السبت، 7 يناير 2012

كتابنا: دعاء الصباح خطة اجرائية للتنمية الاخلاقية


دعاء الصباح
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم يا من دَلَعَ لسان الصباح بِِنُطْقِ تبَلُّجِهِ، وسَرَّح قِطع الليل المظلم بغياهب تلجلُجه، وأتقن صنع الفََلك الدوّار في مقادير تبرُّجه، وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه، يا من دل على ذاته بذاته، وتنزه عن مجانسة مخلوقاته، وجلّ عن ملاءمة كيفياته، يا من قَرُبَ من خطرات الظُنون، وبَعُدَ عن لحظات العيون، وعلم بما كان قبل أن يكون، يا من أرقدني في مِهَادِ أمنهِ وأمانه، وأيقظني إلى ما منحني به من مِنَنِهِ وإحسانه، وكَفّ أكُفَّ السوءِ عني بيده وسلطانه.
صلِّ اللهم على الدليل إليك في الليل الأليل، والماسك من أسبابك بحبل الشرف الأطول، والناصع الحَسَبِ في ذِروة الكاهل الأعبَل، والثابت القدم على زحاليفها في الزمن الأول، وعلى آله الأخيار المصطفين الأبرار، واْفتح اللهم لنا مصاريع الصباح بمفاتيح الرحمة والفلاح، وألبسني اللهم من أفضل خلع الهداية والصلاح، واْغرس اللهم بعظمتك في ِشربِ جَناني ينابيعَ الخُشوع، وأجْرِِ اللهم لهيبتك من أماقيَّ زفرات الدموع، وأدِّب اللهم نزَق الخُرْقِ مني بأزِمَّة القُنوع، إلهي إن لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق، فمن السالك بي إليك في واضح الطريق؟ وإن أسلَمَتني أناتُك لقائد الأمل والمنى فمن المقيل عثراتي من كبوات الهوى؟ وإن خَذَلني نصرُك عند محاربة النفس والشيطان، فقد وكَلَني خُذلانُك إلى حيث الَّنصَبُ والحرمان.
إلهي أتراني ما أتيتك إلا من حيث الآمال، أم عَلِقْتُ بأطراف حبالك إلا حين باعَدَتني ذنوبي عن دار الوِصال، فبئس المطيةُ التي اْمتَطَتْ نفسي من هواها، فواهاً لها لما سوَّلت لها ظنونها ومُناها، وتباً لها لجرأتها على سيدها ومولاها، إلهي قَرَعْتُ باب رحمتك بيد رجآئي، وهربتُ إليك لاجئاً من فرط أهوائي، وعلَّقتُ بأطراف حبالك أنامل ولائي، فاْصْفَح اللهم عما كنت أجرمته من زللي وخطائي، وأقلني من صَرعة ردائي، فإنك سيدي ومولاي ومعتمدي ورجائي، وأنت غاية مطلوبي ومناي في منقلبي ومثواي.
إلهي كيف تطرد مسكيناً اْلتجأ إليك من الذنوب هارباً، أم كيف تُخَيِّبُ مسترشداً قصد إلى جَنابك ساعياً، أم كيف ترد ظمآناً وَرَدَ إلى حياضك شارباً؟  كلا وحياضُك مُترعة في ضَنْك المُحُولِ، وبابك مفتوحٌ للطلب والوُغول، وأنت غاية السُّؤْل ونهاية المأمول، إلهي هذه أزِمَّةُ نفسي عقلتها بِعقال مشيئتك، وهذه أعباء ذنوبي دراْتُها بعفوك ورحمتك، وهذه أهوائي المُضِلّةُ وكَلْتُها إلى جَناب لطفك ورأفتك، فاْجعل اللهم صباحي هذا نازلاً عليّ بضياء الهدى، وبالسلامة في الدين والدنيا، ومسائي جُنّةً من كيد العِدى ووقايةً من مُرديات الهوى، إنك قادر على ما تشاء، تؤِتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، تُولج الليل في النهار وتُولج النهار في الليل، وتُخرج الحي من الميت، وتُخرج الميت من الحي، وترزق من تشاء بغير حساب.
لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، من ذا يعرف قدرك فلا يخافك، ومن ذا يعلم ما أنت فلا يهابك، ألّفت بقدرتك الفِرَق، وفَلَقْتَ بلطفك الفَلَقَ، وأَنَرْتَ بكرمِك دياجي الغسَق، وأنهرت المياه من الصُّـمِّ الصياخيدِ عذباً واُجَاجَاً، وأنْزَلْتَ من المُعصرات مَاءً ثجّاجاً، وجعلت الشمس والقمر للبرية سراجاً وهّاجاً، من غير أن تُمَارِسَ فيما ابتدأت به لُغوباً ولا عِلاجاً، فيا من تَوَحَّد بالعزِّ والبقاء، وقَهَرَ عباده بالموت والفناء، صل على محمد وآله الأتقياء، واْسمع ندائي، واْستجب دعائي، وحقق بفضلك أملي ورجائي، يا خير من دُعِي لكشف الضر والمأمول في كل عسر ويسر، بك أنزلت حاجتي فلا تَرُدّنِي من سَنِيِّ مواهبك خائباً يا كريم يا كريم يا كريم، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين.
ثم اسجد وقل:
إلهي قلبي مَحجُوب، ونفسي مَعْيُوب، وعقلي مَغْلُوب، وهوائي غالب، وطاعتي قليل، ومعصيتي كثير، ولساني مُقِرٌ بالذنوب، فكيف حيلتي يا ستَّار العُيوب، ويا عَلاَّم الغُيوب، ويا كاشف الكُروب، اْغفر ذنوبي كُلَّهَا بحُرْمَةِ محمد وآل محمد، يا غفار يا غفار يا غفار برحمتك يا أرحم الراحمين.


دعاء الصباح
خطة اجرائية للتنمية الاخلاقية

ان موضوع الدعاء يحتاج الى بحث مستقل لتعلقه بمواضيع شتى وقد حققناه في بحث خاص تحت عنوان (الدعاء بين الاخبار والاسرار) وقد تناولنا فيه اكثر الامور المتعلقة به وفقا لرؤيانا القاصرة. وهذا وان كان مهما الا ان الاهم من بين مباحثه هو ان دعاء المعصوم D كلام الهي، وقول ربوبي يبين معالم التربية المتفقة مع الربوبية من ناحية الخصائص، وان كانت مفترقة من ناحية الهوية فالرب رب ونعم الرب والعبد عبد ونعم العبد من جهة الهوية بمعنى جهته الذاتية، والمفروض ان يكون نعم العبد من الجهة الفعلية لتكون خصائصه عين ذاته او قل صفاته عين ذاته كما هو مقام المعصومD، وبهذا التوافق التام الكامل بين الصفات والذات للعبد يتحقق له الوصول الى مقام ان يهدي بأمر الله تعالى ويكون اماما مفترض الطاعة كما هي الطاعة لله تعالى، والعلة في ذلك ان ذات العبد هي فعل الله التام الكامل الشامل لكل خصائصه الفعلية، وهي حقيقة الاسماء كلها خلا منها اسمه الله، وقد استأثره لنفسه لامتناع تعليمه امتناعا ذاتيا وخصائصيا وعقليا، وبما ان ذات العبد هي حقيقة فعل الله تعالى، وفعل الله تعالى عين ذاته، بمعنى أن ذات الله هويته المقدسة وفعله خصائصه المقدسة، وذات العبد حقيقة خصائص الله تعالى، فالذات الممكنة مقدسة ، ولكن لضيق عالم الامكان تضاد الفعل عندها أي تضادت الخصائص الفعلية عندها فكانت خصائص فعلية متفقة مع الخصائص الذاتية، وهذا الفعل يكون عين الذات.
فالفعل الذي وصل الى عينية الذات، ونقصد ذات العبد وبما ان ذات العبد فعل الله تعالى يكون حينها فعل العبد هو عين فعل الله تعالى، وبهذا يكون الفعل الذي تجلى به العبد هو فعل الله (وما ينطق عن الهوى)([1])، (ان هو الا وحي يوحى)([2]) فالنطق الهي لاتفاقه مع العقل والروح، فالامر واحد وهو امر الله تعالى، كون الروح حاملة للامر الالهي فهي مقدسة ومعصومة عصمة تكوينية ووجودية، وبالتالي فانها تكون معصومة عصمة تشريعية وسياسية وتنفيذية (قضائية واجرائية)  فلا تنطق عن النفس او الهوى بل هي متلقية للامر والتعليم الالهيين تلقيا حضوريا يمثل حقيقة الاسماء كلها والتي نبأ بها ادم، فان لكل نبأ مستقر الا انه محكوم بالتسويف العلمي الحصولي فيتحقق عالم الشهادة اما من جهة الحضور فهي انباء الغيب يوحيها اليه، فهي حاضرة في روحه من خلال التعليم الالهي له تعليما حضوريا، فالروح صاحبته الأمر الالهي من سار اليها سيرا فعليا ووصل اليها كان مقامه ولي الأمر الالهي فهو الامام الذي يهدي بامر الله تعالى، ان كل المقامات العالية كالنبوة والرسالة والولاية والوصاية انما هي بطول وجود ادم وليس هي مسالك خارجة عن حقيقته الوجودية والتكوينية؛ لأنه فاقد الشيء لا يعطيه. وبعبارة أخرى إن وجود ادم هو وجود عبودي ووجود الله تعالى وجود ربوبي وكل المقامات كالنبوة والرسالة والولاية هي بطول وجوده العبودي فهي مقامات عبودية يرتقي فيها العبد حتى يصل بعبادته الى مقام التصرف الكوني فيكون خليفة الرب والعامل بتربيته كما يريد المربي.
فهذه حقيقة الدعاء من جهة المعصوم D فهو جهة الهية متفقة في رؤياها مع الرؤية الالهية، والتي احاطت بكل شيء فبالتالي ان رؤية المعصوم D قد احاطت بكل شيء:
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعلمون)([3]).
وبعد هذه المقدمة الموجزة اود الاشارة الى نتائج قد سلسلتها بسلسلة نقاط حتى تكون سهلة الفهم وبسيطة المدرك، وسلسة الاستيعاب.
أولا: الدعاء والزيارة الواردة عن المعصوم D هي خطط اجرائية الغاية منها أمران:

الأمر الأول: التقدم والرفعة المادية.
الأمر الثاني: التقدم والرفعة المعنوية.

ثانيا: ينبغي الاطلاع على امور تهمنا في التطبيق الاجرائي  منها الكميات و الحيثيات والكيفيات الاجرائية والاسس القياسية التي تضمن لنا التطبيق الاجرائي الصحيح.
ثالثا: علينا ان نلتفت الى مسألتين مهمتين:
الاولى: امتلاك الرؤية الواضحة لوضع معالم الخطة الاجرائية.
الثانية: ان تكون الرؤية على ثلاث نظرات:
النظرة الأولى: رؤية بعيدة المدى من قبيل وضع خطة اجرائية للاصلاح السلوكي على مدى حياتنا كلها او وضع خطة للدولة لمدة مئة او مئتين او ثلاث مائة عام مثلاً.
فالخطة الاجرائية كما تشمل الفرد فانها تشمل الجماعة وكذا الدولة.
النظرة الثانية: رؤية متوسطة المدى من قبيل وضع خطة اجرائية للاصلاح السلوكي مثل التوبة للعاصي والمخطئ، او للاصلاح وفق مدى متوسط كأن يكون سنة او عشرة سنوات، فتكون غاية الخطة هو نيل الاصلاح النفسي والافاقي بهذه السقف الزمني.
النظرة الثالثة: خطة اجرائية قريبة المدى من قبيل تطبيقات الاجراء للحركة اليومية والتفاعل النفسي اليومي والتعامل الافاقي، وهذه النظرة هي تخصيص اجرائي من عموم الاجراء الذي اتخذناه في الخطة الاجرائية على المدى البعيد.
رابعا:
ان الدولة تضع خطة اجرائية على المدى البعيد وغايتها من ذلك الضمان التقدمي في كل المجالات التي شملتها الخطة بتطبيقها الاجرائي، ثم تعطي موازنة لجهودها، التي تحتاجها هذه الخطة من قبيل الجهد المادي، أي التكاليف المادية من مال والات بسط وقبض كالايدي العاملة والايدي العالمة.
وكل هذا يتم وفق رؤى عامة لما يحتاجه التطبيق الاجرائي العام لهذا المدى البعيد كأن يكون لـ(100) عام.
ولغرض خلق موازنة اصلاحية عملية ناجحة في اجراءاتها التطبيقية تأخذ الدولة من هذه الخطة البعيدة المدى خطة اجرائية تطبيقية متوسطة المدى متوافقة مع ما رصدته الدولة من ارادات وقابليات مادية ومعنوية نضحت بها موازنة المجهودات مع التطبيق الاجرائي. كأن يكون السقف الزمني للخطة الاجرائية المتوسطة المدى خمسية او عشرية او عشرينية او خمسينية.
ثم تكون لها رؤية قصيرة المدى وهي ما تدور مدار الحركة التطبيقية الاجرائية اليومية لخططها الخمسية او العشرية او العشرينية، بمعنى التنفيذ الاجرائي للخطة.
خامسا: يجب احراز النجاح والارباح في هذه المستويات الرؤيوية في الآفاق فان رد الفعل سوف يساوي المطامح بالمقدار ويعاكسها الاتجاه، فتكون الخسارة كبيرة والتجارة بائرة، وقد تهيمن على كل المستويات والمجالات فتحصد الدولة اثار ما قدمت من خطط اجرائية فاشلة، ومن هذه الاثار الغش والكذب والفساد العلمي والاداري، والفساد الاجتماعي والفساد التشريعي، لان الدولة تفقد صوابها التشريعي والقضائي لانفلات الاجراء فتضع تشريعات تلائم مصالحها الشخصية واجراءات تحمي فشلها الاجتماعي والسياسي وغيرها من المجالات الحياتية الأخرى، مما يجعلها مرتبكة الاجراء؛ لارتكابها الأخطاء تلو الاخطاء.
سادسا: ان دعاء المعصوم D وكذا فعله وتقريره خطة اجرائية تضمن النجاح والارباح في سوق الاخلاق والعقائد والاصول والفقه وسائر المجالات الأخرى.
سابعا: بعد هذه الاجراءات يمكن ان نصل الى نتيجة مفادها ان هنالك خطة اجرائية الهية لسير دولة الامكان سيرا تكامليا واتماميا وسيرا عقليا وروحيا (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)([4]) وحديث الرسول الأكرم 7 (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)([5]).
فهذا الكمال في الخطة الاجرائية الالهية جعل منها خطة خاتمة لكل الخطط الاجرائية الالهية، فلا تعديل ولا تبديل ولا تحويل في قوانينها الاجرائية، لأنها تعالج كل الوجوه الوجودية والتكوينية التي يفتقر اليها ويحتاجها الممكن، ثم ان تخطيطها التشريعي والقضائي والاجرائي يتوافق مع احتياج وافتقار الكائنات في الجانبين التكويني والوجودي: (فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا)  وهذه الخطة الاجرائية ضامنة ولكل الممكنات من الارتقاء والتكامل الذي يجعل صفاتها عين ذاتها والتي هي الغاية من الخطة الاجرائية.
فالغاية هي ان يصل فعل الممكن الى عين ذاته؛ فيكون واقع الفعل يحكي عن واقع الذات؛ لأن ذات كل ممكن هي فعل الله تعالى وبالتالي يكون فعل الممكن هو فعل الله تعالى لان ذاته الامكانية في حقيقتها هي فعل الله تعالى من قبيل قول اسماعيل لابيه H مع ان الأمر والرؤيا لابراهيم D في ظاهرها (قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين)([6]).
ومثال آخر هو فعل الرسول الاكرم 7 (ان هو الا وحي يوحى)([7]).
وفعل آل البيت G فانهما متكافئان من جهة المقام والرتبة ومختلفان من وجهة الوظيفة، فالرسول نبي الله تعالى وهم اولياء الله، وقد دلت اية المباهلة على واقع هذا التكافؤ (تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم)([8]) فانفسهم من جهة المقام والرتبة هي عين ونفس الرسول الأكرم 7 وكذلك فعل الرسل والانبياءG.
فلكل نبي منهم خطة اجرائية الهية تضمن صلاح دولة النبي والرسول اصلاحا في كل المجالات، فالرسالات والنبوات هي كلام الله تعالى الذي يكلم به رعايا دولة الامكان كل وفق قدره العقلي، فكل رسالة لها مدار عقلي تدور فيه حتى جاءت الخطة الاجرائية الالهية الكاملة التامة الخاتمة، لتكون متكافئة مع العقل والروح فضلا عن تكافئ كل رسالة مع رسولها وكل رسول مع رسالته.
سابعا: النتيجة الاخرى التي نفهمها من تلكم المقدمات هو ان لهذه الخطة الاجرائية وجهان:

الوجه الأول:
اجراءات عقلية: فالتخلف عنها والاختلاف عليها يسقط ولاية العقل ويثبت ولاية الهوى. (أرأيت من اتخذ الهه هواه)([9]).
وهذه الخطة الاجرائية الالهية والتي هي كفؤ العقل هي التكاليف الالزامية لله تعالى، كلها متوافقة ومتفقة مع قوانين العقل وذلك هو السير العقلي الى الله تعالى والاقبال عليه اقبالا عقليا، اما الاجراء السلوكي المخالف لهذه الخطة الاجرائية الالهية فانه سيكون الى غير الله تعالى حيث السالك في سلوكه هذا يكون مدبرا عن الله تعالى ادبارا عقليا وهذا فهم عملي وواقع الحديث القدسي عندما خلق الله تعالى العقل من مكنون علمه قال له ادبر فادبر.
 ثم قال له: اقبل فاقبل.
قال بك اثيب وبك اعاقب، فالاقبال يلتمس فيه واقع الثواب وهو حقيقة الجنة، والادبار يتلبس فيه واقع العقاب وهو حقيقة النار.
فالعقل في ولايته هو قسيم الجنة والنار.



الوجه الثاني:
اجراءات روحية وهذه الاجراءات تدور مدار المستحبات التي سنها الله تعالى فاجرى لنا محبتها واجرى لفاعلها الثواب وهي مقامات جنتية وتترتب عدم العقاب في حال تركها؛ كونها تضمن مقاما كماليا تتوافق فيه افعالنا مع ذواتنا والتي هي فعل الله، والعمل بهذه المستحبات يوجب الوصول الى مقام يكتمل فيه فعلنا باتفاقه مع فعل الله تعالى.
والمكروهات التي كرهها الله فاجرى لنا كراهيتها واجرى لتاركها الثواب، وبالمقابل فانه لم يجرِ عقاباً لفاعلها؛ كونها تضمن مقاما تسافليا يتفارق  فيه فعلنا عن ذاتنا وبالتالي يفترق فعلنا عن فعل الله تعالى كون ذواتنا هي حقيقة فعل الله تعالى.
اما المباحات فقد اجرى الله تعالى لنا اباحتها لان التفاعل بها يتوافق فيه الفعل مع الذات.
وهذا هو السير الروحي الى الله والهجرة الحقة الى معالم اللاهوت.

ثامنا: فالهجرة لها اربع حركات:

الاولى: الحركة والهجرة من معالم الجهلوت الى معالم العقلوت حيث الاجراءات التي نتخلى فيها عن الخلق الذميم ونتحلى بها بالخلق العظيم واول معالمها (الاحتراز) بمعنى احتراز التكاليف الالزامية حيث يمكن تصنيف السالك الى اول مقاما النجاة (عابر سبيل النجاة) وهذا هو واقع السير العقلي والنجاة العقلية والتي تقابلها الهلكة العقلية والادبار العقلي حيث مقام الهمج الرعاع فهم الذين عبروا سبيل الهلاك (لولا علي لهلك عمر)([10]) الهلكة العقلية والادبار العقلي عن الله تعالى.
الثانية: الحركة والهجرة من معالم العقلوت الى معالم الملكوت حيث الاجراءات التي نتجلى بها على نحو التطبيق الاجرائي للخلق العظيم واول معالمها (الاحتراس) بمعنى اجراء المستحبات والمكروهات اجراءا فعليا تطبيقيا فيمكن تصنيف السالك في مقام النجاة الروحية وآخر مقامات عابر سبيل النجاة والتي تقابلها الهلكة الروحية والادبار الروحي عن الله تعالى من قبيل صم بكم فهم لا يعقلون. او كالانعام بل اضل سبيلا فاهدى سبيلا بالتقابل الاجرائي هو السبيل الروحي.
الثالثة: الحركة والهجرة من معالم الملكوت الى معالم  اللاهوت، حيث الاجراءات التي اتفق فيها فعلنا مع ذاتنا اتفاقا سلوكيا اجرائيا واول معالمها (الحفظ) وهذا المقام هو مقام العالم الرباني الذي يقابله العالم الشيطاني، فمقام الحافظ يوصلنا الى القدر والوزن من العدل حيث يوصلنا الى مقام الحفظ النفسي (ان كل نفس لما عليها حافظ)([11]).
وهذا المقام الحفظي نسير به سيرا حفاظيا موزونيا الى الحافظ التشريعي (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)([12]) وللحافظ التشريعي دور في خلق  موازين الحافظ التكويني الافاقي.
(انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب)([13]).
(وحفظا من كل شيطان مارد)([14]).
لذا نرى ان الامام الحجة (عج) يأمر  المكلف بالسير العقلي والسير الروحي خلف اصحاب هذا المقام بدلائل قوله:(واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا، فانهم حجتي عليكم، وانا حجة الله)([15]).
فلا يمكن الوصول للحافظ الشرعي والمعبر عنه بالحافظ الديني ما لم يكن قد واقع مقام (الحافظ النفسي) كونه مبدأ الحافظ الآفاقي.
لذلك ومن خلال هذا التلازم نرى ارتباط الحوادث الافاقية من قبيل الآيات الكبرى والصغرى بفعل السالك والمهاجر الى الله او لغيره (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)([16]).

تاسعاً:
بعد هذه المقدمات وما نضحت به من نتائج دعونا نتوجه الى احدى الخطط الاجرائية التي وضعها المعصوم D حيث اراد بهذا الاجراء التطبيقي ان يبدأ السالك يومه الكوني او التشريعي بهذا التطبيق الاجرائي ليكون في سيره العقلي أو سيره الروحي، متوافقاً مع الخطة الاجرائية الالهية.
وهذه الخطة الاجرائية هي دعاء الصباح لامير المؤمنين D ولطالما يقرأه الاغلب الاعم من المؤمنين في كل صباح إلا أننا نجهل موارده الاجرائية ومعانيه الاخلاقية فلم نعتبر بخطته الاجرائية، بل اعتبرنا كلاً وفق قدره العلمي والفهمي التصوري وليس الاجرائي المصداقي.
ان دعاء الصباح لامير المؤمنين D ما هو الا خطة اجرائية للتنمية الاخلاقية، وهذه الخطة الاجرائية متكاملة وتامة بابعادها التطبيقية الثلاث الاجراءات البعيدة المدى والاجراءات المتوسطة المدى والاجراءات القريبة المدى.
ولكل خطة قواعد اجرائية لذا فلنسير معا لادراك هذه القواعد الاجرائية لهذا الدعاء الكريم، ومن هنا صنفنا الدعاء تصنيفا قواعديا ونقف على كل قاعدة نبين تطبيقاتها الاجرائية ان شاء الله.




القاعدة الأولى
الموازين الكونية

}اللهم يامن دلع لسان الصباح بنطق تبلجه وسرح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه واتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه وشعشع ضياء الشمس بنور تاججه{



يبين لنا امير المؤمنين D في هذه القاعدة الكونية المعرفية الاخلاقية موازين الحركة الكونية حيث في بيانه يقررها باربعة حركات وهي:
الحركة الأولى: نور التوهج الالهي، وهذه الحركة الالهية هي مبدأ الفيض النوراني، وفي واقعه هو النفخة الروحية التي نفخها من روحه المقدسة، لذا فان هذه الروح حملت خصائص القداسة، وبهذه الخصائص كانت هي علة الفيض النوراني الذي ملأ اركان كل شيء حيث ان هذه الخصائص النورانية المقدسة و التي محلها هذه النفخة الروحية المقدسة هي الاسماء الالهية الحسنى كونها افق التعليم الالهي الحضوري (وعلم ادم الاسماء كلها)([17]) فبهذه الخصائص الالهية كان الانسان خليفة الله تعالى وبهذه النفخة التي استودع فيها الله تعالى هذه الخصائص الاسمائية كان اهلا لسجود الملائكة وكل المخلوقات؛ لانها سجدت لادم وفقا لوظائفها الكونية والوجودية فمثلا سجود عزرائيل لادم D هو سجود وظائفي بهذا السجود الوظيفي سجدت كل نفس من جهة طاعتها للموت (كل نفس ذائقة الموت) و كل نفس قد سجدت لعزرائيل مولى الموت وظائفيا بسجوده لادم D وبالتالي فان كل نفس قد سجدت لادم سجودا وظائفيا بسجودها لعزرائيل D، اذا هذه الحركة هي حركة الضياء الكوني وهو يوم من ايام الاقوات الاربعة (وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعة ايام سواء للسائلين)([18]).

الحركة الثانية:
مقادير التبرج الالهي، وهذه الحركة قد تفاعلت بفاعلية الحركة الاولى، فالحركة الاولى مثلها في عالم الامكان الضياء الذي شع به النور الالهي، فالنفخة الروحية هي الضياء الذي شع من نور الله تعالى والمعبر عنها بروحه المقدسة، وهذه الحركة الضيائية التوهجية الالهية اشرقت في ا لوجود الامكاني واشرق باشراقها عالم الامكان المثالي النوراني، او قل عالم الذر عالم الارواح الشخصية حيث العالم الأنفسي المقدس الذي اشهدنا الله عليه  وعند شهودنا اياه شاهدنا معالم التربية والخصائص الالهية الاسمائية الحسنى، والتي بها احصى الله كل شيء لذلك لم يكن التساؤل الالهي بـ(اليس) على شهودنا للنفس من قبيل السؤال المفترض اليست هذه انفسكم حتى يكون الجواب بالايجاب ولكن السؤال انتقل الى الربوبية (الست بربكم) وهذا يدل على ان النفس مستوعبة لكل الخصائص الربوبية، وبهذه الخصائص شاهدنا الربوبية شهودا خصائصيا ومعالميا، بدليل اقرارنا بشهودنا لمعالم الربوبية من حيث شهودنا لانفسنا (قالوا بلى).
ثم اشرقت الحركة الثانية من الضياء الكوني الذي تصير بالطاقة الشمسية من جهة الافاق، وبالروح من جهة الانفس والنبي العام من جهة التشريع، فالاضلاع لمثلث النور متساوية:
الضلع الأول: النور الأنفسي(المتمثل بالطاقة الروحية).
الضلع الثاني: النور الافاقي (المتمثل بالطاقة الشمسية).
الضلع الثالث: النور التشريعي (المتمثل بالنبي العام) فمن مثلث النور الالهي هذا اشرق مثلث الحركة الثانية وهي الطاقة الهوائية (الهواء الكوني) كونها اشراق من الضياء الكوني وهي حركة المقادير التبرجية فتحركت بقدرها الافلاكي كل بقدره، ليدور كل منها على نفسه من جهة، ومن جهة أخرى حول الحركة الاولى بمثلثها النوراني الكوني فكان الاتقان في موازين الافلاك فاعلا لحركتها وفق القدر الكوني لكل منها. ان هذه الحركة الهوائية هي الحاملة للنور والضياء الكوني وهي ايضا متساوية الاضلاع ففي الافاق الضلع الاول تمثل في الكواكب التي تبرجت مقاديرها الفلكية باتقان وموزونية في دورانها حول نفسها من جهة وحول الشمس من جهة أخرى واي خلل في موازين اتقانها الحركي يكون الكسوف الشمسي او الخسوف القمري وهو ناتج من ارباك هذه القوانين الاتزانية وفقا لقوانين وهمية من قبيل الخصائص الشيطانية وهي كل الاسماء السوءا، والتي تساوي الاسماء الحسنى الادمية بالمقدار وتعاكسها الاتجاه كونها رد الفعل السيء لفعلها الحسن.
ومن جهة الضلع الانفسي يتمثل بالعقل والذي تبرجت افلاكه بمقاديرها الاتقانية الموزونة، والتي شكلت في اتقانها دورتان: دورة العقل حول نفسه، ومن جهة اخرى دورته حول الروح واي ارباك لهذه القوانين الاتزانية يكون الخسوف العقلي او الكسوف الروحي حيث ينتج هذا الارباك من خلال ارباك دورة العقل حول الاهواء دورة وهمية تتمثل بالخصائص الشيطانية السوءا ودورة النفس الامارة وهي بالسوء والضلع الثالث التشريعي والمتمثل بالولي العام وعليه نفهم ان الهواء ولي الضياء ووصيه، ولا يمكن لاحد في الكون ان تكون له الخيرة في اختيار غيره، لان في غيره الموت والهلاك (لولا علي لهلك عمر)([19]) لان مقادير التبرج العقلي معطلة عنده فهو بين الكسوف الروحي والخسوف العقلي.
الحركة الثالثة
 غياهب التلجلج الالهي، وهي الطاقة المائية الكونية والتي هي مبدأ المادية والكثافة الكونية فالحركتان الاوليتان الضياء الكوني المحض الذي افاضت به الروح الالهية فيضا نورانيا ملأ اركان كل شيء وهو الجسد الامكاني المثالي النوراني الذي تجسدت به الخصائص الاسمية الالهية.
والهواء الكوني المحض، وهو اشراق من فيض النور والضياء الكوني لذا فهو الحامل لهذه الخصائص الروحية الاسمية والناقل لها والامر بامرها امرا حضوريا.
فهذه الحركة تلجلجية هي غيابت الطاقة المائية الكونية والتي هي مبدأ الحياة المادية الكثيفة التي جعل الله منها كل شيء مادي (وجعلنا من الماء كل شيء حي)([20]).
فالحركتان الاولى الحركة الضيائية والثانية الحركة الهوائية خلق منها السموات، لذا عبر عن خلقهن بيومين (فقضاهن سبع سموات في يومين واوحى في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم)([21]) .
وهما خلق نوراني ليس بمادي، وهذا الخلق في الحقيقة هو العرش الالهي الذي فوق الماء، بمعنى انه فوق الحركتين الثالثة المائية والرابعة الغذائية (الترابية) لان هاتين الحركتين هما الماء الكوني الذي خلق منه كل شيء حي بمعنى انه عالم الاحياء (قل انكم لتكفرون الذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين)([22]).
فيوم الماء ويوم التراب هما يوما خلق الارضين السبع، اما الحركتان الاولى والثانية -الضياء والهواء- فهما مكونان عالم الانشاء، وهما المحركان لعالم الاحياء فالمشي مثلا للانسان وغيره لم يكن لتلك القدم المائية المادية وانما للرجل النورانية (ويجعل لكم نورا تمشون به)([23]) لذا يوبخ الله الذين يقفون على المادة وحياتها القصيرة الفانية والمتصيرة بصيروات لا حصر لها، ولم يلتفت الى عالم النور عالم الانشاء المحرك للمادية والمقوم لها (قل يحييها الذي انشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم)([24]).
ان الطاقة المائية طاقة كونية بها بدأت الحياة (عالم الاحياء)اما الحركتان الاولى الطاقة الضيائية والثانية الطاقة الهوائية هما مبدأ عالم الانشاء عالم الامر الالهي وعالم الانشاء وهو (العرش الالهي) فهو حركة انشائية امروية فوق الطاقة المائية الكونية (وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا)([25]) كون الغفلة جاءت من كثافة هذه الطاقة وماديتها، اما الاحسنية التي هي فيض الاسماء الحسنى فقد ركزها الله تعالى تعليما حضوريا في عالم الانشاء ليتخذها عرشا له، احصى فيه كل قوانينه باربع حركات: القوانين الوجودية بنور توهجه وهي ام الكتاب والقوانين التكوينية بمقادير تاججه وهو عالم البداء الذي فيه قوانين المحو والاثبات، والقوانين التشريعية بغياهب تلجلجه لتزيح الظلمات والكثافات المادية التي اطرتها على وجودنا الانشائي، والتي تكونت في وجودنا الاحيائي غفلتنا عن القوانين الانشائية الامروية الالهية، حيث بعد الاقرار بالربوبية ومن خلال شهودنا لوجودنا الانشائي الروح والعقل حذرنا الله تعالى من وجودنا الاحيائي وحياته الزائلة من الغفلة عن حقيقة وجودنا الانشائي وعن حياتنا الانشائية الدائمة (واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين)([26]) فبعد الاقرار بالربوبية من خلال شهودنا لوجودنا الانشائي الحامل لمعالم الربوبية وخصائصه حذرنا الله تعالى من وجودنا الاحيائي، والذي لا بد أن نمر به؛ لاغلاق وجودنا الاحيائي ومحدودية دائرتنا الامكانية ان هذه الطاقة المائية الكونية اشرقت بالحركة الرابعة وهي الطاقة الغذائية الترابية بنطق التبلج الالهي حيث ان هذا الاشراق هو اول صباحات ليلة القدر التي قدر الله تعالى فيها الاشياء الممكنة كلها تقديرا انشائيا بمعنى روحا توهجت بالنور الالهي وعقلا تبرج بالمقادير الالهية وهذا هو الكتاب الذي انزله في ليلة القدر فهي ليلة تقدير الاشياء بمعنى ليلة التنزيل، والليل معبر عن عدم وجود الموجودات بعد ولكل ليل صبح والصبح الذي اسفر هو صبح التأويل بمعنى تصريف  وتفسير عالم الانشاء والذي جاء ترتيلا وتفصيلا لشرح الخصائص الروحية وهي الكليات التسع والتسعون من الرحمن الى الصبور، فكان الوجود الاحيائي هو عالم الكثرة الذي كان تأويلا وتفسيرا وشرحا تفصيليا لعالم الانشاء عالم الوحدة وعالم التنزيل الدفعي عالم النفس النورانية الواحدة، فكل تلك الاشياء الكثيرة تأويل لها وشرح لحقيقتها، فعالم الخلق كان محل تأويل لعالم الامر وهو عالم التنزيل (قل يحييها الذي انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم)([27]).
فمثلا: الكلمة منشؤها من نور الروح، كونها مستودعة فيها فبنور توهج الروح الالهي تتوهج الكلمة نورا وروحا فيبرجها العقل بمقادير تبرجه الالهية فيزيح غياهب التلجلج اللساني فيلجلجها اللسان بغياهبه الالهية فيصبح صباحها بنطق التبلج الالهي كلمة لفظية كثيفة مادية بعدما كانت قبل اللسان امرا انشائيا نورانيا.
فالحركة الثالثة الطاقة المائية لها مثلثها المتساوي الاضلاع:
فالضلع الاول غياهب التلجلج الافاقي حيث الطاقة المائية التي استبطنت فيها الحركتين: الضيائية الهوائية لتكون الطاقة المركبة بكثافتها وماديتها. لذلك فكل حي لا يستغني عن تعقيداتها وتركيباتها الظاهرية والباطنية.
واما الضلع الثاني في الانفس فمثلها النفس الآمرة بالسوء المعاكسة لامر عالم الانشاء وهي محل الغفلة عن ذلك العالم لتضادها معه وهذه النفس عارضة وعروضها سببه ضيق المحل الامكاني ومحدوديته.
والضلع الثالث: في عالم التشريع فهي غياهب التلجلج الالهي في ما يتفاعل العبد، أي يتفاعل وفقا لتفاعل عالمه الانشائي الامر بامر الله تعالى توهجا وتبرجا، ليكون صبحه ناطقا بتبلجه فيواقع نهار الحق السرمدي، اما اذا كان متفاعلا وفقا لتفاعل عالمه الاحيائي الزائل الامر بالسوء فيكون مظلما مدلهما فلا صباح ينطق بتبلجه لذا فهو يواقع ليل الباطل السرمدي.
ثم ان للحركة الغذائية مثلثا متساوي الاضلاع؛ فالضلع الأول هو التركيبة الافاقية الترابية، و التي هي عالم الزوال والفناء، والضلع الثاني الأنفسي: هو هذا الجسد المادي والذي هو مدعاة للكثرة ولا بد له أن يرجع للوحدة ولو بعد حين، والضلع الثالث ويدور مدار التشريع الوضعي الذي لا يتعدى بتخطيطه ابشارا وانذارا مدار المادة والكثافة الجسمية الغذائية والمائية، بمعنى عالم الاحياء، فهي  قوانين ندامة ومتحركة فلاثبات لها، لانها ناظرة للمادة من وجه واحد ولم تنظرها من جميع وجوهها، لذا فهذه القوانين لا تضمن لنا دستوريا السلامة في وجودنا الاحيائي فضلا عن عالمنا الانشائي، فهي لا تدرك بقوانينها كل وجوه عالمها الاحيائي لذلك كلما وضعت قانونا استبدل بما يستحق الاستبدال لفساده وعدم الملائمة الطولية للواقع حولته بما يستوجب التحول؛ فهو ليس بعلاج قانوني طولي فيتم تحويله وتبديله كلما كانت هناك ملائمة مع الطول وهذه الملائمة قاصرة  لانها ناظرة لوجه واحد من وجوه الطول الحياتي الفاني فكيف بها ان تقرر الطول الانشائي الخالد لذلك فان المتقنيين بقوانينها لقمة سائغة للخلود الناري في عالم الانشاء الخالد، اما القوانين التشريعية الالهية تشريعا وقضاءا واجراءا فهي ناظرة لعالم الاحياء من جميع وجوهه لان هذه القوانين مستنبطة من عالمه الانشائي ومتفقة معه اتفاقا وجوديا وتكوينيا، وهذا ما يضمن لها السلامة والخلود الجنتي في عالم الانشاء الخالد، ومن هنا نفهم ان هذه الملائمة للتشريع والسياسة كقضاء واجراء في عالم الاحياء اسس وجعل لها الخلود القانوني فلا تحتاج الى تبديل ولا تحويل، ذلك لنطق صبح تشريعاتها بتبلج الملائمة الكاملة والتامة مع عالمها الانشائي.
وخلاصة القول ان حملة العرش الالهي ثمانية: هذه الحركات الاربعة  من جهة هويتها –الضياء – الهواء – الماء  - الغذاء – ومن جهة خصائصها فان فعل كل شيء وجودا وتكوينا علته هذه العناصر الاربعة فلا نحتاج للتحقيق في التسلسلات الوجودية؛ لان هذه العلل الاربعة اشرف العلل وجودا وتكوينا فكل شيء معلول لها. ثم ان الاشرف في هذه العلل الاربعة هي علة الضياء كون العلل الثلاث وبالتقابل الاجرائي لهذه العلة معلولة لها لان هذه الكينونات الاربعة هي اشرف العلل بالتقابل الاجرائي مع كل شيء فكل شيء معلول لها اما بالتقابل الاجرائي فيما بينها فان الغذاء معلول بالتقابل الاجرائي الماء فهو علته وجودا وتكوينا، والهواء معلول بالتقابل الاجرائي للهواء فهو علته وجودا وتكوينا، والماء معلول بالتقابل الاجرائي للضياء فهو علته، اذا فالتقابل الاجرائي التحتي مفاده ان كل شيء معلول بالتقابل الاجرائي للعناصر الكونية الاربعة فلا حاجة الى ابطال التسلسل.
ثم ان هنالك تسقيط تفاضلي اشرفي فيما بين العناصر الكونية الاربعة وفقا لاشرفيتها الوجودية فالضياء هو اول الموجودات الاربعة ومبدأ فيضها وظائفيا ورتبيا ومقاميا ثم الهواء ثاني الموجودات واول فيض الضياء ثم الماء ثالث الموجودات واول فيض الهواء ثم الغذاء رابع الموجودات واول فيض الماء ثم بعدها كان كائن كل شيء من الغذاء والذي انطوت فيه العلل الوجودية والتكوينية الفوقية وكل من العناصر الكونية الاربعة اقتبس الخصائص العنصرية التركيبة الاربعة.
فهذه اربعة تحمل العرش الالهي ثم ان لكل من هذه الاربعة متول نبأه ادم الخليفة بولايته عليها توليا وظيفيا ومقاميا ورتبيا.
فجبرائيل D هو المتولي على الطاقة الضيائية في عالم الامكان فهو المتصرف بها حيثاً وكيفاً وكما وفقا لقوانين الحكمة الالهية المخول بها ولائيا ووظيفيا ومقاميا ورتبيا. وكل الرسالات والنبوات والوحي من سنخ الطاقة الضيائية الكونية.
واسرافيل D هو المتولي على الطاقة الهوائية في عالم الامكان فهو المتصرف بها حيثا وكيفا وكما وفقا لقوانين الحكمة الالهية المخول بها ولائيا ووظيفيا ومقاميا ورتبيا.
وميكائيل D هو المتولي على الطاقة المائية في عالم الامكان فهو المتصرف بها حيثا وكيفا وكما وفقا لقوانين الحكمة الالهية المخول بها ولائيا ووظيفيا ومقاميا ورتبيا.
وعزرائيل D هو المتولي على الطاقة الغذائية في عالم الامكان فهو المتصرف بها حيثا وكيفا وكما وفقا لقوانين الحكمة الالهية المخول بها والموكلة اليه ولائيا ووظيفيا ومقاميا ورتبيا.
وهؤلاء الاربعة لهم جنودهم العاملون كل وفق وظيفته ومقامه ورتبته الوجودية والتكوينية.
فيكون بذلك حملة العرش ثمانية.
وهؤلاء الاربعة الاولياء على كل شيء كل وفق ولايته قد سجد لادم D الخليفة الالهي سجودا وظيفيا ومقاميا ورتبيا؛ لانه الاعلى منهم وظيفة فوظيفته انه ولي الله تعالى فكل الولايات الاربعة مندكة في ولايته وهو الموظف لوظائفها والمقوم لمقامها والمرتب لرتبها.
فآدم -محمد وآل محمد- اعلى منهم رتبة ومقاما فمن ناحية رتبتهم فهم اول موجود انشائي خلقه الله من نوره وهذا النور علته القوة الضيائية الكونية والتي هي اشرف العلل لما تحتها، وهي اول علة امكانية افاض بها التقابل الاجرائي الفوقي وهو روح الله تعالى.
واما من ناحية مقامهم فهم خلفاء الله تعالى والحاملون لكل خصائصه الفعلية لذا فهم يفعلون بفعل الله تعالى ويأمرون بأمره سبحانه.






القاعدة الثانية
معرفة الذات المقدسة

} يامن دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته وجل عن ملائمة كيفياته{





ان هذا المثلث المتساوي الاضلاع يبين لنا فيه امير المؤمنين D معالم الدليل على الذات المقدسة.
فالبيان الأول: يبين لنا فيه الدليل على الذات المقدسة والذي هو اربعة وجوه استدلالية:

الدليل الأول: دليل العلماء.
وقد استدلوا فيه على ان الاثار دليل على المؤثر بمعنى الفعل دليل على الذات حيث قالوا ان الظل دليل على الشمس فمن خلال الظل نستدل على وجود الشمس فلو كان الدعاء صادرا من العلماء لقالوا يامن دل بفعله على ذاته.

الدليل الثاني: دليل العرفاء:
وقد استدلوا فيه على ان المؤثر دليل على الاثار، بمعنى أن الذات هي دليل على الفعل، وقالوا: ان الشمس دليل على الظل فمن خلال الشمس نستدل على الظل ولو كان الدعاء قد قاله العرفاء لقالوا يامن دل بذاته على فعله.


الدليل الثالث: دليل الانبياء والاوصياء.
وقد استدلوا فيه على ان المؤثر دليل على نفسه، بمعنى أن الذات دليل على الذات حيث لم يكن للفعل اهلية للدليل على الذات، لذا جاء في الدعاء يامن دل بذاته على ذاته.

الدليل الرابع: دليل الجهلاء.
وقد استدلوا على ان الفعل دليل على الفعل وهؤلاء لم يخرجوا بدليلهم من عالم الاحياء حيث ان سيرهم يدور مدار هذا العالم المادي لذلك استقرت عبادتهم اين ما حل دليلهم من معالم الفعل كالنار والاوثان والطبيعة وغيرها من العبادات التي عبدوا فيها الشيطان (لعنة الله عليه) فهو السابق والعابد الاول لهذا العالم الاحيائي، فقد اخذه مبدأ التفاضل والتفاخر والتكاثر عندما جادل الله تعالى حول خليفته (قال ما منعك الا تسجد اذ امرتك قال انا خير منه خلقتني من ناروخلقته من طين)([28]).
فهو في مبدأ التفاضل يدور مدار عالم الاحياء: الماء والتراب، وهما الحركتان الاحيائيتان، بينما كان الله تعالى وملائكته وخليفته يجادلون الجدل الاحسن، فهم يرون ان التفاضل يدور مدار عالم الانشاء وهو عالم الخصائص الالهية (الروح والعقل) وليس النفس الامارة والجسد.
البيان الثاني: ان امير المؤمنين D يريد ان يبين لنا ان للدليل رؤيتان.
الرؤية الاولى: الرؤية التحتية وهذا ما يراه اهل العلم الحصولي من العلماء فهي رؤية يرى اصحابها دليلهم من خلال سيرهم العلمي من عالم الاحياء الى عالم الانشاء سيرا علميا حصوليا، حيث يمثل اجرائهم التطبيقي (وانا اليه راجعون) فهذا عالم الاحياء ليصلوا الى حقيقتهم الانشائية (انا لله) فيتصلوا بالذات المقدسة اتصالا اختصاصيا اسمائيا، وهذا ما جعلهم يستدلون بالفعل على الذات.
هذا شأن اهل العلم الحصولي، اما شأن اهل الجهل فهم في سيرهم يدورون مدار التحت فلم يقروا بحقيقتهم الذاتية الانشائية (انا لله) ولم يدركوا حقيقتهم الفعلية الاحيائية  (وانا اليه راجعون) فداروا مدار التحتية الاسفل سافلين ولم يدخلوا دائرة الاستثناء من الاسفلية (الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم اجر غير ممنون)([29]).
لذلك ضل عملهم فاسدا لفساد عقيدتهم، المعبر عنها بايمانهم.
الرؤية الثانية: الرؤية الفوقية وتدور مدار اصحاب العلم الحضوري وهما ايضا نوعان فنوع الانبياء والاوصياء G حيث العلم الحضوري الكامل التام المطلق باطلاق عالم الامكان ولا يتعداه.
ونوع العرفاء حيث العلم الحضوري  المقيد بقيد البعضية بمعنى ان لديهم علم من الكتاب الكوني الحضوري وليس كل الكتاب الكوني كالانبياء والاوصياء G.
فالانبياء والاوصياء G وصلوا الى مقام حضور الفعل الالهي كله لديهم لذلك فلم يجدوا فيه الاهلية للاستدلال به على الذات بل وجدوا ان ذاته دليل على ذاته كون لا ذات تكافؤه لتكون دليلا على ذاته فوجدوا ومن خلال رؤياهم الفوقية التامة الكاملة التي رؤا فيها كل ذات ممكنة فضلا عن رؤية كل فعل يقابل قدرها الامكاني الذاتي بهذه الرؤية ان كل ذات ممكنة هي بالاصل فعل لذاته المقدسة، فبالتالي ان كل الذوات الممكنة هي افعال تنزهت ذاته عن ملائمتها وتنزهت ذاته عن مجانسة كيفياتها فلا ملائمة ولا مجانسة للذات المقدسة مع هذه الافعال التي ترى لها ذاتا من جهة (التحت) اما من الجهة الفوقية فهي افعال اصلا فكيف تكون دليلا على الذات المقدسة لذلك قرروا دليلهم بان الذات دليل على الذات. اما العرفاء بعلمهم الحضوري التبعيضي ايضا لهم الرؤية الفوقية التبعيضية، لذلك كان دليلهم الذي قرروه ان الذات دليل على الفعل لعدم المجانسة وعدم الملائمة مع افعالها كهوية فلكل من الذوات هويتها ولهذه الافعال هويتها التي تليق بقدرها التكويني، والذي لا يرقى ان يكون هذا القدر الممكن الوجود ان يكون دليلا على قدر الذات المقدسة الواجب الوجود فاستدلوا بان الذات المقدسة هي الدليل على الفعل؛ لان العرفاء واقعوا بعض الشهود الاول النفسي، وبهذا الشهود التبعيضي شاهدوا بعض المعالم الربوبية، وبهذا الشهود الذي شاهدوا فيه بعض الايات في الافاق وفي الانفس حتى تبينت لهم بعض الحقيقة المحمدية العلوية والتي هي واقع الشهود الاول كله بكماله وتمامه.





القاعدة الثالثة
معرفة الفعل الالهي

} يامن قرب من خطرات الظنون وبعد عن لحظات العيون وعلم بما كان قبل أن يكون {




في هذه القاعدة يبين لنا لامام امير المؤمنين D اصحاب الرؤى الثلاث الذين تكونت لديهم رؤية عن معرفة الذات المقدسة لذا فان القاعدة في مثلثها المعرفي:

الضلع الأول:
المعصوم D من الانبياء والاوصياء والمعبر عنه وفقا لعلمهم الكلي، أي كل الكتاب الحضوري الكوني بعلم بما كان او يكون، وهذا علم المعصوم D من الانبياء والاوصياء، حيث ان علمهم موافق علم الله تعالى بما علمهم اركانه تعليما حضوريا كل الاسماء الحسنى، والذي لا يغادر علمه صغيرا ولا كبيرا في دولة الامكان الا احصاه احصاءا حضوريا.

واما الضلع الثاني:
فهو علم العرفاء وبهذا العلم تكونت لديهم الرؤية الحضورية لبعض المعالم الربوبية، فحضرت لديهم بعض الحقيقة المعرفية الحضورية، والتي عبر عنها أمير المؤمنينD وفقا لرؤياهم العلمية الحضورية (وبعد عن لحظات العيون) فبهذه اللحظات العينية لمعالم الشهود الاول الانفسي رأوا بعض الايات الانفسية والافاقية حتى تبينت لهم بعض الحقيقة الربوبية، وبهذه اللحظات قربت الى عقولهم المعالم الربوبية قربا حضوريا وبعدت عن رؤياهم معالم الرؤية للذات المقدسة؛ لانها لا تلائمها الافعال ولا تجانسها الكيفيات.

اما الضلع الثالث:
هي رؤية العلماء وبالرؤية الحصولية المبنية على مباني الظن العلمي، والتي عبر عنها امير المؤمنين D في بيان القاعدة الفعلية (يامن قرب من خطرات الظنون) فالظن يقسم على قسمين:
القسم الأول: الظن العلمي:
وهذا الظن قد سار عليه اهل العلم فتكونت لديهم من خلاله الرؤية الحصولية، والتي استدلوا بها من رؤية الافعال عيانا الى وجود الذات ايمانا.
القسم الثاني: الظن الاثمي:
وهذه هي رؤية الجهلاء التحتية والتي تدور مدار الظن الاثمي مما جعلهم يدورون باستدلالاتهم مدار الفعل الدال على الفعل، فلم يقروا بوجود الذات التي هل محل القابلية لما استدلوا به من فاعلية.












القاعدة الرابعة
موازين التعليم الالهي للممكنات

} يامن ارقدني في مهاد امنه وامانه وايقظني الى ما منحني به من مننه واحسانه وكف اكف السوء عني بيده وسلطانه{




في هذه القاعدة الكونية يبين لنا الامام امير المؤمنين D القابلية التي تقولب بها الممكن من حيث التعليم الالهي الاسمائي الاحسني والتي بها كان كائن خليفته الانسان المخصوص بهذه القابلية التعليمية الحضورية الحسنى: (لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم)([30]).
فهذا الخلق الاحسني قد انطوى في جبلة خليفته الانسان ليكون حاملا ووعاءا للخصائص الالهية الربوبية ومن هذه الاحسنية الانسانية افاض الله تعالى احسنية كل شيء (الذي احسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الانسان من طين)([31]).
فبأحسنية الانسان الخليفة احسن الله نشأة كل شيء، ثم بدأ خلقه الاحيائي من الطين، وهو عبارة عن الحركتين الماء زائدا التراب.
فارقد الله تعالى في جبلة الممكنات القابلية الاحسنية فيما مهد لها من مهاد الامن والامان وهو واقع العالم الانشائي. ثم ايقظ لديه الفاعلية بما منحه من كليات الاسماء الروحية الحسنى (التسع والتسعين) وهي الاخلاق الالهية التي خلق بها كل شيء بوجه عام وخليفته الانسان بوجه خاص؛ لتكون لدى كل الممكنات الهداية التكوينية التي تهدي  به الى الحسنى من خلال الاحسنية التي احصاها الله فيه احصاءا روحيا حضوريا. ثم بين له الهداية التشريعية لعلم الله تعالى بضيق المحل الامكاني ومحدوديته، والتي تكون سببا لتضاده وتناقضه الاسمائي، لان الاسماء التعليمية الالهية في جبلة الممكنات تحددت بمحدودية وجوده وتكوينه لذلك تضادت بالاسماء السوءا التي عرضت عليه من خلال عالم الاحياء المادي الكثيف والذي هو محل الغفلة والنسيان لذلك كان من اللطف الالهي ان يبين لنا الهداية التشريعية لتذكرنا بالتعليم الالهي في ما علمنا الله تعالى اياه في عالم الانشاء.
فانزل ذكره على من وصل لمقام الشهود الكامل التام، لكونهم هم أولوا الذكر اللذين انعم الله عليهم بنعمة الولاية الالهية وهم حقيقة محمد وآل محمد 7 فتكون هذه القاعدة الالهية التعليمية والتي بينها لنا امير المؤمنين في دعاء الصباح هي ايضا مثلث متساوي الاضلاع، فالضلع الاول: عالم الانشاء، وهو محل الاحسنية التقويمية، حيث القابلية التي احصى الله فيها كل شيء احصاءا حضوريا بيانيا (انا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء احصيناه في امام مبين)([32]).
فان التقديم وما يؤثر من اثار يلزم منه التجلي الفعلي للممكنات وهو الضلع الثاني، حيث الفاعلية الاحسنية التي تقابل القابلية الاحسنية، اما الضلع الثالث فهو الفاعلية الاسوئية والتي تتفاعل بها النفس الامارة بالسوء والمتصلة اتصالا تسانخيا فعليا بدولة الشيطان، والتي حذرنا الله تعالى منها وذكرنا وبشرنا بالافعال الاحسنية.
ومن هنا فان الامن والامان التام في حقيقته هوان ما علمنا الله تعالى خصائصه الاحسنية حتى ندرء بها الاسوئية.
اذا فنحن في حقيقتنا الوجودية والكونية امن وامان اذا سلكنا الاحسنية في تجلياتنا الفعلية لنكون متفقين مع قوانيننا الذاتية.
اما الحزن والخوف والفزع فيمكن فيما لو سلكنا الاسوئية في تجلياتنا الفعلية لانها عارضة على ذاتنا، لذا نكون حينها مفترقين عن قوانيننا الذاتية.






القاعدة الخامسة
الانسان الكامل التام

} صل اللهم على الدليل اليك في الليل الاليل والماسك من اسبابك بحبل الشرف الاطول والناصع الحسب في ذروة الكاهل الاعبل والثابت القدم على زحاليفها في الزمن الأول وعلى اله الاخيار المصطفين الابرار {



في هذه القاعدة العقائدية يبين لنا امير المؤمنين D معالم الانسان الكامل التام والخليفة الالهي المتصل بالله تعالى اتصالا دائما ابدا من الجهة الفوقية، والمتصل اتصالا ابديا بالممكنات من الجهة التحتية. وهذه القاعدة الخماسية في شكلها الهندسي، حيث الضلع الاول فيه بيان الاتصال الالهي بالدليل اليه في ليل عالم الاحياء الاليل بمعنى ان لا اتصال بالله إلاّ بنبوة محمد 7 كونها العامة والخاتمة وباب الاتصال هو ولاية علي D والضلع الثاني فيه بيان تمسكه بحبل الشرف الاطول والشرف الاطول هو شرف التوحيد والذي اوجب الله تعالى على الكثرة التعلق والتمسك به وان لا نتفرق عنه (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)([33]) فاعتصموا دليل على عصمة الحبل الالهي وهو النبوة  العامة والولاية العامة. واما جميعا فانها تحكي واقع وجوب الطاعة لمحمد وال محمد 7 وعلى الجميع، ثم ولاتفرقوا تكشف عن ان الامة الناجية هي امة محمد 7 والامم المتفرقة والمفترقة عنهم هالكة لا محالة.
اما الضلع الثالث فيه بيان العصمة الهويتية والخصائصية الاحيائية فضلا عن العصمة المعنوية الانشائية، فالقاعدة في ضلعها الثالث يبين الامام D فيها بيان عصمة النبي والولي وطهارة الاصلاب والارحام، ثم بيان الضلع الرابع ففيه بيان ثبات الانسان الكامل والذي مثله محمد 7 كونه محل السنة الالهية الثابتة التي لا تحويل فيها ولا تبديل فالثبات لدى الانسان الكامل منذ الزمن الانشائي الاول. ثم الضلع الخامس فيه بيان ان ما يجري لمحمد 7 يجري لآل بيته الاطهار المصطفين الابرار ليكونوا هم واقع الانسان الكامل روحيا ونفسيا والتام عقليا وجسديا والذي هو القدوة الحسنة، والتي فاضت بكل الصفات الاسمائية الحسنى الالهية، فكان حقا أي يتبع كونه الدليل الى الله تعالى والمتمتع بالعصمة الجعلية التكوينية وهي عالم الانشاء، والتي واقعها اختيارا بالعصمة التشريعية السياسية والتي هي عالم الاحياء.
فالفرق بين المعصوم من الانبياء والاوصياء G وبين العرفاء والعلماء التابعين لولايتهم هو ان الكل معصوم بالعصمة الجعلية وهي عالم الانشاء فالكل كان كائنه الانشائي في أحسن تقويم، وهو كمال الروح وتمام العقل فالكل قد اتفق من ناحية القابلية ولكن الافتراق من ناحية الفاعلية والتي محلها عالم الاحياء، فالانبياء والاولياء G نضحت فاعليتهم بما احصى الله تعالى في قابليتهم من التعليم الاحسني فكانوا من المحسنين الكاملين التامين احياءا فضلا عن كمالهم وتمامهم الانشائي نضحا حضوريا كاملا تاما اما العرفاء فقد نضحت فاعليتهم ببعض ما احصى الله تعالى في قابليتهم نضحا تبعيضيا حضوريا واما العلماء فقد نضحت فاعليتهم بما استودع الله في قابليتهم نضحا حصوليا. واما الجهلاء فقد نضحت فاعليتهم بالنضح السوئي المفترق عما احصى الله في قابليتهم فكانت صفاتهم الفعلية غير صفاتهم الذاتية فكانوا اسفل سافلين.








القاعدة الاخلاقية الاجرائية السادسة
مفاتيح الرحمة
} وافتح اللهم لنا مصاريع الصباح بمفاتيح الرحمة والفلاح والبسني اللهم من افضل خلع الهداية والصلاح{




في هذه القاعدة يريد الامام امير المؤمنين D ان يبين لنا الاجراءات التطبيقية لنكون في سلوكنا متقنين وفقا للخطة الاجرائية الالهية. فهذه القاعدة تبين لنا ان اول الاجراءات هو ان الله تعالى افتتح ا لصباح التقديري والذي اشرق من ليلة التقدير افتتحه بمفاتيح الرحمة والفلاح ومفاتيح الرحمة هم محمد وال محمد 7 (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)([34]).
ثم ان الفلاح هو واقع التنظيم وفق النظام الاسلامي تنظيما تشريعيا وسياسيا كقضاء واجراء (اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون)([35]) وهذا الاجراء التطبيقي ناتج من التقنن بقانون الخلق الالهي الاحسني العظيم، حيث تزكية النفس مقدمة للفلاح (قد افلح من زكاها)([36]).
فالتزكية للنفس التي عرضت بسبب الوجود الاحيائي المادي لتكون طاهرة مطهرة كما هي الروح.
اما الاجراء الثاني والذي تريد القاعدة بيانه هو ان يلبس السالك خلع الهداية والصلاح. فالهداية اجراء تطبيقي عقائدي باطني وهو الايمان بولاية محمد وآل محمد 7 كونهم محل الهداية وفقا لسراطهم المستقيم الذي لم يجعل الله تعالى فيه عوجا (اهدنا الصراط المستقيم)([37]).
(صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)([38]).
فـ(الذين) اسم موصول دال على الجمع فهم المجموعة الطاهرة والتي هل محل الهداية الالهية. فالايمان بها يكون محور الهداية والايمان بغيرها يكون محور الضلالة، حيث صراط الجحيم والذي اتبعوه أئمة العصيان عوجا.
ثم الاجراء العملي يكمن في الصلاح، فهو الاجراء العملي الظاهري والتي افاضت به الهداية الايمانية (الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم اجر غير ممنون)([39]).
اما الايمان الضال فهو محل العقائد الفاسدة والتي نضحت بالاعمال الطالحات.
فالقاعدة تبين لنا الاجراء الاول هو التخلق بالاخلاق الالهية  وفيها اجراءان: اجراء التقنن بالرحمة الالهية كاجراء قانوني باطني، واجراء التقنن بالفلاح الالهي كاجراء تطبيقي عملي ظا هري وهي تجسيد نظم ودساتير الرحمة الالهية المتمثلة بحكومة النبوة المحمدية العامة والولاية العلوية العامة.
ثم الاجراء الثاني وفيه اجراءان: الهداية كاجراء قانوني، والصلاح كاجراء تطبيقي لهذا القانون، فالرحمة اجراء دستوري الهي باطني وهو واقع الصبغة الالهية الاحسنية لذاتية الممكنات، والتي بهذا يكف اكف السوء من الصبغة السوئية العرضية (وما ابرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي ان ربي غفور رحيم)([40]).
فكل نفس امارة بالسوء الا النفوس التي دخلت في ولاية محمد وآل محمد 7 فهم واقع الرحمة الالهية.
فهاتان الحركتان هما الاجراء العقائدي بين باطنه الرحمة وظاهره الفلاح العملي الباطني والصلاح  لانه الاجراء العملي فهما الهداية لانها الاجراء العملي الباطني أمّا الصلاح فهو الاجراء العملي الظاهري.
فبهذه الحركات الاجرائية الاربعة يكون الانسان في سلوكه قد تقنن بالقوانين الالهية اعتقادا وعملا، وبالمقابل فهنالك أربعة حركات في الاجراء السوئي التطبيقي، حركتان: في اجراء العقائد الفاسدة، وباطنها النقمة وظاهرها الخيبة (خاب من دساها) بالتقابل الاجرائي.
وفي العمل هنالك حركتان اجرائيتان تطبيقيتان  حركة الضلالة وهي اجرائية تمثل باطن العمل السيء. والطلاح والفساد وهما اجرائية ظاهر العمل السيء وهذه الحركات كلها تدور مدار العقل والروح والنفس، فهذا المثلث يفترض تساوي اضلاعه فالروح طاهرة والعقل طاهر، والنفس يفترض ان تكون طاهرة حتى تصل الى تساوي الاضلاع في المثل، وهذا ما وصل اليه محمد وال محمد 7 (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)([41]).
والقضية الحقيقية ان هنالك مثلثان سلوكيان عمليان اجرائيان هما في طول حقيقتنا الوجودية، ولا بد هنالك من السير وفقهما واختيار احد المثلثين، ولا يمكننا تداخلهما تداخلا اجرائيا وتطبيقيا.

فالمثلث الاول:
الدنيا والنفس والشيطان وهو مثلث متساوي الاضلاع في حقيقته التكوينية.
ثم الآخرة والروح والرحمن النبوة العامة والولاية العامة (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)([42]).
وهو مثلث متساوي الاضلاع، فالنفس أمارة بالسوء وبينها وبين الروح الآمرة بالحسن تقابل اجرائي بالعرض، والمطلوب ان نجعل تقابلها الاجرائي بالطول أي بطول الروح بمعنى نطهر النفس ونجعلها تتخصص بخواص الروح الآمرة بالحسن.
والدنيا بينها وبين الآخرة تقابل اجرائي بالعرض والمطلوب ان نجعل تقابلها الاجرائي بالطول أي بطول الآخرة بمعنى ان نطهر الدنيا ونجعلها تتخصص بخواص الآخرة.
أمّا الشيطان فهو صنيع النفس الامارة بالسوء كونها هي الشيطان الاول، فالشيطان قد وصل الى مقام النفس الكلية؛ لذا فهو امار بالسوء والفحشاء، بينما الرحمان وهو مقام محمد وآل محمد 7 هو مقام الروح الكلية الآمرة بأمر ربها اذا فبين الشيطان والرحمن تقابل اجرائي في الكون وهذا التقابل بالعرض ولا يمكن ان يكون تقابلا اجرائيا طوليا الا بظهور الامام الحجة (عجل الله فرجه) ليمحو هذه الهوية النفسية فتنمحي خصائصها السوئية فيظهر الدين كله وهو عالم الروح والدولة الروحية، وهي آخر الدول بعد الدولتين النفسية والعقلية.
اما ما قبل الظهور فان النجاة في المطلبين الاوليين أي نجعل النفس تقابل الروح تقابلا اجرائيا طوليا فيكون الالتزام والتطابق ان الدنيا تقابل الآخرة تقابلا اجرائيا طوليا، وهذا ما يقطع اتصال الشيطان بانفسنا فيقطع اتصاله بدنيانا فيظهر ديننا على كل دين، وهذا هو الانتصار الحقيقي والانتظار في زمن الغيبة، لأن واقع الانتظار مثلث هو ان لا تجعل للشيطان مثلث متساوي الاضلاع فيظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس.









القاعدة السابعة
معالم العلاقة القلبية بين العبد وربه
    
} واغرس اللهم بعظمتك في شرب جناني ينابيع الخشوع واجر اللهم لهيبتك من اماقي زفرات الدموع وادب اللهم نزق الخرق مني بازمة القنوع {





في هذه القاعدة الاخلاقية التهذيبية يبين لنا امير المؤمنينD الحركات الاجرائية القلبية بين العبد وربه، وهي تتقولب في حركات اجرائية ثلاث:
فالحركة الاجرائية الاولى: هي الخشعة القلبية وهذه لها قالبها الذي تتقولب فيه، الا وهو العظمة الالهية، التي تغرس اشجار الشوق في القلب وهي الباعث الاجرائي للخشعة.
والحركة الاجرائية الثانية: هي الدمعة وهي فيض الاولى (الخشعة) والدمعة ايضا لها قالب تتقولب فيه الا وهو الهيبة الالهية، فهي الباعث اجرائيا على الدمعة.
والحركة الاجرائية الثالثة: هي القنوع والباعث له اجرائيا الادب بمعنى التأدب بالاداب الالهية والتربية الربوبية.
فالذي يدرك ادراكا حسيا ا جرائيا بالعظمة الالهية يدخل الشوق في قلبه كشجرة مثمرة ثمرتها الخشعة، اما الذي ذهب ادراكه الحسي الاجرائي الى العظمات الامكانية في علو ودنو المقامات الدنيوية فهذا القلب لا يعرف الخشعة.
والذي يدرك ادراكا حسيا اجرائيا بالهيبة الالهية فان الدمعة تكون لديه هي اللغة التي لا يفقهها الكثير والتي من خلالها يعبر عن رؤياه وحسه وادراكه.
اما الذي يكون ادراكه وتحسسه ان الهيبة تكمن في الممكنات بين عزيزها وذليلها فهذا لا يعرف هوية الدمعة ولا خصائصها، وإنَّ هذا المسكين هو من جملة المصائب التي تستحق ان نذرف عليها الدموع، فقد ملأت هذه الشخصيات قلوب اهل البيت Gقيحا وابكت عيونهم دما.
فاهل البيت Gواقع مصيبتهم التي تستحق البكاء انما هي بقتل خصائصهم الالهية، وهذه الشخصيات هي مصيبة اهل البيت Gلذلك ابكتهم هذه المصيبة.
لذا قبل ان نبكي مصيبة اهل البيت Gعلينا ان نحقق هل اننا قد وصلنا الى مقام لا نكون فيه مصيبة من مصائبهم فكل سوء نفعله هو مصيبة من مصائب أهل البيت، لذا نجدهم في خططهم الاجرائية من دعاء وزيارة ينسبون ذنوبنا وخطايانا ومعاصينا لانفسهم، لانهم وحدة الوزن الالهي فأي خلل بالموزون مثلا يدركه  وحد الموزون. لو اشتريت كيلو طماطة فاين ما يكون فالكيلوية لا تختلف ولا تختلف عنه والا فلا قيمة وزنية له. كذلك الطماطة الموزونة فبالالتزام والتطابق ان لا تختلف ولا تتخلف عن وحدة الوزن.
فلو كان هنالك في الطماطة وحدات منها تالفة او مغشوشة رغم موزونيتها المتفقة الا أن الكيلو وحدة وزن ينسب الخلل اليه، لان وحدة الوزن امة فلو لم تكن وحة الوزن معصومة لسرى الخلل الى كل شيء موزون، ووحدة الوزن كل شيء هي حقيقة محمد وال محمد 7.
فالمسيء والعاصي والمذنب وحدات موزونية  تالفة كالطماطة، التالفة في كيلو الطماطة فالمتألم وصاحب القضية فيها هو كيلو الحديد اي وحدة الوزن.
واما الذي يدرك ادراكا حسيا اجرائيا الاداب الالهية فانه يصل الى مقام القنوع، والقنوع يحتاج الى نظرة فوقية والا فالذي يملك النظرة التحتية فانه لا يقتنع حتى بالقناعة ذاتها كهوية فكيف له ان يقتنع بخصائصها وهذه من امهات مصائب القناعة.






القاعدة الثامنة
السلوك بين الوضوح والغموض

} الهي ان لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق فمن السالك بي اليك في واضح الطريق {





في هذه القاعدة الاخلاقية التهذيبية يبين لنا فيها امير المؤمنين Dان هنالك سلوكان:
اولهما السلوك الحق الى المعالم الربوبية:
والثاني السلوك الباطل الى المعالم الشيطانية.
وتقدم لنا هذه القاعدة بيان الاجراءات التطبيقية لكل منهما، فالسلوك الحق يحتاج الى اجرائين: الاجراء الاول الابتداء بالرحمة والتقنن بقوانينها الالهية والرحمة كما بينا هي واقع النبوة العامة والولاية العامة، وهذا الابتداء الرحمتي هو محور خروج السالك من دائرة السوء الى دائرة الحسن حيث يكون في محل الإجراء الثاني وهو محاسن التوفيق لتجليه بالمعالم الاحسنية.
اما السلوك الباطل فانه يحتاج الى اجرائين فهو ناتج من تطبيقهما الاجرائي، فالاجراء الاول هو الابتداء بالنقمة وفي واقعها التحلي  بالسوء والمعالم الشيطانية، ويصل به السالك الى الاجراء الثاني وهو مساوئ التوفيق، لتجليه بالمعالم السوئية.
وبهذه الحركات الاجرائية المتضادة في مسالكها يكون السالك قد عاين السلامة في واضحات الطريق الا وهو تجلي بمحاسن التوفيق لتحليه بالابتداء الرحمتي، او يكون قد عاين الندامة في غامضات الطريق، الا وهو التجلي بمساوئ التوفيق لتحلية بالابتداء النقمتي.
وكما هو وارد في مجتمعاتنا من مسالك السوء التي اتخذت مبادئ النقمة طريقا غامضا لما سلكت.
وهذه المسالك الغامضة والتي تجلت بمساوئ التوفيق جعلت من العقول تتنافر مع السلوك كله، ولا ثقة لها بعد بمسالك الرحمة وتجلياته بمحاسن التوفيق، والذي اخذ السالك فيه الى واضحات الطريق، حيث الطريقة المثلى محمد وال محمد 7.










القاعدة التاسعة
التسليم العقلي للروح أو للنفس

} وان اسلمتني اناتك لقائد الامل والمنى فمن المقيل عثراتي من كبوات الهوى {





ففي بيان امير المؤمنين D لهذه القاعدة الاخلاقية يتبين لنا قاعدة التسليم العقلي.
فالعقل قوة اجرائية وسلطة حكومية يحتكم اليها السالك في اجراءاته التطبيقية العملية حتى يصل الى واقع التسليم إمّا لقوة الروح الاجرائية والتي تمثل في اجرائيتها امر الله تعالى الامر بالحسن، كون الروح أمرها من امر ربي او التسليم اجرائيا الى سلطان النفس والذي في اجراءاتها تمثل امر الشيطان الآمر بالسوء، كون النفس امارة بالسوء.
ومن هذه الاجراءات التسليمية فناء أنات السالك في انات السالك اليه.
فان كان التسليم القلبي والعقلي في معالم الروح فان السالك يكون قد فنى أناته في انات الله تعالى، وان كان السالك في تسليمه القلبي والعقلي قد سلم لمعالم النفس اجرائيا فان اناته قد فنت في انات الشيطان.
ومن المقومات الاجرائية لهذا التسليم الاناتي هو الامل والمنى فالامال والامنيات في تطبيقاتها الاجرائية تكون في إطار هذه القاعدة الاخلاقية:

مثلث الحسن:
الضلع الاول: الاراء الصالحات.
الضلع الثاني: الاطماع الصادقات.
الضلع الثالث: الأمنيات الباقيات.

مثلث السوء:
الضلع الأول: الاراء الفاسدات.
الضلع الثاني: الاطماع الكاذبات.
الضلع الثالث: الأمنيات المتلاشيات.
وهناك القاعدة الاخلاقية الاخرى المتداخلة معها تداخلا سلوكيا اجرائيا، وتتكون هذه القاعدة بشكلها الهندسي من ثلاث اضلاع:
الضلع الأول: الوحدة الفكرية وهي واقع الابداعات الذاتية.
الضلع الثاني: الوحدة الذهنية وهي واقع الابداعات المكتسبة.
الضلع الثالث: الوحدة الخارجية وهي واقع الوحدة في مصداقها الخارجي الذاتي والمكتسب المطروح خارجا طرحا اجرائيا وقضائيا.
وبالمقابل فان هنالك مثلث السوء في اضلاعه الثلاث ايضا:
فالضلع الأول: الكثرة الفكرية وهي واقع الابداعات الذاتية من قبيل الابداعات التي لا تنفع كالعقائد الفاسدة وغيرها.
الضلع الثاني: الكثرة الذهنية وهي واقع الابداعات المكتسبة من قبيل العلوم التي لا فائدة اكتسابية فيها كالادب الروسي او الادب الفرنسي وغيرهما.
الضلع الثالث: الكثرة الخارجية وهي التجليات الكثيرة العينية والمعنوية طرحا ذاتيا واكتسابيا، والتي توصل السالك الى ارباب متفرقين.
فالامل والمنى قيادات وحركات نفسية متلاشيات تقود السالك الى طريق   الاهواء الذي يكتنفه الغموض والتعقيد فيكبوا السالك  في كبوات الهوى، والتي لا مقيل له منها الاّ بترويض الامل والمنى الى الامنيات الباقيات التي تتقنن وفق مبادئ الرحمة والحكمة الالهية وغاية ما يريده الامام Dفي هذه القاعدة أن يبين لنا أمرين اجرائيين متلازمين:
الامر الاجرائي الاول: التسليم الى قيادة الامل والامنيات المتلاشيات يلزم السالك ان لا اقالة له من كبوات الهوى.
 الامر الاجرائي الثاني: التسليم الى قيادة الامل والامنيات الباقيات يلزم السالك أن يكون بيده سلطان الاقالة من الهوى وكذا كبوته وسطوته.









القاعدة العاشرة
السلوك بين الانتصار والهزيمة

} وان خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان فقد وكلني خذلانك الى حيث النصب والحرمان {






في هذه القاعدة الاخلاقية يبين الامام امير المؤمنين Dامرين اجرائيين متلازمين:

 الامر الاجرائي الاول:
ان هزيمة العقل في محاربة النفس والشيطان ومغلوبيته بغالبية الهوى يلزم منه الأمر الاجرائي الثاني.

الامرالاجرائي الثاني:
 وهو الخذلان المؤدي بالسالك الى النصب والحرمان.
فهزيمة العقل امام النفس يؤدي إلى انتصارها، وانتصارها يلزم منه النصب والتعب المادي والمعنوي، وهزيمة العقل امام الشيطان يؤدي الى انتصار الشيطان والنفس فيلزم حرمان السالك حرمانا ماديا ومعنويا. (ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى)([43])
اما المنتصر في المعركة (فهو في عيشة راضية)([44]) فللروح سلطان يامر بالخير المحض، لاتفاقه مع امر الرحمن وافتراقه عن امر الشيطان.
وللنفس سلطان يأمر بالشر المحض لاتفاقه مع امر الشيطان وافتراقه عن امر الرحمن.
وللعقل سلطان يأمر بالخير وفقا لاتفاقه مع امر الروح وافتراقه مع امر النفس ويأمر بالشر لاتفاقه مع امر النفس وافتراقه مع امر الروح.
ففي اتصاله بأمر الروح يكون قد تسلح بالانتصار الالهي والمتمثل بالخصائص الالهية الحسنى في محاربته للنفس والشيطان، وفي حالة اتصاله بامر النفس يكون قد تسلح بالهزيمة الشيطانية والمتمثلة بالخصائص الشيطانية السوءا. وهذا ما يوصله الى اخذ غنائم الهزيمة بما قدمت يداه، ومن غنائمها النصب والحرمان، فالقواعد في هذا الدعاء تبين الاجراء الوقائي من خلال التقابل الاجرائي للسلوك المنحرف ولوازمه وآثاره، فالتقابل الاجرائي يكشف لنا عن السلوك الحسن وآثاره ولوازمه.
والاجراء الوقائي العام والذي لا يكون الا وفقا لهذه الخطط وقواعدها الاجرائية هو التغيير الأنفسي،  فلا يمكننا نيل النتائج الرابحة والناجحة الا بصنع مقدماتها الصحيحة والصالحة فالتغيير الأنفسي  هو المقدمة الصحيحة والصالحة لتكوين النتيجة الرابحة والناجحة وهي تغير الافاق (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)([45]) والتغير له صيرورتان:
الصيرورة الاولى: التغيير من الاحسن الى الاسوء. وهذا التغيير في تطبيقاته الاجرائية هو مصدر تعب وحرمان المجتمعات، حيث التعب والحرمان الاجتماعيين او السياسيين او الاقتصاديين وغيرها من المجالات الأخرى. وهو العلة في الاوبئة المتفشية، والتلوث البيئي والدمار الشامل والاسلحة الجرثومية والكيمياوية وغيرها، وكذلك هو السبب في الاحداث الكونية من كوارث طبيعية واخلالات فلكية كالكسوف والخسوف والحوادث الاخرى، مثل الزلازل والبراكين فكل هذا من جراء التغيير الانفسي السيء.
الصيرورة الثانية: التغيير من الاسوء الى الاحسن، وهذا التغيير هو المقوم للموازين الكونية والحياتية، والوجودية فضلا عن خلق مقومات الموازين التشريعية والسياسية والتنفيذية والاجرائية فهو مصدر الحياة الكريمة للفرد والمجتمع وفي مختلف الجوانب والاصعدة.










القاعدة الحادية عشر
قاعدة الوصال

} الهي اتراني ما اتيتك الا من حيث الامال ام علقت باطراف حبالك الا حين باعدتني ذنوبي عن دار الوصال {






بيان امير المؤمنين D في هذه القاعدة يدور مدار الاجراءات التطبيقية للسالك في العودة والتعلق بحبال الوصال، فالعلة تكمن في الامال والأماني الباقيات فهي مبدأ العودة والرجوع الى دار الوصال بعد الابتعاد عنها لكثرة الخطايا والذنوب.
فالتعلق الاتصالي بحبال الوصال مرهون بالامال والاماني الباقيات، اما الانقطاع فهو متعلق بالاماني والامال المتلاشيات.
فمن الاجراءات التقابلية في هذه القاعدة هي الرؤية الالهية للعبد والتي يقابلها اجرائيا من العبد (الايتاء)، وحقيقة الايتاء هو الايتاء العلمي، وأول حيثيات هذا العلم الذي ياتي به العبد الى معلمه ومربيه هو الامل بالعودة والامنية بالقبول كونهما اول الاجراءات العلمية التطبيقية التي ياتي بها العبد الى ربه وفقا لما رباه بربوبيته وخصصه بخصائصه.
فالقبول اول الخطوات الاجرائية التي ياتي بها العبد تائبا فتتبعها باقي خطوات التعلق بطرف الحبل الالهي وهو الامامة والتي اوجب الله الاعتصام به الى ان يدخل في دار الوصال والعشق الالهي.
وكما ان للعشاق بيننا علامات فللعشق الالهي ا يضا علامات نستقرأها من حيث التقابل الاجرائي فمنها:
العلامة الاولى: بين العشاق اسرار لم يطلع عليها احد. فالاطلاع عليها يؤدي الى خلق مشاكل أدناها الارباك في العلاقة العشقية. كذلك العشق الالهي فالعاشق بينه وبين معشوقه اسرار يفيض بها كل منهما للاخر، فمن اسرار العاشق عذاب الحس واماطة الخاطر، ومن اسرار المعشوق نفحات قدسية ترفع العاشق مقامات لا يعرفها الا الله والعشاق من هم فوقه ومثله.
العلامة الثانية: يأوي العشاق الى الليل ويختلون فيما بينهم؛ كي يتعرضوا للنفحات العشقية وجذباتها وهيماتها وتالهاتها وكذلك العشق الالهي، فمن علامته ايواء العاشق الى الليل، والاختلاء بالمعشوق الأول والتعرض لهيماته وجذباته ونفحاته، ومن هذه الاختلاءات هي صلاة الليل.
العلامة الثالثة: كل من العاشقين ينزه الآخر من أي صفة مذمومة، ولا يذكره الا بالصفات المحمودة ويغضب على من يذمه ويرضى على من يمدحه، وكذلك العشق الالهي فالعاشق ينزه معشوقه من كل صفة مذمومة، والمعشوق يرفع عاشقه الى مقام ينزهه فيه عن كل الصفات المذمومة.
الصفة الرابعة: العاشق يوحشه الفراق ولا يأنس الا بلقاء معشوقه الى غير ذلك من العلامات التي تدل على عشق العشاق، وقد نجمل خصائص الاتصال والوصال باربع خصال ذكرها امير المؤمنين  D في قوله:(من اشتاق خدم، ومن خدم اتصل، ومن اتصل وصل، ومن وصل عرف)([46]) ولها بيان يلائم عصرنا هذا وسيره العلمي والعملي:
فهنالك شبكة اتصال كونية كل الكون تحت تغطيتها؛ لان كل العقول عبارة عن اجهزة ربانية بمنتهى التطور الكوني وهي داخل الخدمة لهذه الشبكة الالهية، وهي شبكة ولاية محمد وال محمد تلك الرحمة التي وسعت كل شيء –ولكن على هذه الاجهزة ان تتسلح بامرين اجرائيين هما:
الأمر الأول: ان تتخصص بخاصية (الكارت الاتصالي) المتوافق مع هذه الشبكة مثل (الخط – السيم كارت) وهو حقيقة الاعتقاد بهذه الشبكة، فكل كارت اتصالي يحكي عن واقع الاعتقاد بالشبكة الخاصه به، وهو المعبر عنه بالخدمة، اعني الايمان بالشبكة الالهية (الا الذين آمنوا).
الأمر الثاني: ان تتخصص اعني بخاصية (كارت الرصيد) المتفق بالالتزام والتطابق مع كارت الاتصال وهو المعبر عنه بالوصل والوصال، فتكون القضية تامة في تطبيقاتها الاجرائية، فالخدمة الاتصالية متحققة وهي الايمان، والوصال القضائي والاجرائي وفقا لقوانين الايمان بالشبكة الالهية (الا الذين امنوا وعملوا الصالحات) وهنا يكون الاتصال متحقق، واذا تحقق الاتصال فقد وصل المتصل الى المعرفة بالشبكة، واوصلته بمن يريد الاتصال ومعرفته في كل الكون المغطى بهذه الشبكة الالهية العظيمة.
اما الذي ليس لديه كارت اتصال متوافق مع الشبكة الالهية فلا يمكنه الاتصال  بالشبكة لذا لا يعرف من نفسه الا ماديتها فيتشبث بالمادة والعناوين الاخرى، والتي هي لا تملك كارت الاتصال (لولا علي لهلك عمر)([47]) اما الذي لديه كارت اتصال (ايمان) ولكن ليس لديه كارت رصيد (عمل) فعندما يريد ان يتصل فانه لا يعرف، لان الرصيد غير كافٍ لاتمام المكالمة.










القاعدة الثانية عشر
كل وحي مطية الروح وكل هوى مطية النفس

} فبئس المطية التي امتطت نفسي من هواها فواها لها لما سولت  لها ظنونها ومناها. وتبا لها على جرأتها على سيدها ومولاها {





في هذه القاعدة الاجرائية جملة من الاجراءات التطبيقية التي يبينها لنا امير المؤمنين D والتي منها:
الاجراء الأول:
النفس تمتطي الهوى، والروح تمتطي الوحي. بمعنى ان تجلي الروح على العقل تجعله وحيا يوحى وتجلى النفس على العقل تجعله ينطق عن الهوى لان العقل هو الباب الذي منه يؤتى من الروح والنفس واليه يتوجه الاولياء والمؤمنون بولايته الكونية والتمكينية (تشريعا وقضاءا واجراءا) فاذا كان الايتاء من باب العقل نفسيا كانت الولاية للعقل ولاية الهية (ائمة يهدون بأمرنا) وهذه هي ولاية العقل الامروية المتفقة مع الامر الطولي الالهي، وان كان الايتاء من باب العقل نفسيا كانت الولاية للعقل ولاية شيطانية (الشيطان يوحي لاوليائه) لذا فان النفس تنطق عن الهوى، والهوى هو الناطق الرسمي عن حكومة النفس الامارة بالسوء. لذلك عبر القرآن الكريم عن واقعها بانها امارة بالسوء الا من زكاها تزكية الفلاح حيث التطبيق الاجرائي لمعالم الهداية فيكون قد دخل في رحمة الالهية (الا ما رحم ربي) والرحمة واقعها حقيقة محمد وال محمد 7، والروح فانها تنطق عن الوحي، والوحي هو العقل، والعقل هو الناطق الرسمي عن حكومة الروح الامر بامر ربها، فالوحي هو ترتيل الاسماء الكلية (التسع والتسعون) الروحية الى العقل، فالوحي ما بين الروح والعقل، ولذا كان التعبير عن الروح في القرآن المجيد بأن أمرها من أمر ربي.
وهناك نكتة أود الالتفات اليها وهي ان دائرة الاستثناء من امروية النفس باعثها الرحمة الربوبية، بمعنى التربية والخلق الالهيين وهي الاسماء كلها، ومحل تلكم الاسماء ووعائها هو الروح، لذا كان الامر مقترن ايضا بالربوبية (من أمر ربي) بمعنى ان الامر متعلق بالتربية الالهية.
الاجراء الثاني: اسباب ودواعي هذا الامتطاء  ان كان نفسيا فمطيته الهوى ودواعيه الظن الأثمي والأمنيات المتلاشيات، وان كان روحيا فمطيته العقل ودواعيه الظن العلمي والامنيات الباقيات. وكل منهما يرتقي في التكامل او التسافل فان كان روحيا فانه يصل الى اليقين في مراتب العلماء ثم العرفاء ثم الانبياء والاولياء ا لالهيين، وفي التسافل ان كان نفسيا فانه يصل الى الضنين في مراتب تقابل المراتب التكاملية تماما.
الاجراء الثالث: الطاعة تولد الخضوع للمولى والسيد وهذا يلزم منه ان الطاعة تولد الجرأة على غيره من ادعياء المولوية والسيادة.
والعصيان يولد الجرأة على المولى والسيد وهذا يلزم منه خضوعه للمولويات والسيادات الاستكبارية.








القاعدة الثالثة عشر
السيادة باعث على صنع القرار

} الهي قرعت باب رحمتك بيد رجائي وهربت اليك لاجئا من فرط اهوائي وعلقت باطراف حبالك انامل ولائي فاصفح اللهم عما كنت اجرمته من زللي وخطائي واقلني من صرعة ردائي فانك سيدي ومولاي ومعتمدي ورجائي. وانت غاية مطلوبي ومناي في منقلبي ومثواي {





في بيان هذه القاعدة الاخلاقية نرى ثمة اجراءات عملية تطبيقية يجب على السالك ان يتقنن بها اجرائيا. فأول هذه الاجراءات هو الرجاء لانه اليد التي يطرق بها باب الرحمة الالهية، وهي حقيقة محمد وال محمد 7 ثم ينتقل به الحال الى الاجراء الثاني وهو الهروب الى المعالم الربوبية من فرط الاهواء، فيصل في سلوكه الاجرائي الى الاجراء الثالث وهو تعلق انامل الولاء باطراف الحبل الالهي.
وبهذه الحركات الاجرائية الثلاث يتحقق الصفح عما كان من السالك من اخطاء وزلل وذنوب، فتتحقق الاقالة من صرعة الردى. أي بعد الصفح عما سلف يلزم عدم العود الى ما سلف وهذا انما يكمن في اربعة خطوات اجرائية: اولها الرجاء وثانيها الاعتماد وثالثها الولاء ورابعها السيادة، وهذه الاجراءات الاربعة تتكفل بارتقاء السالك من الذلة الى العزة في الأنفس وفي الافاق، فيتحقق العشق الالهي فتكون الغاية للسالكين هي الطلب والمنى في المنقلب والمثوى.
فالسيادة هي الباعث على صنع القرار المستقل اما القرارات التي تصنع دون سيادة فهي مهملة في اجراءاتها التطبيقية ان لم تكن مرفوضة اجرائيا واعطيك مثالا فالدول المحتلة والتي لم تكن لها السيادة الكاملة فانها لن تكون قادرة على صنع القرار المستقل، وان ملكت القدرة على القرار فهي عاجزة عن تطبيقه اجرائيا.
فللرعية اربعة خطوات مع الراعي: اولها الرجاء والمعبر عنه في القاعدة (انت رجائي) مما يلزم منه الخطوة الثانية وهي الاعتماد (انت معتمدي) بمعنى انه لا يمكن للرعية ان ترجو ممن لا اعتماد عليه في تنفيذ رجائهم تنفيذا اجرائيا ثم أن الاعتماد يلزم منه الخطوة الثالثة وهي الولاية بمعنى لا اعتماد على من ليس له الولاية ومولوية على الرعية والولاية كي تكون في مقام حكومي تام وكامل يلزمها السيادة فالراعي السيد هو صاحب الولاية المعتمد في تنفيذ الرجاء تنفيذا اجرائيا.
والامثلة الواقعية بين أعيننا اليوم كثيرة، حيث ان الراعي الذي لا يملك السيادة ان تولى تكون ولايته السياسية منقوصة لا يعتمد عليها فيما ترجو الرعية مما جعل رجاء الرعية ان يلقى في سلة المهملات. السياسية كونها لا تلائم رغبات الوالي ومصالحه التنظيمية.
المهم لا بد للرعية ان تمد يد الرجاء الى رحمة الراعي لتطرق بذلك باب الرحمة الالهية، ولا يمكن للرعية ان تملك يد الرجاء الا بالهروب الى الراعي من فرط الاهواء والهوى وهو مخالفة دساتير الراعي وقوانيه والا لا رجاء لها عنده رجاءا استحقاقيا ولا رجاء استيجابيا الا رجاء التفضل.
وفي هروب الرعية الى الراعي من فرط اهوائها يحقق لها التعلق بحبال وصال الراعي، ومن هنا يتحقق الصفح عما بدر من الرعية من زلل الاخطاء فيكون رجاءها مقبولا عنده؛ لأنتظامه وفقا لنظامه.
هنا الرعية قد يحقق فيها التخطي الصحيح حيث ا لرجاء فيما تجده معتمدا فاعتمدته في رجاءها؛ كونه هو الولي المتصرف وفقا لسيادته على الرعية.
فتكون الرعية قد حققت الغاية والطلب والمنى في المنقلب والمثوى.
اذن السيادة لله وحده فهو المتصرف وهو المريد وبما انّ الله ملّك سيادته لحكومته في عالم الامكان وهم محمد و ال محمد 7، إذن فهم سادة العباد وساسة العباد، وهم من بيدهم اولوية التصرف السيادي، وعليه فهم المعتمد الذي كان اهلا ان نضع رجائنا كرعية بين أيديهم، فهم الباب الذي منه يؤتى واليه يتوجه الاولياء.







القاعدة الرابعة عشر
قوانين الهجرة الى الله تعالى
} الهي كيف تطرد مسكينا التجأ اليك من الذنوب هاربا ام كيف تخيب مسترشدا قصد الى جنابك ساعيا ام كيف ترد ظمآن ورد الى حياضك شاربا كلا وحياضك مترعة في ضنك المحول وبابك مفتوح للطلب والوغول وانت غاية المسؤول ونهاية المأمول {





في بيان  هذه القاعدة الاخلاقية العقائدية جملة من الاجراءات التطبيقية المتلازمة ومن هذه الاجراءات:
الاجراء الاول: ان المسكين الهارب من الذنوب في لجوءه الى الله تعالى لا يمكن طرده، بل ان تساؤل الامام D يدل على استقباله وقبوله.
ثم ان مقام المسكين مقام من مقامات العبودية ففي بيان امير المؤمنين D في دعاء كميل قد بين معالم التوبة ومقاماتها وفي بيان اخر بين مقامات العبودية، ومقاماتها.
اما معالم التوبة فقد قال امير المؤمنين D في بيانها الكميلي (وقد اتيتك بعد تقصيري واسرافي على نفسي معتذرا نادما منكسرا مستقيلا مستغفرا منيبا مقرا مذعنا معترفا لا اجد مفرا مما كان مني ولا مفزعا اتوجه اليه في امري غير قبولك عذري وادخالك اياي في سعة من رحمتك)([48]).
وفي هذا البيان نكات نقف عليها لنزداد نورا وبصيرة.
النكتة الاولى: الايتاء في بيان القرآن ايتاء العلم وايتاء الفضل فالعلم اما قليل واما كثير والامر متعلق باستعداد المحل (ويسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا)([49]).
فالروح هي محل التعليم الالهي، فعدم معرفتها معرفة كلية واقعية ناتج عن العلم القليل، بمعنى ان العلم العقلي لم يدرك من علم الروح وهو الاسماء كلها الا القليل، لذلك كان يسأل عن الروح، والعلم الكثير: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا وما يذكر الا اولو الالباب)([50]).
والعلم الكثير والقليل هو العلم بالله ورسوله ووليه حيث الدساتير الوجودية والكونية والتشريعية والسياسية  قضاء واجراءا، فالعامل بهذا يكون من اهل الاستحقاق واهل الاستيجاب اما الايتاء الآخر فهو ايتاء الفضل.
النكتة الثانية: التقصير والاسراف وهما امران نفسيان. فالتقصير يحكي عن واقع العمل، والاسراف يحكي عن واقع العقيدة، كون التقصير يقابله العمل والاسراف، يقابله الاقرار. فالعبد المقصر لديه عقيدة صحيحة وصالحة، ولكنه لم يعمل وفقا لدساتيرها وقوانينها فالتقصير عملي كما هو حال بعض الشيعة الغير عاملين بدساتير ولاية اهل البيت G وهي عقيدتهم الحقة، فهنا العبد في سير تسافلي من جهة العمل إلاّ انه في سير تكاملي من جهة العقيدة والمطلوب ان يكون في سيره العملي متوافقا مع سيره العقائدي الايماني، حتى يكون العمل صالحا كون العمل نتاج العقيدة، فان كانت صالحة كان العمل صالحا، وان كانت فاسدة كان العمل فاسدا (الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم اجر غير ممنون)([51]).
فالايمان الصالح ينتج عملا صالحا ولا صلاح للعمل الا بصلاح العقيدة فلا بد ان يكون السير العملي متوافقا مع السير العقائدي.
وهنالك عبد سيره العقائدي تسافلي وفي الظاهر نرى ان سيره العملي تكاملي، بمعنى انه يبنى المساجد مثلاً ويفعل الخيرات ويصلي ويصوم وغير ذلك وعمله هذا لا وزن له كون العمل مكيال يقترن وزنه بوحدة الوزن في كفة المكيال وهي العقيدة.
النكتة الثالثة: يبين الامام D مراتب التوجه وخطواتها الاجرائية وهي تسع([52]) خطوات منها اجراءات عملية عقلية مرتبطة بالعمل لتصلح التقصير العملي، ومنها اجراءات ايمانية قلبية مرتبطة بالعقيدة لتصلح الاسراف الاعتقادي وهي:
1- ا لخطوة الا جرائية العملية الاولى: الاعتذار وهذا امر طبيعي وهو ان يقوم المقصر بالاعتذار عما قصر فيه. فالمتخاصمان مثلا بيننا لا بد ان يكون احدهما على حق والآخر على باطل، فلو كان كلاهما على باطل لاتفقا عليه، وان كان كلاهما على حق لاتفقا عليه ايضا.
وعليه يجب على من هو على باطل ان يعتذر لخصمه جزاء تقصيره.
2- الخطوة الاجرائية العملية الثانية، الندم على الفعل التقصيري.
3- الخطوة الاجرائية العملية الثالثة: الانكسار بمعنى تحمل مسؤولية تأثير تقصيره واثاره من قبيل رد المظالم او الدية وغيرها من المسؤوليات الشرعية والقضائية والاجرائية المتعلقة بالحقوق الخالقية والمخلوقية.
4- الخطوة الاجرائية العملية الرابعة: الاستقالة بمعنى عدم العود لمثل هذا الفعل او غيره من افعال التقصير.
5- الخطوة الاجرائية العملية الخامسة: الاستغفار، ولا بد ان يكون الاستغفار متحقق بتحققه العملي فمالم تتحقق الخطوات الاجرائية العملية الاربعة انفة الذكر فلا تحقق للاستغفار واقعا.
والى هنا قد اكتمل العمل وذهب التقصير بمعنى قد محي التقصير وثبت العمل، اما من جهة العقيدة فيحتاج العبد الى خطوات اجرائية ايمانية:
6- الخطوة الاجرائية الايمانية الأولى: الانابة أي صحوة الضمير ونباهته واحياءه وفقا للدساتير العقائدية.
7- الخطوة الاجرائية الايمانية الثانية: الاقرار أي الاقرار بكل القوانين والدساتير العقائدية.
8- الخطوة الاجرائية الايمانية الثالثة: الاعتراف، والاعتراف سيد الأدلة، وبه يتم الخلاص من العقوبة الاخروية الطويلة الباقية بالعقوبة الدنيوية القصيرة الفانية فيكون عندها البلاء او الجزاء. وهذا واقع الثورة  الاصلاحية العقائدية والعملية، ليخرج بذلك العبد من دائرة الاسفل سافلين ويدخل في دائرة الاستثناء، وهم المؤمنون العاملون عملا صالحا لتوافق سيرهم العملي مع سيرهم العقائدي، حتى يصلوا في تكاملهم الى ذاتهم وهي واقع النفخة الالهية (الاحسن تقويم) والحاملة للاسماء كلها وهي حقيقة انّ لله تسع وتسعون خلقا فتخلقوا بها.
9- الخطوة الاجرائية الايمانية الرابعة: لا وجود لاي مفر يفر اليه العبد مما كان منه الا الى الله تعالى،ولا مفزع يفزع اليه العبد في قبول العذر كاجراء عملي اولي إلاّ الى الله تعالى، ثم بعد هذا القبول يكون الدخول في باب الرحمة الالهية والرحمة هي حقيقة محمد وآل محمد 7.
اما في بيان مقامات العبودية فيبين لنا امير المؤمنين D في دعاء كبيل (وأنا عبدك الضعيف الذليل الحقير المسكين المستكين)([53]) ويضيف المعصوم D مقامات اخرى في دعاء تعقيب صلاة العصر (واساله ان يتوب علي توبة عبد ذليل خاضع فقير بائس مسكين مستكين مستجير لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا)([54]).
فهذه الخطوات الاجرائية هي في آفاق العمل، وبعد تحقق التوبة بمقاماتها الاجرائية التسع بين العلم والعقيدة والتي ذكرناها سابقا تبدأ تحققات العبودية ومقاماتها وخطواتها الاجرائية لدى العبد وهي:
1- الخطوة الاجرائية الاولى (التوبة): وهي تدور مدار تحقق الخطوات الاجرائية العملية والايمانية التسع التي بيناها.
2- الخطوة الاجرائية الثانية (العبادة): وتدور مدار التطبيق الاجرائي  لفروع الدين.
3- الخطوة الاجرائية الثالثة (الذلة): وهي مقام عبادي اجرائي عملي يكون فيه العبد ذليلا في نفسه عزيزا في الافاق كما هو امير المؤمنين والائمة من ولده G ومن احسن صحبتهم وولايتهم. ومن كان عزيزا في نفسه كان ذليلا في الافاق كما هو الشيطان، ومن توافق معه في صحبته وولايته من شياطين الانس والجن.
4- الخطوة الاجرائية الرابعة (الخضوع): وادنى مراتبها هو الخضوع الى قوانين الحق تعالى ودساتيره الابتلائية والجزائية، لان الامرين لا بد منهما، فالمقصر والمسرف يحتاج الى جزاء كي يسد الخلل الذي عنده ويخلق عنده الاستقامة. والابتلاء يحتاجه طالب الترقية فلا بد من امتحانه وتأهيله للمقام الذي طلبه.
5- الخطوة الاجرائية الخامسة(الافتقار):
أولا: ادنى مقام فيه ان يكون العبد ملتفتا الى افتقاره الوجودي، بمعنى ان وجوده ليس ذاتيا، بل هو فعلي كون لاذات مع الذات المقدسة، فكل ذات ممكنة هي فعله سبحانه، فكل الموجودات هي واقع فعله سبحانه، والفعل منصرف ابدا الى تصريفات الذات الفاعلة.
ثانيا: افتقاره التكويني بمعنى ان تكوينه متحرك في ميزان البداء بين المحو والاثبات ومن حال الى حال. وهذه الحركة مرتبطة بافعاله وتصريفاته العملية؛ لانه مفتقر الى الموازين الكونية فاي أخلال عملي يحقق الافتراق عن الموازين الكونية فتصيبه اثار الاخلالات الكونية كالمرض والوباء والعاهة من شتى صنوف والبلاء والجزاء فيكون في سيرة هذا باعثا على الفساد الكوني (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)([55]).
وان التزم قوانينها كان سيره الكوني صالحا فيكون باعثا على الصلاح الكوني (ليظهره على الدين كله)([56]). بمعنى العولمة الكونية التشريعية السياسية الصالحة.
ثالثا: افتقاره  التشريعي والقضائي والسياسي: أي انه مفتقر الى الهداية التشريعية فلا يمكنه السير وحده الا بادلاء موثوق بهم ثقة مطلقة ليأخذوا بيده الى الله تعالى.
5- الخطوة الاجرائية الخامسة (البؤس): فيرى نفسه انه لا يزال في عبادته في مقام بئس العبد بقبال نعم الرب فيحتاج الى ارتقاء عبادي ليصل الى مقام نعم العبد كما هو مقام محمد وآل محمد 7.
6- الخطوة الاجرائية السادسة (المسكنة): وهو حقيقة تخلي العبد تخليا تاما عن مقامات الدنيا الخمسة: اللعب واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر: (اعلموا انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد)([57]) وهذا ما يريد الامام ان يبينه في هذه القاعدة الاجرائية من دعاء الصباح، من ان الله تعالى لا يطرد المسكين فانه يقصد به هذا المقام العبادي الذي ارتقى اليه العبد ارتقاءا اجرائيا.
7- الخطوة الاجرائية السابعة (الاستكانة) وهذا المقام العبادي اشد انقطاعا من سالفه عن الدنيا واكثر اتصالا في الآخرة.
8-الخطوة الاجرائية الثامنة (الاستجارة) وبهذا المقام يصل العبد الى مقام الاتصال بالله اتصالا تاما كاملا والانقطاع عن غيره انقطاعاً تاما شاملا. ونقصد بالانقطاع هو الانقطاع العبادي عن غيره، وحقيقته التمسك بالعهد (عهد الولاية الالهية) واسقاط ولاية غيره (الم اعهد اليكم يا بني ادم ان لا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين)([58]).
فالعهد هو عهد العبودية فكل شيء قد قطع على نفسه الميثاق والعهد بان لا يعبد الا الله تعالى في قول ادم بعد المشاهدة المقامية ووظيفته (الست بربكم قالوا بلى شهدنا)([59]) اما الولاية فهي بطول العبودية فهي اخر مقامات العبودية الحقة، فمن ارتقى اليه فانه يحقق بذلك الميثاق والعهد تحققا تاما وكاملا كما هم اهل البيت G.
9- الخطوة الاجرائية التاسعة (الملكية): وهو مقام ارتقائي اسمائي يصل فيه العبد الى اسمه (الملك) بملكه العام الرحمن وملكه الخاص الرحيم، فيكون العبد هو رحمة الله التي وسعت كل شيء وولي الله المتصرف بملكه تصرفا الهيا ربوبيا وليس ملكا تصرفيا شخصيا بمعنى انه يحيى ويميت بأمر الله ويكون عيبه قضاءه وبداءه سبحانه.
الاجراء الثاني: ان المسترشد القاصد الى جناب الله ساعيا لا يمكن ان يخيب الله سعيه ابدا.
فالرشد يقابله الغي (لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)([60]). والقاصد الى الله تعالى في سيره العملي والعقائدي راشد ويكون حقا على الله أن يجعل له وليا مرشدا بمعنى وصوله الى الولي التكويني في ذاته وهو الروح (النبي العام) الذي لا ينطق عن الهوى والعقل الولي التكويني (الخليفة الحق لنبوة الروح). فهذا الساعي يكون سعيه مشكورا في سيره العملي هذا سائر في سبيل الشكور.
الاجراء الثالث: ان الظمآن الوارد الى حياض الله تعالى شاربا لا يمكن ان يرده الله تعالى ابدا.
الضمأ تارة يكون ضمئا عمليا وأخرى يكون ضمئا عقائديا، وقد وردت روايات تشير الى الحوض وان من يرد اليه ضمآن فلن يرده الله الا من ارتوى من غيره من ماء صديد في ضمأه العقائدي والعملي وفي ذلك اليوم يكون المتصرف على الحوض الحكومة الالهية المتمثلة بمحمد وال محمد  7فيطردون من كان سعيه كفورا ولن يخيبوا من كان سعيه مشكورا.
الاجراء الرابع: ان العلل في عدم امكانية الرد:
العلة الاولى: ان حياضه مترعة في ضنك المحول كون حياض ولايته مترعة لمن يرد ضمآن ضمئا عقائديا وعمليا فيرتوي منها فالذي يردها في هذه الدنيا فانه يردها  في الآخرة فيشرب شربة من حياضها لا يضمأ بعدها ابدا كما هو علي الاكبر D والكثيرمن الموالين المخلصين في ولائهم لاهل البيت G اخلاصا عقائديا وعمليا.
العلة الثانية: ان بابه مفتوح للطلب والوغول، فالباب الذي منه يؤتى واليه يتوجه الاولياء هو حقيقة ولاية أمير المؤمنين D كما اشار الى ذلك الباب الرسول الاكرم 7: (انا مدينة العلم وعلي بابها)([61]).
العلة الثالثة: انه غاية المسؤول ونهاية المأمول، فكل الاسباب وسيلة، والغاية من هذه الاسباب هو الله تعالى كونه هو المجيب الاوحد، حيث انه نهاية المأمول والطلب والمنى.







القاعدة الخامسة عشر
التقابلات الاجرائية السلوكية
} الهي هذه ازمة نفسي عقلتها  بعقال مشيتك وهذه اعباء ذنوبي دراتها بعفوك ورحمتك وهذه اهوائي المضلة وكلتها الى جناب لطفك ورأفتك {





الاجراء الاول: ان نعقل ازمة النفس بعقال المشيئة. بمعنى ان لله مشيئة، ومشيئته مطلقة لذا لا تضاد فيها فهي خير مطلق اما العبد فله مشيئة إلاّ انّ مشيئته مغلقة لذا تضادت مشيئته بين الخيروالشر، والمشيئة الالهية هي ليس خارج الوجود الامكاني، وانما هي عالم الانشاء وعالم التقدير الالهي والسنة التي لا تحتمل التغيير ولا التبديل فعالم الانشاء في لغة الله الحضورية هو كالجملة الانشائية في اللغة الحصولية فهي تحتمل الصدق في نفسها فالجملة الانشائية الالهية تحتمل الوجود في نفسها.
ان عالم الانشاء عالم النور والنفخة وهذا العالم الانشائي قد تعلق اجله باجل الله تعالى وهو المحرك والمقوم لعالم الاحياء عالم المادة لذا فعالم المادة، والطاقات المادية مثل النفس والابدان والعينات الكونية كلها تسير وفقا للقوانين الانشائية النورانية، والمختلف والمتخلف عنها قد تقنن بقوانين الكثرة، أي القوانين الوضعية المتحصلة من الرؤية المادية.
لذا يجب ان نعقل ازمة النفس بعقال المشيئة بمعنى ان نجعلها تسير وفقا لقوانين العقل الذي هو وحي يوحى من الروح؛ لان هذا العقل قوانينه متفقة مع قوانين  عالم الانشاء وهي الروح الكلية (النفس المقدسة الواحدة) وهي المشيئة الالهية وان لا نجعلها تسير وفقا لقوانين العقل([62]) الذي هو ينطق عن الهوى؛ لأن هذ العقل حينها تكون قوانينه متفقة مع قوانين المادة الوضعية، والتي لم يتحصل لها المعرفة بقوانين عا لم الاحياء المعرفة التامة والكاملة. ثم ان هذه القوانين الوضعية لم تحرز الواقع وهو اتفاقها مع عالم الانشاء.
ومن هنا كان العقال وهو ان نعقل مشيئتنا بالمشية الالهية ليكون التوافق في ما نشاء وفقا لما يشاء الله: (وما تشاؤون الا ان يشاء الله)([63]) كون المشيئة الروحية. متفقة مع المشيئة الالهية. والروح هي عالم الانشاء بمعنى هي عالم المشيئة الالهية لذا فالمطلوب في هذا الاجراء التطبيقي ان نعلق النفس بالمشيئة الروحية الالهية.
الاجراء الثاني: درء أعباء الذنوب بعفو الله ورحمته، كون الرجاء والامل والطلب لدى المذنب هو العفو فالعفو هو الباعث على محو الذنوب والسيئات والعقاب عليها، واثبات الحسنات والثواب عليها، والعفو لا يكون الا من باب الرحمة الالهية وهو حقيقة محمد وآل محمد 7.
الاجراء الثالث:
توكيل الاهواء المضلة الى جناب لطف الله تعالى ورأفته أي ان هنالك تقابل سلوكي من قبيل أزمة النفس كسلوك اجرائي يقابلها المشيئة الالهية. واعباء الذنوب باجرائاتها السلوكية يقابلها العفو والرحمة الالهية، واما الاهواء المضلة فانها توكل في اجراءاتها السلوكية الى جناب اللطف والرأفة الالهية فهذه التقابلات في اجراءاتها السلوكية تنعقد حلولها والخلاص من أثارها بما يقابلها.
ولا يمكن تحصيل الاجراءات الوقائية إلاّ بهذه الاجراءات التقابلية، كونها هي العلاج الوقائي الذي يجب اعتماده في التطبيق الاجرائي، فازمة النفس لا يمكن النجاة منها الا ان نعقلها بعقال المشيئة الالهية، فهي العلاج الاجرائي لازمة النفس.
وأعباء الذنوب علاجها الاجرائي هو اللجوء الى العفو والرحمة الالهية، ولا يمكن اللجوء الا بالتوبةمن الذنوب.
والاهواء المضلة علاجها الاجرائي هو التعلق باللطف والرأفة الالهية تعلقا اجرائيا عمليا.









القاعدة السادسة عشر
التقابلات الاجرائية اليومية

} فاجعل اللهم صباحي هذا نازلا علي بضياء الهدى وبالسلامة في الدين والدنيا ومسائي جنة من كيد العدى ووقاية من مرديات الهوى {






وفي هذه القاعدة بيان لجملة من الاجراءات العملية والتي منها:
الاجراءالأول: جعل صباح السالك نازلا عليه بضياء الهدى وبالسلامة في الدين والدنيا فالهدى يعني العقيدة الصالحة لذا عبر عنها بالضياء كون ما يقابلها من ناحية العرض ظلمات الضلالة. وضياء الهدى كونه العقيدة الصالحة فما يقابلها اجرائيا من ناحية الطول هو الفلاح وهو حقيقة الانتظام والاستلاك وفق دساتير ونظم هذه العقيدة كاسس وثوابت اجرائية يومية. واذا تحقق الفلاح العمل في تطبيقه الاجرائي فانه يكون بذلك كفؤا للعقيدة وهذا التكافؤ يخلق تقابلا اجرائيا طوليا في اليوم هو السلامة في الدين والدنيا كون الدنيا هو واقع القوانين العقائدية والاصولية والفقهية الصالحة. واما الدين فهو في معادلة تقابلية يكون الطرف الاول فيها ان الدين هو الراعي للدنيا فيكون الصلاح والسلامة فيها.
والطرف الثاني في تقابل المعادلة من جهة العرض ان تكون الدنيا راعية الدين فيكون الفساد والندامة.
ثم ان الصباح في يوم السالك باجراءاته السلوكية الصالحة او الفاسدة له اثاره ولوازمه على مساء اليوم السلوكي وهو ما نراه في الاجراء الثاني.
الاجراء الثاني: جعل مساء السالك جنةمن كيد العدى ووقاية من مرديات الهوى. ان اول الاعداء كما بينه الله تعالى في كتابه العزيز لهو الشيطان، واذا اخذنا بيان أمير المؤمنين D في العداوة تكون الصورة واضحة وجلية في تطبيقها الاجرائي: (اصدقاؤك ثلاثة واعداؤك ثلاثة، فاصدقاؤك: صديقك وصديق صديقك وعدو عدوك. واعداؤك: عدوك وعدو صديقك وصديق عدوك)([64]).
فالشيطان عدو الله تعالى، والله صاحب كل شيء بالصحبة العامة الكونية وجودا وتكوينا، وهو سبحانه صاحب العبد المؤمن العامل بالصحبة الخاصة التشريعية والقضائية والاجرائية، وعليه فكل عدو لله عدو للعبد المؤمن العامل وكل مصاحب لهذا العدو من شياطين الانس والجن يكون لزاما من اعداء المؤمن العامل وبالمقابل فان كل عبد مؤمن عامل هو صاحب الله تعالى وكل العباد العاملين اصحابه وكل من عاد عدوهم فهو صاحبهم.
والصحبة في المنظور القرآني لها بحث مستقل يأخذ محله من بين بحوثنا للنشر انشاء الله تعالى.
فالصباح المقنن بقوانين الهداية واجراءاتها التطبيقية، والمعبر عنها بالفلاح هي التي تخلق هذا التقابل وهو الجنة من كيد هؤلاء الاعداء الثلاث الشيطان واصحابه وعدو اصحابنا لذا نجد ان الآذان يترجم لنا واقع العقيدة من جهة وهو الشهادات الثلاث، بمعنى الاقرار بالالوهية والاقرار بالنبوة والاقرار بالولاية اقرارا قانونيا اجرائيا.
ثم يأتي بعد ذلك ليترجم لنا خطوات العمل الثلاث:
وهي:
اولا: الاتصال الاجرائي في هذه الشهادات التي اقر بها (حي على الصلاة) والصلاة في تطبيقاتها الاجراية و اقعها تنهي عن الفحشاء والمنكر. وهذا يعني الاتصال بالقوانين الالهية والتعليم الالهي الروحي.
ثانيا: (الفلاح والمعبر عنه بـحي على الفلاح، وهو التطبيق الاجرائي لهذه القوانين التشريعية والسياسية والفلاح في حقيقته الانتظام السياسي في قوانين حكومة الله تعالى من جهة الانفس (قد افلح من زكاها)([65]).
ومن جهة الافاق (اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون)([66]).
ثالثا: خير العمل (حي على خير العمل) بمعنى أنّ العمل له اتجاهان ولكل اتجاه جهة يتوجه اليها:
فالاتجاه الأول : العمل الناضح بالخير والمعبر عنه بخير العمل، فيلزم منه ان هنالك شر العلم، وواقعا ان خير العمل هو عمل محمد وآل محمد 7.
فاذا تحقق الاتصال تحقق  الفلاح، وفي تحققهما يتحقق خير العلم. فمن حق العبد اجرائيا حينها أن يقول (قد قامت الصلاة) بمعنى قد قام الاتصال العملي الاجرائي بالله ورسوله ووليه.
ونعرض دليلين فمن جملة ادلة الدليل الاول (وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا وأوحينا اليهم فعل الخيرات واقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)([67]).
وفي هذا الدليل اشعة نور استدلالية نستضيء بها لو فتحت عيون البصيرة:
الشعاع الاول: (وجعلناهم) الجعل واقعا لكل عبد من عباد الله تعال انماهو جعل وجودي وجعل تكويني يتناسب مع قدره الوظيفي من جهة وقدره المقامي والرتبي من جهة اخرى، فالجعل الكوني وجودا وتكوينا الكل فيه خلفاء الله تعالى  فهم معصومون، بمعنى ان كل ادمي معصوم من جهة الروح والعقل الطولي، لذا فيقابله الجعل التشريعي والجعل السياسي قضاء واجراء، ولا يمكن تحققهما لدى الخليفة الادمي الا بالسير التام الكامل الذي يواقع به الجعل الكوني وجودا وتكوينيا. وهذا هو واقع الشهود الاول الذي شاهدنا به حقيقة وجودنا وتكويننا، فالجعل لم يكن مختصاً من جهة الوجود والتكوين بالانبياء و الاوصياء G بل هو جعل عام، فـكل آدم هو كفؤ لآدم من أول آدم لآخر آدم بالجعل الوجودي والتكويني ونقصد به من جهة الذات فان كل ادمي قد تعلم الاسماء كلها بالتعليم الالهي، ولكن الادمية وسائر الممكنات اختلفت من جهة الفعل فمن تجلى تجليا كليا بكل الاسماء التي علمها له الله تعالى فان فعله كامل وئام ومتوافق مع ذاته وجوده وتكوينه توافقا تاما وكاملاً، فيتحقق عنده الجعل الفعلي فيصبح ذلك ولي الله تعالى وهو اعلى مقام عبادي؛ كون النبوة والامامة بطول العبودية فالعبودية مقدمة لهما، وكسير رسول الله 7الى الكمال الفعلي التام والكامل (سبحان الذي أسرى بعبده)([68]) ففي هذا السير نكات من اهمها:
النكتة الاولى: في السير الاسرائي ان الرسول الاكرم 7 انطلق اخر انطلاقاته الاسرائية من  اسمه السبوح بقرينة (سبحان) فلم يبق امامه من جهة الفعل حتى يعرف ذاته معرفة استقرائية كاملة تامة الا اسمه (القدوس) ثم (الملك) وفي وصوله الاجرائي لاسمه الملك فانه قد واقع الملك الخاص (الرحيم) ثم الملك العام (الرحمن) وهنالك قد وصل من جهة سيره الفعلي المتفق مع ذاته الى كل الرحمة بعامها الرحمن وخاصها الرحيم فكان في سيره الفعلي وهو وآله الاطهار G حقيقة الرحمة الالهية ففي الجعل اشارة الى جماعة بقرينة الضمير في (جعلناهم) فمن جهة الذات كل ادم هو رحمة الله التي وسعت كل شيء وهو وسع التعليم الالهي الاسماء كلها، فالاسماء كلها لا تغادر صغيرا ولا كبيرا الا احصته.
النكتة الثانية: بقرينة بعبده، فان العبودية مقدمة لهذا الارتقاء والتكامل فهو عبده ورسوله.
الشعاع الثاني: (أئمة) فان الامامة مفهوم يصدق على الامام الشكور وعلى الامام الكفور ايضا، فهنالك ائمة يدعون الى الجنة وهنالك ائمة يدعون الى النار.
فالامام الذي يدعو الى الجنة هو امام الرحمة ذلك لمواقعته اياها في سيره الفعلي، والجنة في الحقيقة هي الاسماء كلها وقد شاهدناها شهودا عيانيا وبيانيا وذلك لشهودنا معالم النفس الآدمية المقدسة وخصائصها المتوافقة مع الخصائص الربوبية، وما ان شاهدناها كان السؤال الالهي عن شهودنا لخصائص الربوبية وقد كان الجواب بلى.
الشعاع الثالث: (يهدون) فالائمة هم الهداة والحجة التي يهتدي بها الخلق الى الحق والصراط المستقيم، فهم في سيرهم الفعلي قد وصلوا الى قوانين الهداية التكوينية في ذاتهم، لذا كانواهم الهداة في الجعل التشريعي والجعل السياسي (قضاءا واجراءا).
 الشعاع الرابع: (بامرنا) انهم قد حققوا الجعل من جهة الفعل، فتحققت عندهم أيضاً الولاية التصرفية وهي واقع الامامة، وتحققت عندهم أيضا الولاية الأهوائية وهي مصداق الآية (كذلك يضل الله من يشاء، ويهدي من يشاء)([69]) فبهم يهدي الله وبهم يضل من يشاء أي ان من تبعهم اهتدى لتوافق مشيئته مع المشيئة الالهية، ومن تخلى عنهم ضل لافتراق مشيئته عن المشيئة الالهية.
ان الأمر الألهي في الا نفس هو مقام الروح (ويسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا)([70]).
فالروح امره بامر الله تعالى ومن واقعها ووصل اليها فانه يأمر بأمر الله تعالى.
وأمّا من جهة الافاق فهم اولوا الامر الالهي والائمة الذين يهدون بامره تعالى، وهذا الأمر يحتاج الى العلم الكثير كون علة عدم معرفة الروح هو العلم القليل.
فالمسألة ليست خاصة بهم خصوصية فوقية، وانما كل الآدمية من جهة وجودها وتكوينها كذات آدمية هي واحدة في هويتها وواحدة في خصائصها الذاتية التعليم الالهي الاسماء كلها، وواحدة في مصيبتها وهو واقع تناقض خصائصها في عالم المادة والدنيا، وهذا التناقض انما حل بحلول المادة والاغلاق والمحدودية الوجودية، ثم ان هذه العوامل هي الباعث على الجعل التكويني كون الوجود الآدمي هو ام الكتاب أي انه قد انطوت في وجوده كل القوانين و الدساتير الوجودية (وكل شيء احصيناه في امام مبين)([71]). واما الوجود كان كائنه نتيجة الاغلاق الوجودي وتقننه بهذه القوانين الوجودية والتكوين امره فقد في ميزان البداء بين كفتي المحو والاثبات فهو يتغير ويتحول بتغير تحول العالم، اما الوجود فهو ثابت لا يتغير فالشيء موجود في كل العوالم الستة: النزولية الثلاث عالم المثال الروح وعالم العقل وعالم الدنيا -البدن- والعوالم الصعودية الثلاث: عالم البرزخ  -التخلي عن الابدان وبقاء العقل- وعالم المبعث وعالم الآخرة الروح أمّا من ناحية التكوين فهو يختلف ويتصير بصيرورة تلك العوالم.
الشعاع الخامس: (واوحينا اليهم) وهذا دليل على ان الائمة كلهم يتلقون الوحي بمعناه العام، فالوحي العام هو التعليم الالهي الوجودي التكويني الاسماء كلها، فلا وحي خارج هذه العمومية من جهة الذات، فكل ذات يوحى اليها بهذا الوحي العام، وليس مقام الملائكة خارج الذات الادمية بل هم نتاج الاسماء كلها، كون الاسماء قد ملئت اركان كل شيء كما في دعاء كميل، فوجود الملائكة  وتكوينهم ليس خارج كلية الاسماء والذات الادمية هي محل التعليم الاسمائي الالهي، ومن جملة الدروس الحضورية التي تعلمها آدم هو درس الملائكة، فقد كانوا حاضرين في نفسه كما اشار اليهم باسماءهم، وقد نبأهم وفقا لعلمه الذي قد احاط بعلمهم ولم يحيطوا به.
اذن فالملائكة هم حملة الوحي من الذات الادمية الى الفعل الادمي، والفعل الادمي متعلق بآلات البسط والقبض كالقلب وباقي الجوانح والجوارح، لذا فان واقع التنزيل هو تنزل الفيض والوحي من الروح الى القلب والعقل.
ان الادمية لديها الاستعداد الوجودي والتكويني لتلقي الوحي الفعلي، كونه وحيا متحققا في ذواتهم بتحقق التعليم الاسمائي الالهي فلا وحي لله تعالى خارج كلية الاسماء، وانما وحي الانبياء والاوصياء G متعلق بسيرهم الفعلي فكلما شاهدوا من ذواتهم شيئا احاطوا به علما فعليا مطابقا لعلمهم الذاتي.
ومن هنا نفهم معنى نزول القرآن في ليلة القدر فهي ليلة التقدير، بمعنى ان كل شيء له قدر، وكل قدر ملأ الله تعالى اركان قدره بالتعليم الاسمائي، فكل شيء من جهة الذات هو آية من آيات القرآن المنزل، في ليلة القدر، فآياته هي كل الاقدار الشيئية واما جهة التدبير فهي تأويل لهذه التقديرات الكونية والآيات القرآنية الكونية، فالقرآن يساوي الوجود الآدمي؛ لأنه الخليفة الحامل لهذا التعليم الالهي وجودا وتكوينا وتشريعا وسياسة (قضاءا واجراءا).
فالقرآن الذي علمه الله تعالى لنا في ليلة القدر وهو وجودنا وتقديرنا وهو كل الاسماء الحسنى الا اسمه الله تعالى استأثره لنفسه؛ لامتناع تعليمه امتناعا ذاتيا وعقليا فما من حركة أو بركة الا وهي تأويل لهذا القرآن ولهذا التعليم الاسمائي (لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) فكل شيء في عالم الشهادة هو محل التأويل والتفصيل لعالم الغيب حتى يكون لا غيب في عالم الامكان، ونصل الى الشهود الكامل التام في اليوم المشهود.
والعلة في هذا التقدم والتكامل والمبدأ والمنتهى هو العبودية لانها الحقيقة التي شاهدناها في الشهود الاول فبشهودها كان الاقرار الشهودي لخصائص الربوبية وفقا للتقابل الاجرائي العرضي، لان ما يقابل العبد المطلق العبودية الرب المطلق الربوبية. من هنا نفهم التحول في التساؤل الالهي عندما شاهدنا انفسنا بمعنى ذاتنا فرأيناها عبدا مطلق العبودية، لذا كان التساؤل ليس على العبودية بل على الربوبية، لاننا قد اقررنا بالرؤية العينية من اننا عبد مطلق العبودية، لذا يلزم بالتقابل الاجرائي الرب المطلق الربوبية فكان جوابنا (بلى) فالعبودية جوهرة كنهها الربوببية.
الشعاع السادس: (فعل الخيرات) فالوحي كما فهمنا من الذات الآدمية كونها موضع ا لتنزيل الى الفعل كونه موضع التأويل. فحمل هذا التنزيل هي الروح كونها حقيقة الذات الادمية وكل ما دونها فعل يقابلها وتأويل لها.
الروح هي خير محض؛ لانها محل التعليم الالهي والفيض الابهج والنفخ النوراني، فالذي يصل في سيره الفعلي الى الروح،  وهي حقيقته الذاتية  فانه يرى ذاته ويشاهدها كما هو الشهود الأول ويعرف نفسه معرفة تامة وكاملة فتتحقق لديه معرفة الله تعالى، كما هو واقع الحديث للرسول الاكرم 7 (من عرف نفسه فقد عرف ربه)([72]).
فيكون فعله حينها فعل الله تعالى، وبهذا السير يصبح فعله خيرا محضا كما هو فعل الروح. وبالمقابل الاجرائي فان السير الفعلي الى النفس يمكن السائر من رؤية معالمها ومشاهدة خصائصها وهي خصائص الشيطان وتعليمه الاسمائي السيء فيكون فعله عين فعل الشيطان وهو الشر المحض.
وحتى يكون البيان في توهج تام دعوني أبين لكم حقيقة الفناء:
ان الفناء الذاتي متحقق لدى كل شيء، فكل شيء لديه فناء ذاتي؛ لان حقيقة الذوات الشيئية هي بالاصل فعل الله تعالى، وعليه فكل ذات فانية في فعل الله تعالى، بمعنى ان كل ذات هي فعل الهي يحمل كل الخصائص لفعله تعالى؛ لان حقيقة الفعل الالهي هو كل الذوات الشيئية.
واليكم هذه الرؤية البيانية لتكون الصورة للفناء تامة عقليا لديكم:
ارسم مستقيما مطلقا وليكن رمزا عن الذات الالهية وثبت لديك انها حقيقة الاسماء الحسنى كلها؛ لان الذات الالهية ثابت لها اسمه (الله) وفي هذا الاسم ثبتت كل الاسماء الحسنى ثبوتا صفاتيا ذاتيا.
بدليل ان الله تعالى يدعونا دعوة عملية اجرائية لاسمين من اسماءه، ويبين لنا ان أي منهما يحمل كل اسمائه الحسنى، فالأول اسمه (الله) والثاني اسمه (الرحمن) فاسمه الله لا يدركه ادراكا اجرائيا الا من تخصص بالخصائص الالهية الذاتية، ولا يمكن التخصص بها الا من خلال الادراك الاجرائي بالخصائص الفعلية الاسمية كونها أعلى مقام ذاتي آدمي، لان آدم اجرائيا اسمه اسم الفعل والمعبر عنه بـالرحمن (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)([73]).
وفي الاسم كل الاسماء الالهية الحسنى كونه حقيقة فعل الله تعالى كله؛ لانه رحمة الله التي وسعت كل شيء وفعل الله هو كل شيء (قل ادعوا الله او ادعو الرحمن ايا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى)([74]).
ونقف على أشعة النور المتوهجة في هذه الآية الكريمة حتى نزداد قبسا من نور:
القبس الأول: (الدعوة) ان الدعوة عملية اجرائية وقد ترجمها حديث الرسول الاكرم 7 (لله تسع وتسعون خلقا فتخلقوا بها)([75]).
أي الاتصاف بالصفات الفعلية الالهية وهي في حقيقتها الكاملة التامة اسمه (الرحمن)؛ كون الله تعالى قد علم الادمية الاسماء كلها تعليما حضوريا، فالاسماء هي صفاته الاسمية الفعلية من الرحمن الى الصبور وكلها تعتمد الكلية لعرض الاسم وطولة، وهذا يعني ان ادم قد علمه الله تعالى، كل صفاته الاسمية الفعلية ولم يعلمه اسمه الله لان التعليم الحضوري لأي أسم يلزم اتصاف المتعلم به اتصافيا اجرائيا، هذا من جهة، ومن جهة اخرى ان وجود المتعلم وتكوينه كفؤ للتعليم الاسمي، والاسم كفؤ لهما، وكلا الجهتين تمتنعان ذاتا وعقلا.
القبس الثاني: التمايز بين الاسمين فهنالك تمايز بين خصائص الاسمين بدليل (او) ولم يجعل بينهما  (و) فعندما أقول: إذا زرت مقام الحسين D في كربلاء المقدسة فزر بزيارة عاشوراء او وارث، فبأيهما تزور فالحسنى لك، وهذا يدل ان هنالك تمايز بين خصائص الزيارتين، فلكل منهما خصائصها، ومن جهة أخرى ا ن كلاً من الزيارتين توصل الى مقام الحسنى، بمعنى ان ايا من الزيارتين تحققت عندك تحقق اجرائيا لك الحسنى اما لو كان الخطاب بالواو يشترك تحقق الزيارتين عندك حتى يكون لك الحسنى اجرائيا.
فهنا الدعوة العملية الاجرائية هو الاتصاف بالصفات الاسمية الفعلية الالهية، فيتحقق حينها الاتصاف بالصفات الذاتية. فلو اتصف العبد بالصفة الرحمانية فانه قد اتصف بالصفة الالهية لان اسمه الرحمن مندك في اسمه الله من جهة العلو، ومن جهة الدنو مندكة فيه كل الاسماء الحسنى.
القبس الثالث: لا فرق فيما تدعو اجرائيا بأي منهما فكل من الاسمين باطنه كل الاسماء الحسنى، فالاتصاف بالاسماء كلها اتصاف باسمه الرحمن وهي الصفات الفعلية الالهية وصفاته المقدسة عين ذاته، والصفات الذاتية هي حقيقة ا سمه (الله) فبالتالي  يكون الاتصاف بالصفات الذاتية الالهية. ومن هنا نفهم أن أجل آدم متعلق باجل الله تعالى، وهذا التعلق هو تعلق بكل الصفات الالهية.
القبس الرابع: كل الاسماء في باطن هذين الاسمين، ولكل منهما خصوصيته الاجرائية بدليل (ايا ما تدعو) ولنكمل الحديث حول الرؤية البيانية في بيان الفناء.
فالمستقيم الاول مستقيم الذات المقدسة وهو مطلق، وكل الصفات الذاتية فيه مطلقة اسمه الله، وفي كل الاسماء الحسنى.
ثم ارسم مستقيما ثانيا وافهم انه فعل الله وكليته الوجودية  الكونية اسمه (الرحمن) وقد بطنت فيه كل الاسماء الحسنى الا اسمه الله كونه كهوية وخصائص الوهية خارج عالم الامكان وباقي الا سماء (التسع والتسعون) كلها قد انزلها الله تعالى في ليلة التقدير وهو تقدير عالم الامكان كله اما عالم المادة والعينات فهو ترتيل وتأويل وتفصيل لهذه التقديرات الكونية والوجودية.
وافهم ان التقدير هو وجود الشيء الامكاني ، أي حقيقته الوجودية وهو ثابت في كل العوالم الامكانية، فهو أم الكتاب. وان التكوين هو تأويل للوجود وحقيقة هذا التأويل هو ما كان وما هو كائن وما يكون، وهو متحرك يتصير وفقا للمحو والاثبات. ثم ان التشريع في حقيقته هو تأويل للتكوين الامكاني، وان السياسة الالهية (قضاءا واجراءا) هي تأويل للتشريع الالهي.
اذن صار لديك مستقيم مطلق في كل ما يحمل من الصفات الاسمائية الذاتية وهو رمز عن ذات الله تعالى.
ولديك مستقيم مطلق في كل ما يحمل من الصفات الاسمية الفعلية وهو فعل الله تعالى.
ثم ارسم مستقيما مغلقا وافهم انه الذات الامكانية: الذات الادمية بوجه خاص؛ كونها محل التعليم الاسمائي الكلي، والممكنات بوجه عام كونها العلم التفصيلي للحقيقة الادمية.
فكل الاسماء الحسنى التي تعلمها آدم حضوريا هي صفاته الذاتية كونها هي التي تكون ذاته وجودا وتكوينا.
وارسم مستقيما مغلقا وافهم انه الفعل الامكاني.
وبما أنّ الذات الامكانية مغلقة لزمت تقابلا اجرائيا يضادها من جهة الهوية ومن جهة الصفات، فتكون النفس في حقيقتها هي تقابل اجرائي وجدت بسبب ضيق المحل الامكاني للروح، فالنفس هي الهوية السيئة للادمية، والروح هي الهوية الحسنة للادمية. وان النفس خصائصها امارة بالسوء فبالمقابل الاجرائي ان الروح من امر ربي وامر ربي واقع الحسنى.
وعليه فالمتفاعل بالفعل الحسن يكون الفعل عين ذاته والتي هي محل التعليم الالهي (الاسماء الحسنى كلها)  صفاته عين ذاته بتحقق عنده الفناء الفعلي بالذات الادمية. هذا من جهة ومن الجهة الأخرى ان الذات لديها الفناء الذاتي كون الذات الادمية فانيه في فعل الله تعالى.
لذا نفهم ان الفعل الادمي فان في ذاته، وذاته هي فعل الله فالفعل الآدمي الكامل التام يكون هو فعل الله تعالى (ويفعلون ما يأمرون).
فالفناء نفهمه من خلال هذه المعادلات فالمستقيم الذاتي عالم الامكان هو تفصيل وتأويل لكلية الفعل الالهي، وهو واقعا تسع وتسعون كلية لا غيرها، فالذوات الامكانية فناؤها متحقق في الفعل الالهي كما هو تحقق فناء الجزئيات في كليتها، فلكل جزئية ذات نعطيها هويتها الخاصة، من قبيل المخلوقات فهي جزئيات، ولكل منها هويتها الذاتية الخاصة بها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فكلها مندرجة تحت قانونها الكلي وهو كلية الخالقية. فكل المخلوقات تفصيل وتأويل لاسمه الخالق، وهكذا كل الاسماء فانها قوانين كلية روحية يستنبط العقل منها كلياته العقلية. الكليات الروحية منحصرة تسع وتسعين كلية، واما الكليات العقلية فلا حصر لها؛ لانها التأويل العقلي الاولي للكليات الروحية، من قبيل الكليات العقلية المستنبطة تاويلا وتفصيلا من كلية الخالقية الروحية فمن هذه الكليات العقلية كل حيوان كل انسان كل جماد، كل حصان... ثم ان العقل يأتي الى التأويل الثانوي والتفصيلي لهذه الكليات العقلية و هي العينيات الجزئية مثل شخوصها وهوياتها الشخصية، وخصائصها ومصائبها.
وقد شاهدنا في عالم التنزيل عالم الروح وعالم الذر والمثال كل هذه الكليات، ثم شاهدنا في عالم التأويل والتفصيل عالم العقل كل الكليات العقلية وجزئياتها المندرجة تحت قانونها الكلي العقلي، فاستقر بنا الحال في هذا العالم الدنيوي المادي مدركين للكليات والجزئيات.
نملك الشهودين والاستقرائين:
الشهود الاول - شهودنا واستقراؤنا لذواتنا -الكليات الروحية الاسمية- (اقرأ باسم ربك الذي خلق)([76]).
الشهود الثاني - شهودنا واستقراؤنا لأفعالنا -التأويل والتفصيل- لكل الكليات الروحية الاسمية.
ثم اننا نطالب بهذين الشهودين من قبله سبحانه في كل العوالم، لان العوالم الخمسة  شهودية بمعنى انها شهادة لا غيب يقابلها اجرائيا الا عالم الدنيا هذا الممر الضيق والمسلك الحرج فيوم القيامة نطالب بالاستقراء الفعلي المطابق للاستقراء الذاتي، بحيث ينبغي أن تكون الخصائص متطابقة والا لزم الغيرية. فعينيات الحديد عندما نستقرأها مثلا نستقرأ الصفات الذاتية لكلية الحديد، ونفهم من خلال هذا الاستقراء كل خصائص الحديد الذاتية ونحكم عليه بانه عينة حديدية، امّا لو لم يكن هناك من تطابق بين ما استقرأناه عينيا مع خصائص الحديد فلا نحكم به بانه حديد؛ لخلوه من الخصائص الحديدية. كذلك الامر في الانسان فانه عندما يستقرأ فعله يوم القيامة ومن خلال هذا الاستقراء لخصائصه الفعلية يحكم على انه انسان لتطابقه مع خصائصه الذاتية الانسانية، اما لو لم يكن هنالك من تطابق فانه يحكم ويدرك من ناحية الفعل انه ليس بانسان، بل هو محكوم على فعله من خلال ما تخصص به كالانعام مثلا او كالحمار او كالكلب (ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلاً)([77]).
وهذا الاستقرار الفعلي اشارت اليه هذه الآية الكريمة (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً)([78]).
وقد حقق الرسول الاكرم وال بيته الاطهار D هذين الاستقرائين، حيث استقرؤا ذواتهم، فاستقرأوا من خلال ذلك كل ذات ممكنة، واستقرأوا افعالهم فاستقرأوا من خلاله كل افعال الممكنات.
فالفناء هو ان يفنى فعل العبد في ذاته، وبما أنَّ ذاته فانية في فعل الله تعالى لذا تكون النتيجة الاجرائية ا ن فعل العبد عين فعل الله تعالى، فيكون العبد مثل الله يقل للشيء كن فيكون، كما هو الحديث القدسي: (عبدي كن مثلي تقل للشيء كن فيكون)([79]).
وهذا هو واقع الفناء بان يكون فعلك هو فعل الله تعالى.
ومن هنا ندرك ان المستقيم الرابع وهو فعل الممكن قد فنى في المستقيم الثالث وهو ذات الممكن، وبما ان ذات الممكن فانية وجودا وتكوينا في المستقيم الثاني وهو فعل الله فيكون العبد هو المستقيم الثاني، بمعنى انه هو فعل الله تعالى والله عندما يريد ان يفعل يقل للشيء كن فيكون، وتكون الخاصية للعبد الواصل لهذا المقام من الفناء.
الشعاع السادس: (وكانوا لنا عابدين) فالعلة في هذا التكامل والتمام هو العبودية كونها مقدمة نتيجتها ا لنبوة والامامة.
ومن هنا نفهم لماذا يقدم القرآن الكريم العبودية على النبوة؛ فكل الآدمية أنبياء وأولياء من جهة الوجود والتكوين وهي جهة الآدمية الذاتية، ولكن من جهة الفعل فإن الانبياء والاوصياء D هم من واقع ذاته في سيره الفعلي لذا كان نبيا أو وليا بفعله استحقاقا واستيجابا.
الدليل الثاني: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية)([80]).
بالمقابل الاجرائي.
(ان الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها اولئك هم شر البرية)([81]).
اذن هنالك تقابل اجرائي في السير الفعلي من سار على نجد الشكور فان فعله خير.
ومن سار على نجد الكفور فان فعله شر.
وافهم ان الفعل وفقا للسير يتصير بين الخير والشر فالصباح اول اليوم، إنْ تفاعلنا به بخير لمسنا الا ثار واللوازم والتقابلات الاجرائية والتي  منها تحقق جُنة ندرء بها الاعداء الثلاث الذين ذكرناهم، واذا تحققت هذه الجُنة التي تدرء عنا كل الاعداء الثلاث تحقق الاجراء الآخر في المساء السلوكي وهو الوقاية من مرديات الهوى، لإن هذا الاجراء تقابلي وقائي.
وعندما نجمع الصباح والمساء يتحصل لدينا كيونتيهما وهو اليوم، وبتعبير القرآن ان الارض خلقت في يومين (قل انكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين)([82]).
فاليومان: هما يوم الخير وهو اليوم الاول الذاتي، ولضيق عالم الامكان وماديته لزم اليوم الثاني العرضي وهو يوم الشر. فالله تعالى خلق كل شيء بخير وعلى خير، ولكن لضيق المحل كان الخير في دولة الامكان محدود والشيء يحده ما بضده، فالمعادلة في محدودية الخير هي الشر.
لذا فان كل شيء يسير سيرا في يومه الذي يختاره يوم الخير كيوم الرسول والائمة من قبيل يوم علي، يوم الحسن يوم الحسين G، وكما يشير اليه الامام الصادق D (لا يوم كيومك يا ابا عبد الله)([83]) فيوم الحسين D هو يوم الخير كله، كذلك أيام أهل البيت G، فيوم الامام الحجة (عج) يظهر وهو فيه الدين كله والفطرة كلها وهي قوانين الخير، وأمّا بالمقابل الاجرائي فيوم يزيد هو يوم الشر كله، لذا نجد الامام الحجة (عجل الله فرجه) في يومه يطالب بثأر يوم الخير من كل من عاش يوم الشر وتخصص به.
وكما اشار امير المؤمنين D: الدهر يومان يوم لك، ويوم عليك ان كان لك فلا تبطر وان كان عليك فاصبر)([84]).
فكل عبد انما يعاصر يوما من هذين اليومين ولا يمكنه ان يعيش اليومين معا بكل تفاصيلهما.
لذا عندما تتحقق العودة يكون التساؤل فيما بين العباد كم  لبثتم فيكون جوابهم اننا لبثنا في هذه الدنيا يوما وبعض يوم (وكذلك بعثناهم ليتسائلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما او بعض يوم)([85]).
والحقيقة ان اللبث في هذه الدنيا له ثلاث وجوه لا رابع لها:
الوجه الأول: عبد لبث فيها يوم الخير كله فيقول عند السؤال اني لبثت فيها يوم الخير الدنيوي كله، كالمعصوم D بالخير واولياءه التابعين له باحسان، ومثله محمد وآل محمد 7 واولياؤهم.
الوجه الثاني: عبد لبث فيها يوم الشر كله، فيقول عند السؤال اني لبثت فيها يوم الشر الدنيوي كله كالمعصوم بالشر والتابعين له واولياءه؛ ومثله الشيطان واولياؤه من الجن والانس.
الوجه الثالث: عبد لبث بعض يوم الخير الدنيوي، ومثله بعض التابعين لولاية الامام المعصوم D بالخير، ولكن في تطبيقهم الاجرائي نجد انهم مطبقين اجرائيا لبعض قوانين ولاية الخير ودساتيرها، وهذا يلزم انهم في البعض الاخر اجرائيا كانوا في تطبيق لدساتير  ولاية الشر. فصح ان يقال عنهم انهم قد عاشوا بعض يوم الشر.
والمفارقة ان الله تعالى يبين لنا ان حياتنا هي صباح يومنا الدنيوي ومماتنا هي مساء يومنا الدنيوي (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون)([86]).
(وله الحمد في السموات والارض وعشيا وحين تظهرون)([87]).
(ومن آياته ان تقوم السماء والارض بأمره ثم اذا دعاكم دعوة من الارض اذا انتم تخرجون)([88]).
هذه آيات بينات في اجراءاتها التطبيقية، وفيها دلائل على البدء والعود.
فكما ان الصباح يشرق فالولادة تنبض بالحياة كذلك فان المساء فيه بيان الموت.
فهنالك اوقات من المفروض ان نمضيها ونحن متقنون بقوانين التوحيد الاجرائية كالمساء والصباح. ففي تعبير الاية (سبحان الله) بمعنى ينبغي ان نصل الى الاتصاف الاجرائي بصفته الفعلية السبوح وهو مقام يصبح العبد فيه معصوما بتوحيد الله تعالى؛ أن واقع السبوح بلحاظها الاجرائي هو التنزيه والتقديس.
فالواجب ان نكون معصومين في صباحنا ومساءنا بتوحيد الله تعالى حتى نعيش يوم الخير الدنيوي كله.
ونتعامل مع العشاء والظهر بالعدل الالهي، والمعبر عنه الحمد لله، ويكون اعتقادنا ان العوج لا يأتي من الله سبحانه، فالبلاء والجزاء يحل بنا ما بين الصباح والمساء لما تراه وفقا للمصلحة الالهية، ولو كنا مسلحين بدساتير التوحيد لكان اعتقادنا بدساتير العدل الالهي، فندرك ان البلاء والجزاء مظهر عدله سبحانه، لكن لكون رؤيانا قاصرة وناظرة للأمر من جهة واحدة وهو ما ينفع وما يضر وفق مصالحنا الدنيوية،  فنرى ان البلاء  والجزاء ضرر واحيانا نراه مفسدة.
اما لو ادركنا واقع العدل الالهي وهو ان الله تعالى ناظر للامر من جميع وجوهه، نعلم ونعرف انه وضعه سبحانه اقتضاءا للمصلحة الكونية والوجودية والتشريعية والسياسية التي تهم العبد وتنجيه.








القاعدة السابعة عشر
كروية عالم الامكان

} انك قادر على ما تشاء تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب {





تحمل هذه القاعدة الكريمة في طيات بيانها بعض الاجراءات التطبيقية والتقابلية تقابلا طوليا او عرضيا.
فالاجراء الأول: ان القدرة والمشيئة في ايتاء الملك او نزعه يشكل لنا كروية الأمر الالهي بين قوسين: قوس التقدير وقوس التدبير. بمعنى أن هذه التقابلات الاجرائية والتي تشكل كروية في شكلها الهندسي الاجرائي تحمل في دائرتها التي تدور حول نفسها التقلب بين النور والظلمات، ومثلها العزة والذلة وايتاء الملك ونزعه والنهار والليل والحياة والممات.. وهكذا كل التقابلات الاجرائية المتقابلة بالعرض، وتدور حول غيرها والمجذوبة اليه، وهو من يتصف بصفات النور اتصافا اجرائيا وليس لغويا او معنويا، فمثلا لله العزة ولرسوله وللمؤمنين نجد بالمقابل الاجرائي أن غير هذا المثلث ذلة.
ومثلا الملك لله يملكه لمن يشاء، أي يملكه لمن وصل في سيره الفعلي من عالم الاحياء - عالم الظلمات- الى عالم الانشاء -عالم النور- وهم محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم اجمعين) بالملكية العامة، وللانبياء والرسل والاوصياء G من قبل البعثة المحمدية بالملكية الخاصة.
الاجراء الثاني: العزة متعلقة بايتاء الملك، والذلة متعلقة بنزع الملك.
فالمتصرف بالملك عزيز، والمنزوع عنه أولوية التصرف بالملك ذليل. والمتصرف بالملك سيد بمعنى يملك السيادة على الملك؛ لذا يكون هو الولي، كونه يملك أولوية التصرف فيكون هو المعتمد عند رجاء الرعية، ومن نزعت عنه السيادة، فهو وإن كان وليا وفقا للقوانين الوضعية الا انها  خالية من المضامين؛ لانها لم تكن مصداقا لأولوية التصرف، بل هي ولاية مع ايقاف التنفيذ كما هي في الدول المحتلة والمنزوعة سيادتها، فأولوية التصرف بيد المحتل وليس بيدها، فلا اعتماد عليها فيما ترجو الرعية، لان هذه الولاية هي في مدار الرجاء والاعتماد على من يملك السيادة وهو المحتل وهذه هي الطامة الكبرى.
الاجراء الثالث: ولوج الليل في النهار وولوج النهار في الليل.
وهذا الاجراء فيه بيان كروية الارض فضلا عن كروية عالم الامكان.
فولوج الليل في النهار بمعنى عقد اول الليل في آخر النهار، وهذا الطرف الأول ينعقد فيه قوانين الليل والنهار، وولوج النهار في الليل بمعنى عقد أول النهار في آخر الليل وهذا الطرف الثاني لانعقاد قوسي الليل والنهار، وهذان القوسان بلحاظ آخر يعطيان أبعاد كروية الآفاق.
الاجراء الرابع: اخراج الحي من الميت واخراج الميت من الحي.
وفي هذا الاجراء يكون بيان قوسي كروية الانفس ودورة التكوين، فعقد اول الحياة باخر الممات من جهة كقوس أول يشكل نصف الكرة الانفسية الاول، وعقد اول الممات بآخر الحياة من جهة اخرى كقوس ثانٍ يشكل نصف الكرة الأنفسية الثاني.
الاجراء الخامس: الرزق وفقا للمشيئة الالهية بغير حساب بمعنى ان الرزق لا يترتب على مشيئة العبد، بل هو متعلق بالمشيئة الالهية، فالله تعالى خير الرازقين، وهذه الخيرية تشمل عامة الممكنات، كون الرزق متعلق بذوات الممكنات فلا يعتمد على حساب صحة أفعالها أو فسادها، فالرزق جار مجرى الذات الامكانية لافتقارها الذاتي واحتياجها الفعلي. فالرزق الالهي هو من مقومات الذات الا مكانية ولا تقويم للفعل الامكاني الا بالرزق الإلهي.
واروي لكم حادثة، حيث كان أحد العرفاء منشغلا في الذكر والشكر والفكر فسأله أحدهم مستنكرا ومنزعجا من عدل الله جل وعلا ومشيئته قائلا: (لماذا يطلق القرآن الكريم على الله انه خير الرازقين؟ فكان جواب العارف بهدوء عرفانيته كالنسمة قائلا: كان خير الرازقين حتى يرزق أمثالك) فصعق السفيه من هذه الالتفاتة، وتذكر أنه ليس من أهل الاستحقاق للرزق الالهي، ولا من اهل الاستيجاب، بل الأمر مرهون ومتعلق بفضل الله تعالى وتفضله.
وتذكر انه لو لم يكن الله تعالى خير الرازقين لرزق فيمن يختصه، بمعنى يرزق من يواليه ويقطع رزقه عمن يعصيه، في حين ان رزقه سبحانه عام للطائعين والعاصين.






القاعدة الثامنة عشر
المعرفة والعلم لكل منهما باب فيضي

}لا إله الا أنت سبحانك اللهم وبحمدك من ذا يعرف قدرك فلا يخافك ومن ذا يعلم ما أنت فلا يهابك {




ففي بيان هذه القاعدة العلمية والاخلاقية  اجراءات تقابلية لذا علينا ان نقف عليها وندركها ادراكا اجرائيا:
الاجراء الاول: الوصول الى صفة السبوح وهي صفة اسمية الهية وصولا ظنيا كوصول العلماء، فتتحقق عندهم العدالة، أو لحظيا كوصول  العرفاء فتحقق عندهم العصمة الكسبية بعضها أو كلها. أو وصولا توافقيا تاما كاملا فتتحقق عندهم العصمة الجعلية كوصول الانبياء والاولياءG.
الاجراء الثاني: معرفة الحمد وهو بيت العدل الالهي، ولكل من الاتصالات والوصولات الثلاثة تراها بما يلائم رؤياها. بمعنى ان الظن العلمي كعلم العلماء، او اللحظ الشهودي كمقام العرفاء، أو الشهود التام الكامل كالانبياء والاولياء فان كلا منهم ينزه العدل الالهي ويقدسه في تطبيقاته الاجرائية الاقتضائية وفقا لاستعداده الاتصالي.
الاجراء الثالث: ان الخوف ناتج عن معرف القدرة، والخوف من القدرة هو الباعث على علم العرفان والعلوم المعرفية؛ لان الخوف من القدرة يوصل السالك الى التعرض للنفحات الالهية، فتفيض عليه بالمعالم العرفانية.
الاجراء الرابع: ان العلم نتاج من الهيبة بمعنى ان الهيبة من الله تعالى تنتج العلم والسير العلمي.









القاعدة التاسعة عشر
توافق كل شيء ممكن مع نظام عالم الامكان
} الفت بقدرتك الفرق وفلقت بلطفك الفلق وانرت بكرمك دياجي الغسق {



هذه القاعدة التكوينية فيها ثلاث اجراءات:
الاجراء الأول: تأليف الفرق وعلته القدرة، وتفريق الجمع والائتلاف علته العجز. فالذي يملك القدرة الاجرائية على تأليف الفرق يصبح قاعدة اجرائية من قواعد اصلاح المجتمع، لانه يحمل خا صية من خواص الله تعالى. اما العاجز فانه يصبح قاعدة لفساد المجتمع كونه يفرق الجمع و الائتلاف.
الاجراء الثاني: علة افلاق الفلق اللطافة، وعلة اغلاق الفلق السخافة.
بمعنى ان خا صية اللطيف هي الباعث على الفلق، وخاصية السخيف هي الباعث على الرتق، فاللطيف يفتق والسخيف يرتق.
الاجراء الثالث: علة انارة دياجي الغسق الكرم، وعلة ظلمة دياجي الغسق اللؤم، أي التقابل الاجرائي ما بين انارة الظلمات والتي باعثها الكرم، وما بين اطفاء النور بالظلمات والتي باعثها اللؤم.





القاعدة العشرون
ارتباط العناصر الكونية الاربع فيما بينها ارتباطا تلازميا
} وانهرت المياه من الصم الصياخيد عذبا واجاجا وانزلت من المعصرات ماءً ثجاجا وجعلت الشمس والقمر للبرية سراجا وهاجا من غير ان تمارس فيما ابتدأت به لغوبا ولا علاجا {




نرى في بيان هذه القاعدة العلمية الكونية جملة من الاجراءات والتقابلات الاجرائية والتي منها:
الاجراء الأول: انهار المياه من الصم الصياخيد، ودورتها ما بين العذوبة الاجاجية فانها تعطي ابعاد مصدر ومورد من الموارد المائية، فبالتقابل الاجرائي إنَّ العذوبة باعثها الأفعال الحسنة، والاجاجية باعثها الافعال السيئة، وكما ورد عن المعصوم D في قوله بعد شرب الماء (الحمد لله الذي سقاني عذبا فراتا ولم يجعله ملحا اجاجا بذنوبي)([89]).
الاجراء الثاني: انزال الماء من المعصرات ودورتها المائية الكونية في الثجاجية، وهذه من القضايا العلمية والتي ترتكز على دورة الافلاك والاملاك، فدورة الافلاك هي الدورة الوجودية حيث الغذاء - التراب-  يدور حول نفسه من جهة، وبهذه الدورة يحافظ على موازين خصائصه ويفيض بها. ويدور حول الماء من جهة أخرى ليحافظ على موازين هويته الترابية.
اما الماء فانه يدور حول نفسه؛ ليفيض بخصائصه ويدور حول الهواء ليثبت هويته المائية. اما الهواء فانه يدور حول نفسه، ليفيض بخصائصه، ويدور حول الضياء؛ ليثبت هويته الهوائية، واما الضياء فانه يدور حول نفسه ليفيض بخصائصه و يدور حول النور الالهي والنفخة الالهية ليثبت هويته، وكما أثبتنا القاعدة العلمية (ان لكل شيء هوية ولكل هوية خصائص ولكل خصائص مصيبة ومصيبتها ما بضدها).
وعليه فان أي ضد يعترض هذه الدورات الانفسية او الافاقية يخل موازينها الاختصاصية الهويتية وهذه هي المصيبة الكبرى، والتي من خلالها تحدث الحوادث الكونية كالخسوف والكسوف والزلازل والهزات الارضية والبراكين والمشاكل الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
الاجراء الثالث: جعل الشمس والقمر للبرية سراجا وهاجا وفي هذا الاجراء بيان للدورة التوهجية النورانية والهوائية وارتباطهما بالدورة المائية والترابية، واختيار الشمس كونها المتلقي الكوني للنور، حيث تفيض لمن هو في دائرتها  الكونية.
الاجراء الرابع: من الجهة الفوقية لا ممارسة لغوبية ولا علاجية لهذه المقادير وابتداءها، بل ابتدأها باتقان لا تبديل له ولا تحويل؛ كونه في كمال الاتقان وتمام الدقة بينما من الجهة التحتية نجد هذه الممارسات اللغوية والعلاجية فيما يبتدأ فيه الممكن مقاديره وتدابيره. لذا كل ما يحدث من الحوادث الكونية والوجودية والتشريعية والسياسية (القضائية والاجرائية) كلها مرتبطة ارتباطا صميميا ووثيقا بفعل الانسان الخليفة: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)([90]).
فكما ان الموارد الكونية في الجنة والنار تتأثر بتأثير فعل العبد وعمله، فالماء الصديد والماء الحار الذي يصلي الوجوه ويغلي في البطون، واكل النار في البطون، والاكل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، فان موردها جميعا هو العناصر الكونية الأربعة، والتي قد تأثرت بتأثر فعل اهل النار. اما الموارد نفسها فإننا نراها تؤثر تأثيرا مضادا عند فعل اهل الجنة من قبيل اللبن المصفى وانهار العسل والتفاح والرمان وغيرها من التأثيرات الكونية.
هذا في عالم الآخرة، اما في عالم الدنيا فتتأثر مواردها الكونية الاربعة في كينوناتها وخصائصها الكونية من جراء فعل العبد الفعل الحسن أو الفعل السيء، فالتفاحة الفاسدة تكوينا في السوق فان الباعث على فسادها افعالنا.
وازيدكم جرعة من المعرفة إنّ أسواقنا اليوم هي مقدمة لمقابر جماعية، كونها مملوؤة بالثمار والفاكهة الغير ناضجة ولو سألنا وقلنا ان الله تعالى ماذا يريد؟ وما هي غايته من خلق التفاحة والبرتقالة والرمانة وغيرها؟
والجواب: الغاية ان الله تعالى اراد بها ان يوصل الى الكائنات ما فيها من فيتامين باعث على النمو، وليس الغاية منها الشكل الجسماني البديع الذي احسن صورتها، بل هو فضلات له وظائف اخرى غير الوظيفة الاساسية، وهي ان هذه الهيئة رسول تكويني أوحى لها الله لها ايصال رسالتها الفيتامينية والنشوية و السكرية الى الكون، فيأتي الخليفة آدم صاحب التعليم الالهي والمتلقي لكل الخصائص الالهية فيقطع ما أراد الله به أن يوصل (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)([91]).
فهنالك عهد الهي ان لا نعبد إلاّ اياه، والعبادة بمعناها الكوني هو التخصص الاجرائي بكل الخصائص الالهية وهي حقيقة الاسماء كلها. فقد اقررنا ان انفسنا حاملة كل المعالم الربوببية والتربية الحسنى بقولنا: بلى، وكان التحذير الالهي أن لا ننسى هذا العهد والميثاق ونغفل عنه فلا عذر لنا؛ لثبات الحجة اثباتا وجوديا تكوينيا من جهة واثباتا تشريعا وسياسيا من جهة أخرى. فالذين يقطعون الثمار قبل أوانها ونضجها نضجا تاما فهؤلاء قطعوا ما اراد الله به أن يوصل، وقد  لزمتهم الآثار في فعلهم هذا فالفواكه والثمار التي يبيعونها لا تسمن ولا تغني من جوع بمعنى أن لا نمو فيها لخلوها من الفيتامينات وعوامل النمو الاخرى، ولا يسد الجوع لانه خلا من أفق الرغبة واللذة والتي تكمن في النضج التام. وليعلم هذا البائع أنه سوف يجد هذه الاكلات نفسها مذخورة له لانها جاءت نتاج تفاعله، لذا كان التقرير الالهي ان هؤلاء من اهل النار.
ومن اثار هذا الفعل في الدنيا كثرة الامراض في المجتمع من قبيل سوء التغذية وارتفاع ضغط الدم والسكر وغيرها من الامراض المتفشية الآن في مجتمعنا، وعلل وأسباب تلكم الامور هو قطف الثمار قبل اوانها. اما الذين يحافظون على الموازين الكونية الوجودية والتشريعية للفاكهة والخضر وغيرهما من موارد البيع والشراء فهم مصداق هذه الآية الكريمة (والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب)([92]).
اذن لكل شيء دورته النفسية، وهي دورته حول نفسه ليتجلى بكل خصائصه الذاتية، بمعنى اثبات هويته، وكذلك دورته الآفاقية، أي انه يدور حول الآفاق ليتجلى من خلالها بكل خصائصه، فأي اخلال بهذه الدورات يسبب اخلال في الموازين الانفسية، واخلال في الموازين الآفاقية.
وكما أن الآفاق تتأثر بخسوف القمر وكشوف الشمس كذلك تتأثر الافاق باي خلل في الموازين الآدمية كونها محل الخلافة الالهية، اذ هناك تأثير لأفعال الإنسان في أحداث كثير من الظواهر الكونية.










القاعدة الحادية والعشرون
علامات التوحيد

} فيامن توحد بالعز والبقاء وقهر عباده بالموت والفناء صلِّ على محمد وآله الاتقياء {



وفي بيان هذه القاعدة جملة من الاجراءات والتقابلات
الاجراء الأول: للتوحيد علامتان دالتان عليه:
فالعلامة الاولى هي العزة، والعلامة الثانية هي البقاء.
وبالتقابل الاجرائي فان الكثرة لها علامتان دالتان عليها:

العلامة الأولى: (الذلة).
الكثير من الاشياء كالانسان وغيره والتي نراها عزيزة في ظاهرها إلاّ انها ذليلة في حقيقتها، كونها مفتقرة ومحتاجة للجهة الفوقية من جهة، ومعقودة فيما بينها بالاسباب والمسببات من جهة التحتية من جهة أخرى.
والعلامة الثانية (الفناء) فان الكثرة فانية لانها مفتقرة ومحتاجة فلا بقاء لها.
الاجراء الثاني: للقهارية علامتان دالتان عليهما هما: الموت والفناء.
الاجراء الثالث: للدائرة الاتصالية الكبرى (محمد و اله الاتقياء) علامتان:
الأولى: هي التوحيد فكل اتصال بغيرهم كثرة مصيرها الزوال والفناء، والثانية هي القهارية فكل اتصال بغيرهم مقهور ومصيره الخزي.








القاعدة الثانية والعشرون
المدعو خير مسؤول فيلزم الداعي ان يدعو بالخير

} واسمع ندائي واستجب دعائي وحقق بفضلك املي ورجائي يا خير من دعي لكشف الضر والمأمول في كل عسر ويسر {







وفي بيانها جملة من الاجراءات منها:
الاجراء الأول: ان الذي امر بالدعاء اوجب على نفسه قبول الدعوة (ادعوني استجب لكم)([93]) وللدعاء اجراءات:
الاول: النداء المسموع لدى المدعو، بمعنى ان المدعو يسمع النداء بالمعية العامة فهو مع كل شيء، ويسمع الدعاء بالمعية الخاصة فهو مع المتقين أو المحسنين أو الصابرين، يعني بشرط فعل العبد المتفق مع فعل الله، فتتحق التوفيقات والا فلا توفيقات خاصة مستوجبة او مستحقة إلاّ بالتفضل الالهي.
الاجراء الثاني: يستجاب الدعاء فيما اذا كان العبد مستوجب الدعوة، أو مستحق القبول في حال استحقاقه، أو يتفضل عليه الله تعالى بفضله اذا كان ليس من أهل الاستحقاق ولا من أهل الاستيجاب. اذن فهنالك ثلاث ابواب استنادية يرتكز عليها الدعاء اولها باب الاستحقاق وفيه واقعان:
الواقع الأول: ان الله تعالى امر امرا اجرائيا ورصد قبال الائتمار به ثوابا مناسبا، أي  في حال تطبيقه تطبيقا اجرائيا. وفي حالة عدم الائتمار به وعدم تطبيقه تطبيقا اجرائيا فان الله قد رصد قباله عقابا مناسبا ايضا.
الواقع الثاني: ان الله سبحانه نهى نهيا اجرائيا ورصد قبال الانتهاء عنه ثوابا مناسبا، كذلك وبالمقابل فانه قد رصد لمن لا ينتهي عنه عقابا مناسبا ايضا.
اذن فهناك حالات أربع للعبد بين هذين الواقعين:
الحالة الأولى: العبد الذي قد إئتمر بهذا الأمر، فانه من اهل الاستحقاق لهذا الثواب المقابل لهذا الأمر الاجرائي.
الحالة الثانية: العبد الذي لم يأتمر بهذا الأمر فانه من أهل الاستحقاق لهذا العقاب المرصود قباله.
الحالة الثالثة: العبد الذي انتهى عما نهى الله تعالى عنه فانه من اهل الاستحقاق لهذا الثواب المرصود له اجرائيا، وقضائيا.
الحالة الرابعة: العبد الذي لم ينته عما نهى الله عنه فانه من اهل الاستحقاق لهذا العقاب المرصود له قضائيا واجرائيا.
والعلة في هذا الاستحقاق هو تعلق الامر اجرائيا بوجود الممكن وتكوينه، فرؤية الله تعالى محيطة تفصيليا بوجود الممكن وتكوينه، لذا كان التأسيس لهذه القوانين تأسيسا متوافقا مع احتياجه وافتقاره الوجودي والتكويني فيما امر الله به وما نهى عنه. وهذا التوافق الكامل والتام والشامل لكل تفاصيله الوجودية والتكوينية جعل من هذه القوانين سنة لا تبديل لها ولا تحويل لقوانينها. ففي تطبيق العبد تطبيقا اجرائيا من جهة التشريع والسياسة في الإئتمار بما امر الله او الانتهاء عما نهى عنه فان العبد بذلك قد حافظ على الموازين الكونية والوجودية لعالم الامكان فسار بعالم الامكان الى العالم المثالي. لان العالم يسير على ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى: السير المادي وهو ما دار مدار الأبدان.
المرحلة الثانية: السير العقلي وهو ما دار مدار العقل التام وهذا السير يعيشه عالم الامكان في دولة الامام الحجة (عجل الله فرجه) من الممكنات المعاصرة لهذه الدولة، وأمّا الاموات فانهم يسيرون السير العقلي في عالم البرزخ، وكلاهما واحد، ففي دولة الامام (عجل الله تعالى فرجه) واقعها السير البرزخي والثواب والعقاب البرزخيان لحين قيام الساعة الكبرى.
 المرحلة الثالثة: السير الروحي وهو يدور مدار عالم الروح (عالم المثال عالم الذر). وهو تحقيق تام للرجعة (وانا اليه راجعون) الى ما بدأنا به (انا لله). اذن فهنالك رجعة صغرى وهي خاصة، والمشمول بها من محض الايمان محضاً، أي أن الثواب والعقاب يدور مدار العقيدة، وهنالك رجعة كبرى، ويدور ثوابها وعقابها على العمل الذي يقابل العقيدة؛ لان العمل قوة ارتكاز والعقيدة قوة استناد، فاذا كانت العقيدة صالحة كان العمل صالحا لصلاح ارتكازه بصلاح قوة الاستناد.
الباب الثاني: باب الاستيجاب وفيه واقعان:
فان كانت العقيدة فا سدة كان العمل فاسدا لفساد ارتكازه بفساد قوة الإستناد (الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم اجر غير منون)([94]).
الواقع الأول: ان الله تعالى امر أمرا اجرائيا ورصد قبال الائتمار به ثوابا مناسبا الا انه لم يرصد عقابا في حالة عدم الائتمار به.
الواقع الثاني: ان الله نهى نهيا اجرائيا ورصد قبال الانتهاء عنه ثوابا مناسبا ولم يرصد قبال عدم الانتهاء عنه عقابا.
فرؤية الله تعالى التفصيلية والمحيطة بتكوين الشيء ووجوده اقتضت سن قانون المستحبات، ورصده للمتقنن بها ثوابا معينا، ولم يعين عقابا لمن لم يتقنن بها، بمعنى ان فعلها العبد يثاب وان لم يفعلها لا يعاقب. كما اقتضت الرؤية الالهية سن قانون المكروهات، وقد رصدت للمتقنن بقانونها ثوابا ولم ترصد لمن لم يتقنن بقانونها عقابا، بمعنى ان فعلها العبد لا يعاقب وان لم يفعلها يثاب، والعلة في ذلك ان عدم فعل المستحب لا يلحق ضررا وفساداً بالقوانين الوجودية والكونية للممكن، أمّا فعل المستحب فانه يدر نفعا على القوانين الكونية والوجودية للممكن لتوافقه مع تقدم ورفعة الممكن بمستوى هذه القوانين الكونية، كذلك فانه ان فعل المكروه فلا يلحق بهذه القوانين الكونية والوجودية ضررا وفسادا، ولكن عدم فعل المكروه يلحق بفعل العبد تقدما ورفعة نحو الالتحاق بذاته وهي وقائع القوانين الكونية والوجودية لتوافقه مع هذه القوانين.
فيكون الأمر باربع حالات أيضا لهذين الواقعين:
الحالة الاولى: إن فعل العبد المستحب كان من أهل الاستيجاب للثواب المرصود قباله.
الحالة الثانية: إن لم يفعل العبد المستحب لم يكن من أهل الاستيجاب.
الحالة الثالثة: ان لم يفعل العبد المكروه كان من أهل الاستيجاب للثواب المرصود له.
الحالة الرابعة: ان فعل العبد المكروه لم يكن من أهل الاستيجاب.
باب التفضل: وهو ما يدور مدار المباحات كونها لا تعتمد استحقاق العبد ولا استيجابه. فالله تعالى متفضل بها دون عناية من العبد بقوانين تلائم وجوده وتكوينه، كون المباحات متوافقة مع هذه القوانين الكونية والوجودية، ان فعلها العبد او لم يفعلها فله الخيرة فيما اقتضت مشيئته المتفقة مع المشيئة الالهية.
الاجراء الرابع: ان المدعو خير مسؤول فيجب على العبد وجوبا اجرائيا ان يدعو بخير ويقنن دعاءه وفقا لدساتير الخير، فلا يطلب منه الشر لانه لا يفيض به وذلك لاطلاق خيره والخير المطلق لا يغلقه الشر.
الاجراء الخامس: كشف الضر وهو أمر يدور مدار الاستحقاق والاستيجاب في قبول الدعوة، أمّا في اليسر أو العسر، والمتعلق بافعال العباد، فالداعي له الأمل في قبول الدعوة.








القاعدة الثالثة والعشرون
أبواب الكرم الالهي

} بك انزلت حاجتي فلا تردني من سني مواهبك خائبا
يا كريم يا كريم يا كريم برحمتك يا ارحم الراحمين وصلى الله على خير خلقك محمد واله اجمعين {





وفي آفاق هذه القاعدة المعروفة جملة من الاجراءات:
الاجراء الأول: من انزل حاجته في سني المواهب الالهية فانه لا يرد ولن تخيب اماله. بمعنى إنّ التوجه الاجرائي بالحاجة الى الله تعالى فانه في مضانها الواقعية فلا تلتفت بحاجتك الى كل العناوين الامكانية، لانها لا تحمل المضامين التي تستند عليها حاجتك في ارتكازها، وكما قلنا في القاعدة الطردية التي اسسناها (لكل قوة ارتكاز قوة استناد تساويها على اقل تقدير) فمثلا البناء العمراني قوة ارتكاز لذا فهذه القوة الارتكازية تحتاج الى قوة استناد ترتكز عليها تساويها على اقل تقدير، والا يلزم انهيار البناء وقد اثبتنا بها امورا عقائدية واصولية وفقهية وعلمية كثيرة لها محلها ومجالها الذي تحل به على متسع انشاء الله تعالى.
فالحاجة قوة ارتكازية وفقا لحجمها وكيفها وحيثها، لذا فهي تحتاج الى قوة استناد تساويها على أقل تقدير على أنّ يكون ارتكازها صالحا وغير فاسد، ونافعا غير ضار. فالحاجات التي ارتكز بها اصحابها على غير قواعد استنادها انهارت وخر على اصحابها السقف من فوق.
وبما ان سني المواهب الالهية قاعدة استناد يصح ارتكاز كل الاحتياج والافتقار الامكاني عليها لذا تكون الحاجات والافتقارات قد ارتكزت ارتكازا صالحا.
 فعندما يرتكز المريض في حاجته المرضية على استنادية الطبيب المختص فانه قد استند اولا وبالذات على اسماء الله الحسنى كلها من قبيل العليم والحكيم والرحيم والطبيب، وقد تجلى بهذه الا سماء تجليا ظاهرا، وما من اسم يتجلى ظاهرا الا وقد قومته الاسماء كلها باطنا، فيكون الطبيب، قوة استناد ثانيا وبالعرض، والدليل  ثبات الاستناد الذاتي الاولي، وتغير الاستناد  العرضي الثانوي فبأمكانك ان تذهب الى كثير من الاطباء الا انك لا تركن الى احدهم ركنا اعتصاميا. فاسمه العليم والحكيم والرحيم والاسماء كلها هي مبدأ فيض الطب لدى كل منهم، فالكل قد ادلى دلوه واستسقى، وقد عرف كل منهم مشربه من التعليم الالهي  (وعلم ادم الاسماء كلها)([95]).
الاجراء الثاني: المواهب ما لم تكن متوافقة مع الكرم فانها لا تفيض بالعطاء والابداع. لذلك كانت القاعدة في بيانها تشير الى ان سني المواهب الالهية مقومها الكرم الالهي، ثم ان العطاء والهبات الالهية لا تنفذ فهي مطلقة لكرمه  المطلق سبحانه.
والكرم الالهي له ابواب ثلاث متوافقة، فباب الكرم الالهي الاول في السير العقلي والسير الروحي الى الله تعالى (وانا اليه راجعون) هو ولاية اهل البيت G وباب الكرم الالهي الثاني في الارتقاء والسفر والسير والهجرة العقلية والروحية الى الحق هو نبوة محمد 7، وباب الكرم الالهي الثالث هو الغاية وا لطلب والمنى هو كرم الله تعالى، ولا يؤتى منه سبحانه إلا ببابي الكرم الالهي: باب الولاية وباب النبوة؛ فلا باب يتوجه اليه الاولياء غيرهما فهما الباب الواحد في دولة الامكان الى الله تعالى. فمن هذا الباب يؤتى الى دولة الامكان من الله تعالى ما يؤتى، وبهذا الباب يتوجه الى الله أي بولايتهم الى الله تعالى.
فيكون دخول السالك لهذا الباب ارتقاءا بالنداء المسموع يا كريم وهو باب الولاية العلوية، ثم يا كريم وهو باب النبوة المحمدية، ثم يا كريم وهو باب الكرم الالهي، وعندها تكون الدعوة مستجابة، والدليل على هذا الاسترقاء والسير المرحلي هو ان بيان القاعدة يعقد الكرم بالرحمة الالهية والتي بين وجهها بيا أرحم، وهو واقع الرحمة الالهية التي ملكها لخلفاءه المعبر عنهم يا ارحم: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)([96])  فهم واقع الرحمة الالهية لعالم الامكان والتي وسعت كل شيء فيه.
الاجراء الثالث: هو اتصال محمد وآل محمد بالله تعالى اتصالاً ابديا؛ كونهم قد تفاعلوا بالخير كله فكانوا خير خلقه لذا كان اتصال الله تعالى بهم اتصالات أبديا وبسبب ذلك اوجب على كل ما دونهم الاتصال بهم اتصالا لا انفصام له، واعتصاما اجرائيا متعلقا بعصمتهم.





القاعدة الرابعة والعشرون
موازين الطاعة وموازين العصيان

ثم اسجد وقل:
}الهي قلبي محجوب ونفسي معيوب وعقلي مغلوب وهوائي غالب وطاعتي قليل ومعصيتي كثير ولساني مقر بالذنوب فكيف حيلتي يا ستار العيوب ويا علام الغيوب ويا كاشف الكروب اغفر ذنوبي كلها بحرمة محمد وال محمد يا غفار يا غفار يا غفار برحمتك يا ارحم الراحمين {





موضوع القاعدة
السلوك الانفسي والافاقي

فمن ناحية الاجراء الانفسي فان القاعدة تعطي الابعاد السلوكية التطبيقية في السلوك باتجاهيه: السلبي وهو السير الاسفلي السيء، والايجابي وهو السير التكاملي الاحسني.
واما من ناحية الاجراء الافاقي فانه يحكي و اقع الاثار الافاقية من خلال ما قدمت الانفس من خير او شر (انا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموه واثارهم وكل شيء احصيناه في امام مبين)([97]).

منازل القاعدة الاخلاقية:
يبين لنا أمير المؤمنين D منازل هذه القاعدة بلحاظ التسافل وهي:
المنزلة الاولى (حجب القلوب): فان اسباب حجب القلوب ناتج من عيوب النفس.
المنزلة الثانية: (عيوب النفس): فميزان واسباب هذه العيوب النفسية هو غلبة الهوى:
المنزلة الثالثة: (غلبة الهوى): وهذه الغلبة لها لوازم ومقدمات منشؤها مغلوبية العقل.
المنزلة الرابعة: (مغلوبية العقل): ان الحلبة التي يتصارع فيها الطرفان الهوى وهو العقل النفسي المدبر والمعرض عن الله تعالى والوحي وهو العقل الروحي المقبل على الله تعالى هي حلبة الاجراء التطبيقي والسلوك العملي، وهذا الاجراء تطبيقيا وعمليا –يدور مدار الطاعة والعصيان.
المنزلة الخامسة: (الطاعة والعصيان): فالطاعة خطة اجرائية الهية كاملة وتامة، ولها واقعان: طاعة عامة وهي الاستعانة وطاعة خاصة وهي العبودية (اياك نعبد واياك نستعين)([98]).
وهذان الواقعان -الاستعانة والعبودية- يكون السير فيهما كطاعة كاملة لله وحده لا شريك له، الاّ ان السؤال كيف للعبد ان يسير و حده، دون ادلاء يسلكون به إلى الله تعالى؟
والجواب على هذا السؤال يكمن في نفس السورة حيث ان الله تالى عندما اجرى العبادة له وحده ثم اجرى الاستعانة له وحده لم يكتف بهذا الاجراء بل اجرى معهما الهداية التكوينية بمعنى ان الاستعانة والعبادة هما قانونان متفقان مع قوانينه الوجودية والتكوينية. ثم اجرى الهداية التشريعية بسلطاتها: التشريعية والقضائية والاجرائية (اهدنا الصراط المستقيم)([99]).
كي تأخذ هذه القوانين الهدائية بأيدي السالك الى الفعل المتفق مع قوانين العبد الذاتية، وتحذره من الفعل المفترق مع قوانينه الذاتية ثم عين مجموعة وقال عنهم: بأن هؤلاء هم الواصلون الى مقام الانسانية الكاملة التامة؛ لان الكمال يحكي واقع الروح، وأما التمام فانه يحكي واقع العقل فالعقل التام لا ينطق عن الهوى، فهو الغالب أبدا لذلك التزاما فان نفسه قد خلت من العيوب (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)([100]) وهذا لازمه ان القلب خالٍ من الحجب (ما كذب الفؤاد ما رأى)([101]).
وقد عقد الله تعالى الهداية التشريعية وفقا لسلطاتها الثلاث الى من وصل في نفسه الى مقام الهداية التكوينية التي اهلته لرؤية القوانين الوجودية والتكوينية وهذه هي حقيقة العصمة.
والسؤال  هنا من هم اصحاب الهداية الذين لهم حق التصرف الهدائي حيث ا نهم واقعوه في انفسهم تكوينا ووجودا؟
والجواب هم محمد وال محمد 7 (صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)([102]).
فالذين اسم موصول يحكي لنا واقع جمع وهذا يعني ان الله بين انه العبادة له والاستعانة له وهما واقع الطاعة ولكن بين ان لا عبادة حقه ولا استعانة حقه الا عن طريق هذه المجموعة الكاملة وهي حقيقة محمد وآل محمد 7 (قل هل من شركائكم من يهدي الى الحق قل الله يهدي للحق افمن يهدي الى الحق  احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدي فما لكم كيف تحكمون)([103]).
ان النعمة التامة هي نعمة الولاية حيث هي العقل الطولي التام والذي تتعلق بعروته الوثقى كل العقول الشخصية فيما تجلت بافعالها.
وأما الكمال الديني الالهي فهي النبوة المحمدية. فالدهر يومان: يوم الكمال ويوم النقص، فيوم الكمال هو يوم محمد وال محمد 7، ويوم النقص هو يوم الشيطان وال الشيطان من الانس والجن (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام)([104]).
ولكل نبي وولي من الانبياء والاولياء قبل الخاتم وال بيته 7كمال وتمام يليق بنبوتهم وولايتهم.
والعصيان خطة اجرائية وقد بينت معالمها السورة نفسها، وهي الاجراءات الغيرية. أي الاجراءات الفعلية في غير ما اجرى الله تعالى في الذات الممكنة، أو قل ما كانت صفات الممكن غير واقعه الذاتي.
والأمر يستوعب واقع المعادلة المستنبطة من التضاد السلوكي، حيث أن السورة قد بينت الصراط ثم بينت انه مستقيم، وهذا يلزم ان المتخلف عن الهداية التشريعية فعله متخلف عن الهداية التكوينة، و التي هي واقعه الذاتي صفاته غير ذاته، أي انه على صراط ولكنه صراط الجحيم وصراط العوج. وهذا هو التقابل  الاجرائي بالعرض (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا)([105]).
فالاستقامة اول لوازمها الهداية، اما العوج فأول لوازمه الضلالة.
اذن فالخطة الاجرائية العصيانية اول اجراءاتها الضلالة والتي تقابل اول اجراءات الطاعة وهي الهداية.
ثم انَّ المعادلة الأخرى والاجراء الآخر هو في بيان الصراط ان كان الواقع المتحقق اجرائيا ضلالة فالصراط عوج: (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون)([106]).
وان كان الواقع المتحقق اجرائيا هداية فالصراط مستقيم (الحمد لله الذين انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا)([107]).
والاجراء الثالث في السير العقلي او السير الروحي على الصراط المستقيم يوصل المهاجر الى الله تعالى الى مقام النفس الراضية، ثم المرضية، ثم المطمئنة في سيرها الرجوعي الى الله تعالى (ارجعي الى ربك راضية مرضية)([108]).
(قالوا انا لله وانا اليه راجعون)([109]).
وبالمقابل هنالك السير الاهوائي او السير النفسي على صراط الجحيم، فالهوى يقابل الوحي، والنفس تقابل الروح.
هذا السير الاهوائي يوصل المهاجر الى الشيطان متدرجا في التسافل الى مقام النفس اللوامة، ثم المنوعة، ثم الجزوعة ثم الهلوعة، ثم الجهولة، وهو مقام المغضوب عليهم الذي يقابل النفوس الراضية المرضية، فان النفوس التسافلية ائمة الكفر الذين يدعون إلى النار.
(غير المغضوب عليهم ولا الضالين)([110]).
فالقاعدة اذن تعطي الابعاد التكاملية والابعاد التسافلية.
حيث ان الميزان هو الطاعة والعصيان فبينهما مناسبة اشتراك النسبة المئوية، فالعقل خاضع لهذه النسبة فهو قابل للطاعة 100% فيكون معصوماً بالخير كما هو واقعه الذاتي (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم)([111]).
وان تغاير فعله عن ذاته فهو قابل للعصيان 100% فيكون معصوما بالشر كما هو واقعه العرضي المغاير لذاته، فذاته صبغة الله تعالى ومن احسن من الله صبغة والأحسن دلالة هذه الصبغة الذاتية هي الاسماء الحسنى كلها بقرينة تكوينه الاحسني (في احسن تقويم)، اما الشر فهو اسماء  قبحى وصبغة شيطانية عرضية يمكن ازالتها كالصبغ الذي على الجدار، فصبغة الجدار بما هو جدار صبغة ذاتية ازالتها تلزم ازالة الجدار نفسه كواقع وحقيقة -وجودا وتكوينا- أما الصبغ العارض على الجدار فمن الممكن ازالته؛ لعروضه عليه وازالته تلك لا تؤثر على الجدار ولا تغير من واقعه  وحقيقته الذاتية.
هذا من واقع العصمة بطرفيها العصمة بالخير والعصمة بالشر.
اما جهة الذين هم بين النسبتين فهم سائرون خلف المعصوم الهادي الذي هو أحق أن يتبع، وخلف المعصوم الضال الذي هو أحق ان لا يتبع.
اذن فمن كانت نسبة تفاعله في الطاعة 99% فان لديه تفاعل 1% عصيان وبالعكس، وهكذا كلما زادت النسبة في طرف فان النسبة تقل عند الطرف الآخر.
فالسبب في غلبة الهوى ومغلوبية العقل هو ان العصيان كثير، فبالتالي ان الطاعة قليل، فان كانت الطاعة كثيرة يكون العصيان قليلا، وان قل العصيان كثرت الطاعة، وان كثرت غلب العقل الهوى - فيكون الهوى مغلوبا، فان غلب الهوى بغالبية العقل طهرت النفس من العيوب، واثار تلكم الطهارة هو فك الحجب عن القلوب.
وهذا ما واقعه في كماله وتمامه الانبياء والرسل G والاكمل الاتم فيهم G الرسول الاكرم وآله الاطهار7.
ان القرآن بين لنا أن الصراط كمفهوم يحتكم فيه الى رؤية الموضوع حيث يتولد منه الحكم. فواقع الصراط من خلال موضوعه، فان كان المصداق موضوعا للسلوك السيء والاجراء التسافلي نحكم بأن هذا صراط الجحيم وفي واقعه مقام التسافل والارداد عن صفاته الذاتية (ثم رددناه أسفل سافلين)([112]).
وان كان المصداق موضوعا للسلوك الحسن والاجراء التكاملي نحكم بأن هذا صراط مستقيم وفي، واقعه مقام التكامل والسير وفقا للصفات الذاتية (لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم)([113]).
فحقيقة أحسن تشير إلى الاسماء الحسنى والتربية الالهية التي ربى بها خليفته آدم بوجه خاص وكل شيء بوجه عام.
وان كان المصداق موضوعا للسلوك من الاجراء السيء الى الا جراء الحسن، أو  قل من التسافل الى التكامل نحكم بان هذا صراط التوبة وفي واقعه مقام الرجوع من التسافل الى التكامل (الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم اجر غير ممنون)([114]).
فهؤلا ءالعاملون قد خرجوا من الارداد التسافلي الى دائرة التكامل حيث الاستثناء، فالايمان لديهم صالح لانه قد نضح بالعمل الصالح، اما الذين سقطوا من أحسنيتهم الذاتية فانهم آمنوا بالسوء والعقيدة الفاسدة لذا نضحت عقائدهم الفاسدة بالأعمال السيئة والفاسدة، والقاعدة تبين لنا أنَّ أول الرجوع من التسافل و الاستراط على سراط التوبة هو الاقرار بالذنوب (ولساني مقر بالذنوب) ثم طلب المغفرة على الاجراءات التسافلية التي كان فيها وعدم العود لهذه الاجراءات او مثلها، والتقنن في الاسباب والكيفيات المؤدية الى ذلك (فكيف حيلتي يا ستار العيوب) وهذا يتطلب منا الارتقاء الى اليقين بعالم الغيب وعدم الوقوف على عا لم الشهادة في واقعه الوجودي والتكويني والمادي له لأن الغيب على ثلاث وجوه:
الوجه الأول: الغيب المحدد: وهو ما كان غيبا وقد تحدد كشهادة عينية.
الوجه الثاني: غيب مقيد وهو غيب السموات والارض وهذا الغيب انباء، وهو حقيقة صفات ذات الممكن ولا سيما الخليفة آدم ونقصد به ادم الطولي، وهذا باطن التعليم الالهي -الاسماء كلها- والذي شاهدناه في الشهود الاول (واشهدهم على انفسهم ألست)([115]) فهو شهود ورؤية معالم التربية الالهية بدلائل اقرارنا قبال هذه المشاهدة بالمربي (الست بربكم قالوا بلى شهدنا)([116]) فمن خلال شهودنا معالم النفس  المقدسة -الروح- فاننا قد شاهدنا معالم الربوبية، ثم ان هذا الغيب محكوم في كشفه ومشاهدته بالتسويف العلمي (لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون)([117]) فانباء الغيب التي أوحى بها الله تعالى لنبيه وعلمه اياها تعليما ذاتيا تكوينيا هي من سنخ غيب السموات والارض، والأنباء هي تلك التي قد نبأ بها آدم الملائكة.
فالقاعدة تشير الى الغيب في قوله D:
(يا علام الغيوب ويا كاشف الكروب)
الوجه الثالث: الغيب المؤبد: وهو ما يختص بالذات المقدسة، ذلك الغيب خارج دائرة الامكان ولا يمكن لأحد أن يطلع عليه لا نبي ولا وصي ولا ملك مقرب فهو شأنه الذاتي أستأثره لنفسه؛ لامتناع مكاشفته عقلا وذاتا.
فعندما يدرك السالك قوانين غيب السموات والارض يدرك ان تقديم تلك الاجراءات السيئة من الانفس لها اثارها في الافاق من كرب وبلاء وجزاء وهم وغم وارباك في الموازين الافاقية؛ لخروجه من دائرة الحافظ الانفسي والتشريعي والتكويني.
هنا يكون طلب المغفرة من طريقها الحق وسبيلها الاجرائي الصحيح وسلسلة مرجعيتها العليا وبابها الذي سد الله تعالى كل باب غيره فتنقلنا القاعدة العلوية الى هذا الواقع في قوله D (اغفر ذنوبي كلها بحرمة محمد وال محمد يا غفار يا غفار يا غفار برحمتك يا ارحم الراحمين).
ولنقف على اهم ما ورد فيها من نكات:
اولا: طلب المغفرة أي التغيير الا جرائي من السوء الى الحسن ومن التسافل الى التكامل.
ثانيا: التوقف التام عن كل الذنوب أي ترك التقنن بقوانين الخطة الاجرائية العصيانية وتطبيق قوانين الخطة الاجرائية الايمانية الطاعتية. فلا يمكن للتوبة ان تتحقق كاجراء تطبيقي ما لم تكن لها خطتها الاجرائية المتكاملة.
وقد اشار اليها امير المؤمنين D في دعاء كميل:(وقد اتيتك يا الهي بعد تقصيري واسرافي على نفسي معتذرا نادما منكسرا مستقيلا مستغفرا مقرا مذعنا معترفا....)([118]).
وقد فصلنا هذه الخطة الاجرائية فيما سلف بفضل الله تعالى.
ثالثا: حرمة محمد وال محمد 7 كونها ا لحرمة الالهية والباب الذي منه يؤتى من الله وبه يتوجه الاولياء السائرون الى الله تعالى سيرا عقليا او روحيا.
وهذه اشارة الى أن السلوك الاجرائي في خطة التوبة الاجرائية هو السير وفق اجراءاتها التطبيقية التي اتى بها محمد وال محمد 7 والوصول اليهم ليأخذوا بالسالك الى الله تعالى. ويعني ذلك ان خصائص السالك اجرائيا قد حملت عينية خصائص محمد وآل محمد 7 وهي الخصائص الالهية.
رابعا: بعد دخول باب قبول التوبة يجد السالك ان لا مغفرة له الا بسلسلتها المرجعية الثلاث: (يا غفار يا غفار يا غفار).
فأول ابواب المغفرة هي الولاية في رجوع السالك الى الله تعالى ثم المغفرة الثانية النبوة، ثم مواقعة المغفرة الثالثة وهي معالم الربوبية حيث الرجوع الى اصل المشاهدة للنفس الطاهرة -الروح- والتي شاهدنا بمشاهدتها معالم الربوبية.
ان مراتب المغفرة الثلاث تلك هي القوانين الاجرائية بمعنى أن على السالك أن يجري مجرى الاجراءات التطبيقية لسير محمد وال محمد 7 ليكون بالتالي متوافقاً مع الاجراءات التطبيقية للخطة الاجرائية الالهية.
ثم تشير القاعدة الى واقع اخر في قوله: (برحمتك يا ارحم الراحمين) ونراه بلمحات:
اللمحة الاولى: هنالك راحم وهو الله تعالى وهنالك راحمون وهم محمد وآل محمد 7 كرحمة الهية عامة وسعت كل شيء (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)([119]).
وبلا شك أن آل محمد هم نفس محمد 7 بدلائل آية المباهلة (انفسنا وانفسكم) والانبياء كذلك كلهم كرحمة خاصة.
اللمحة الثانية: لا تتحقق المغفرة الا بالتوبة كاجراء تطبيقي ولا تتحقق التوبة باجراءتها التطبيقية والخروج من دائرة الامر السوئي الا بالرحمة (وما ابرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي)([120]). فاذا لم يتحقق دخول السالك في افق الرحمة لا تتحقق التوبة عنده، حيث لا يستثنى من الامر السوئي الا بخروجه منه ودخوله في الرحمة وهي واقع نبوة محمد وولاية ال بيته الاطهار G فيكون الرضا الالهي متحققاً.
ومن هنا يجب علينا ان نفهم ماذا يريد المعصوم من الدعاء ولماذا كل هذه الادعية التي تحدثت عن كل معالم الدين التكوينية والتشريعية والقضائية والاخلاقية والاصولية والاجتماعية!!! هذه الخطة الاجرائية المتكاملة اراد المعصوم D ان يوصلها الينا حتى لا تغير معالمها القوانين التي وضعتها السياسات الآمرة بالسوء والناكسة في وحل الاثم والجريمة.
اراد المعصوم ان نطبق الخطة الالهية تطبيقا اجرائيا حتى نكون من موازين الحفاظ على الانفس وعلى الافاق.
ولو اعطينا تقابلا اجرائيا في الطول وفي العرض للقاعدة لوصلنا الى نتيجة وهي ان الاجراءات التطبيقية الطولية على نحوين:
اولا: الاجراءات التطبيقية الطولية الحسنة:
الاجراء الأول: ان كثرة الطاعة يلزم منها قلة المعصية.
الاجراء الثاني:  غلبة العقل توجب مغلوبية الهوى.
الاجراء الثالث: طهارة النفس من العيوب.
الاجراء الرابع: فك الحجب عن القلوب فيرى المحبوب بالبيان وآثاره بالعيان.
امّا الاجراءات التقابلية بعرضها فهي:
الاجراءات التطبيقية الطولية السيئة.
فالاجراء الأول: كثرة المعصية تلزم منها قلة الطاعة.
الاجراء الثاني: غلبة الهوى توجب مغلوبية العقل.
الاجراء الثالث: نجاسة النفس بالذنوب.
الاجراء الرابع: حجب القلوب بالذنوب.

واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وال بيته الطيبين الطاهرين.

19 صفر 1824هـ قبيل التوجه للزيارة الاربعينية العظيمة


([1]) سورة النجم، 3.
([2]) سورة النجم، 5.
([3]) التوبة،
([4]) سورة المائدة، من الآية 3.
([5]) مواقف الشيعة، ج3، ص452، الأحمدي الميانجي.
([6]) سورة الصافات، من الآية 102.
([7])  سورة النجم، 4.
([8]) آل عمران، من الآية 61.
([9]) سورة الفرقان، من الآية 43.
([10]) دعائم الاسلام، القاضي النعمان المغربي، ج1، ص86.
([11]) سورة الطارق، 4.
([12])  سورة الحجر، 9.
([13])  سورة الصافات، 6.
([14])  سورة الصافات، 7.
([15]) مكيال المكارم، ج2، ص321، ميرزا محمد تقي الاصفهاني.
([16]) الروم، 41.
([17]) سورة البقرة، من الآية 31.
([18]) سورة فصلت، 10.
([19]) دعائم الإسلام، للقاضي النعمان المغربي، ج1، ص86.
([20]) سورة الانبياء، من الآية 30.
([21]) سورة فصلت، 12.
([22]) سورة فصلت،
([23]) سورة الحديد، من الآية 28.
([24]) سورة يس، 79.
([25]) سورة هود، من الآية 7.
([26]) سورة الاعراف، من الآية 172.
([27]) سورة يس، 79.
([28]) سورة الاعراف، 12.
([29])  سورة التين، 6.
([30]) سورة التين، 4.
([31]) سورة السجدة، 7.
([32]) سورة يس، 12.
([33]) سورة آل عمران، 103.
([34]) سورة الانبياء، 107.
([35])  سورة المجادلة، من الآية 22.
([36]) سورة الشمس، 10.
([37])  سورة الفاتحة، 6.
([38]) سورة الفاتحة 7.
([39]) سورة التين ، 6.
([40]) سورة يوسف، 53.
([41]) سورة الاحزاب، 33.
([42]) سورة الانبياء، 107.
([43] )  سورة طه، 124.
([44] ) سورة الحاقة، 21.
([45] ) سورة الرعد، من الآية 11.
([46]) شرح نهج البلاغة لأبن ابي الحديد، ج20، ص342.
([47]) دعائم الاسلام، للقاضي النعمان المغربي، ج1، ص86.
([48]) مفاتيح الجنان،الشيخ عباس القمي، ص78.
([49]) سورة الاسراء، 85.
([50]) سورة البقرة، 269.
([51]) سورة التين، 6.
([52])  قد شرحنا ذلك تفصيلا في كتابنا (احذروا النفس).
([53]) مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، ص79.
([54]) مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، ص29.
([55])  سورة الروم، 41.
([56]) سورة التوبة ، من الآية 33.
([57]) سورة الحديد من الآية 20.
([58]) سورة يس، 60.
([59]) سورة الارعاف، من الآية 172.
([60]) سورة ا لبقرة، من الآية، 256.
([61]) تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص430.
([62]) العقل ان اتصل بالروح اصبح عقلا ايحائيا، وان اتصل بالنفس اصبح عقلا اهوائيا.
([63]) سورة التكوير، 29؛ سورة الانسان، 30.
([64]) نهج البلاغة، ص 694.
([65]) سورة الشمس، 9.
([66]) سورة المجادلة، من الآية 22.
([67]) سورة الانبياء، 73.
([68]) سورة الاسراء، من الآية 1.
([69]) سورة  المد ثر، من الآية 31.
([70]) سورة الاسراء، 85.
([71]) سورة يس، من الآية 12.
([72]) بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج66، ص293.
([73]) سورة الانبياء، 107.
([74]) سورة الاسراء، 110.
([75]) حديث مشهور روته العامة والخاصة.
([76]) العلق، 1.
([77]) سورة الفرقان، من الآية 44. 
([78]) الاسراء، 14.
([79]) نور الأفهام، للسيد حسن اللواساني، ص270.
([80]) سورة البينة، 7.
([81]) سورة البينة، 6.
([82]) سورة فصلت، 9.
([83]) نفس المهموم، للشيخ عباس القمي، ص484.
([84]) كنز الفوائد، ابو الفتح الكراجكي، ص16.
([85]) سورة الكهف، 19.
([86]) سورة الروم، 25.
([87]) سورة الروم، 18.
([88]) سورة الروم، 25.
([89]) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ، ج25، ص257.
([90]) سورة الروم، 41.
([91]) سورة الرعد، 25.
([92]) سورة الرعد، 21.
([93])غافر، 60.
([94]) سورة التين، 6.
([95]) البقرة، من الآية 31.
([96]) الانبياء، 107.
([97]) سورة يس، 12.
([98]) سورة الفاتحة، 5.
([99]) سورة الفاتحة، 6.
([100]) سورة الاحزاب، من الآية 33.
([101]) سورة النجم، 11.
([102]) سورة الفاتحة، 7.
([103]) سورة يونس، 35.
([104]) سورة المائدة، من الآية 3.
([105]) سورة الاعراف، من الآية 86.
([106]) سورة الاعراف، 45.
([107]) سورة الكهف، 1.
([108]) سورة الفجر، 28.
([109]) سورة البقرة، من الآية 156.
([110]) سورة الفاتحة من الآية 7.
([111]) سورة التين، 4.
([112]) سورة التين، 5.
([113])  سورة التين، 5.
([114]) سورة التين، 4.
([115]) سورة الاعراف، من الآية 172.
([116]) سورة الارعاف، من الآية 172.
([117]) سورة الانعام، 67.
([118]) مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، ص78.
([119]) سورة الانبياء، 107.
([120]) سورة يوسف، من الآية 53.

ليست هناك تعليقات: