سؤال يطرح نفسه ما المقصود بالقلم ؟ ان المتبادر الى الذهن هو القلم المعهود و المعروف وهو صحيح الا ان للقلم بعداً واسعاً يشمل ما هو اوسع من ذلك المفهوم . فالقلم في بعد آخر هو (القلم التكويني) ومدار ذلك القلم وما يميله من كتابة انما هو كتابة الفعل. فهناك الكتاب الذاتي (ذات الانسان) وهو حقيقة الاسماء الالهية والمطلوب من الانسان ان يكون كتاب فعله متطابقاً ومتوافقاً مع كتابه الذاتي والوسيلة في املاء الكتاب الثاني هو العمل , وبعبارة ثانية هو (العقل) فالعقل ان كتب الاسماء الذاتية له في فعله كما علمه سبحانه تطابق عنده الكتابان( ) : كتاب ذاته وكتاب فعله , وهذا هو حقيقة كمال الانسان اللائق به والغاية التي ينبغي أن ينشدها . أما اذا كتب العقل الاسماء السوئى (واقع النفس الامارة بالسوء) فقد افترق فعله مع ذاته , التي هي حقيقة التعليم الالهي فيتحقق الكفر بنعمة التربية الالهية (إما شاكراً وإما كفوراً) . أما مقام (شكور) فهو شكر التربية الالهية وكما قلنا تطابق الفعل مع واقع ذات الانسان . ان الله سبحانه وتعالى أحب ان يعرف فقال (أنا الله) فكان كائن محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم اجمعين) فهم كلمة الله الحضورية العليا هذه الكلمة هي واقع (النفس الواحدة) , فخلقها الله تعالى لاجله حتى تعرف ذاته , فان ذاته لا تعرف الا بهم (الفعل كله) وعندما اراد ان يعرف بـ(النفس الواحدة) محمد وال محمد (صلوات الله عليهم اجمعين) كان كائن كل شيء( ) , فكل شيء انما هو شرح لحقيقة(النفس الواحدة)محمد وآل محمد,فهم شرح حقيقة الفعل الالهي . وهذا المقام اعلى مقامات المعرفة الالهية ,ومنه يكون فيض الكمالات المعرفية الالهية الاخرى كما للانبياء والرسل والاولياء(صلوات الله عليهم اجمعين). كلمة الله الحضورية ومقام (النفس الواحدة) ان كلمة الله تعالى الحضورية (كن) فـ (يكون) تشتمل على حرفين : أ- (الكاف) وهو واقع (الكمال الروحي) الذي هو اشراق النور الالهي والمعبر عنه بـ (النفس الواحدة) أوالاسماء الحسنى أوالكتاب المبين أوعالم الانسان أوعالم الفلق على تعدد هذه الابعاد للوجود الاولي النوراني وهو واقع وحقيقة محمد وآل محمد صلوات الله عليهم اجمعين. ب- (النون) وهو واقع النقص النفسي الذي ماكان الا لضيق عالم (الكاف) ومن هنا كان لهاتين النفس – المقدسة الواحدة ومايقابلها بالضدتماما – تجلياً في الآفاق حيث نجدها في (فيكون) أولا: التجلي الفطري: وهو اساس التجليات والمعبر عنه بـ(ف) وهذا التجلي الذي تجلت به النفس المقدسة, فالفطرة هي عين الكمال فلا يتجلى فيها النقص . ثانياً: التجلي باليقين والمعبر عنه بـ (ي) وهو واقع (العقل النوعي) والمتفرع عن الفطرة الالهية. ثالثاً: التجلي بالوسع: والمعبر عنه بـ (و) فهو مابين الكاف (الكمال الروحي) وبين النون (النقص النفسي) وهذا (الواو) هو الوسع الذي يقابل التكوين. فكل تكوين يشتمل على (الكاف) وهو واقع الكمال ولمحدودية كمال الشيء لزمت (النون) وهي النقص النفسي أما (الواو) فهو واقع التمكين العقلي (الفعل) الذي يسع بفاعليته فعل الخير حيث( الكاف) وكذلك فعل الشرحيث(النون) فـ(الكن) الربوبي هو حقيقة الفعل الالهي , وكمال الانسان التجرد من (نون) النقص النفسي والعروج نحو آفاق ملكوت (الكاف) الكمال الروحي -النفس الواحدة- كل بحسب سيره العبودي .
برؤية الشيخ رحيم عبد الرزاق الاسدي
جمعهاواعدها السيد عودة الموسوي
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق