الخميس، 30 أكتوبر 2025

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لماذا أنا هنا؟
ولماذا في هذه المدينة بالذات؟

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حياكم الله.

1. لأن الوجود سلسلة واحدة لا انقطاع فيها.
قال الله سبحانه:
﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾،
أي أن أصل الخليقة واحد، وكل ما يأتي بعده امتداد لتلك النفس الأولى.
فالوجود ليس حوادث عشوائية، بل سلسلة حيّة متصلة، كل حلقة منها تلد الأخرى بترتيبٍ حكيم، «يَلِدُ ولم يُولَد»، بمعنى أن الله هو الأصل الأول الذي تفرّعت منه سائر الأسباب.

2. أنت امتداد في النسب، لا مصادفة في المكان.
﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾، فتوالدت منها.
بيَّن الله أنه بعد هذا التوالد الزوجي صار التحوّل من الخلق إلى البثّ:
﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾.
فوجودك في هذه المدينة، وفي هذا الزمان، ليس صدفة، بل هو نتاج نسبٍ وسلسلةٍ أرادها الله لك:
نسب الجسد من آبائك وأمهاتك،
ونسب العقل، وهو الأدب والثقافة والحضارة والبيئة،
ونسب الروح، وهو السبب من أصل الفطرة الأولى.
فالله قدّر لك أن تكون في هذا الموضع لأن فيه سببًا من أسباب تكاملك، فلك هنا رسالة، أو لقاء، أو تجربة تُنضج روحك.

3. التوالد ثلاثة أنواع: نسبي، وأدبي، وسببي.
•التوالد بالنسب: هو ولادة الأجساد من أصل واحد، امتداد الدم والعرق والجينات.

• التوالد بالأدب (بيئتك، لغتك، حضارتك، ثقافتك): هو ولادة المعاني والأنوار من المعلمين والأنبياء والأولياء، أي سلسلة الهداية.

• التوالد بالسبب: وهو الفطرة والنفس الواحدة.
فكما أن الجسد جاء من أبٍ وأمّ، كذلك الروح تُولد بالمعنى من "آباء الأدب"، من المعلمين الذين يغذّونها بالعلم والنور.
ولهذا نقول عن المعلم: هو "أبو الروح".

4. وجودك في مكانك هو جزء من السبب:
المدينة التي أنت فيها ليست جغرافيا فحسب، بل ساحة امتحان وظهور لمعناك.
قد يكون فيها من يُكمّل تجربتك، أو من تحتاج أن تتعلّم منه الصبر أو الرحمة أو الفهم.
فالله يوزّع عباده في الأمكنة كما تُوزَّع الحروف في الكلمة: كل حرف في موضعه ليكتمل المعنى.
وقد تشير الروايات إلى أنه لو خُيّر الناس لاختاروا ما هم عليه من مكان وزمان وبيئة وتمكين وصلاح أو فساد، وكفور أو شكور، وتقوى أو فجور، فكلّها أفعال وقرارات واختيارات الإنسان التي يعلمها الله.

خلاصة القول:
أنت لست هنا صدفة، بل هنا لحكمة.
جئت من سلسلة نسبٍ جسدية، وسلسلةٍ أدبيةٍ معنوية، وكلاهما من إرادة الله.
فحيثما وُجدت، فاعلم أنك في الموضع الذي أراده الله لتثمر فيه.

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف تكون معرفة الله فطرية، ونحن نرى قبائل بدائية وثنية لا تعرف التوحيد؟




السلام عليكم حياكم الله في ميدان الجواب أقول بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وعلى آل محمد

أولًا: أصل الفطرة لا يعني بقاءها بلا انحراف
معرفة الله موجودة في أصل الخِلقة، كما قال تعالى:
«فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا»
لكن الإنسان قد يحجب فطرته بالجهل، أو بالبيئة، أو بالاتباع الأعمى.
فالفطرة تظل موجودة في العمق، حتى لو تراكم عليها غبار الانحراف.

ثانيًا: قوله تعالى (كان الناس أمةً واحدة فبعث الله النبيين)
الآية تشير إلى أن الناس في البداية كانوا على فطرة سليمة، ثم اختلفوا وتباينوا في طرقهم، فبعث الله الأنبياء ليعيدوا الناس إلى الصفاء الأول، إلى النور الذي في داخلهم.
فالمشكلة ليست في "غياب الفطرة"، بل في نسيانها أو تغطيتها، ولهذا سُمّي الكفر "كفرًا" أي تغطية.

ثالثًا: الناس منذ البدء ثلاثة خطوط
الخط الأول: منصف لفطرته
وهم الذين حافظوا على صفاء الحس والعقل والشعور الإنساني، فبنوا حضارات، وكانوا أوعيةً لوحي السماء.
من بينهم خرج الأنبياء والأوصياء، ولهذا قال تعالى:
«إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا...»
فاختيار آدم دليل أن هنالك مجتمعًا بشريًا فيه طيبون وخبيثون، فاختار الله من بينهم الصفوة.
الخط الثاني: المخالف لفطرته عن علم
يعرف أن فطرته سليمة، لكنه يعاندها، فيكذب ويسرق ويظلم، وهو يدرك خطأه.
هؤلاء في كل زمان، حتى بين المؤمنين، تجد من يؤمن بالله بلسانه، لكن سلوكه يخالف نور فطرته.
الخط الثالث: المختلف عن نظام الفطرة
وهو من غابت عنه البصيرة تمامًا، فصار يعيش في ظلمات الجهل، لا يميّز الحق من الباطل، فيعبد الحجر أو النار أو نفسه.
هذا النوع لا يخلو منه زمن، ولكن الله يبعث الأنبياء ليُسمع نداء الفطرة من جديد في آذانهم.

رابعًا: الفطرة تُنادي دائمًا
حتى في القبائل الوثنية، ستجد في عمقهم شعورًا بوجود قوة عليا، وإحساسًا بالرهبة من الغيب.
ذلك هو صوت الفطرة، لكنهم ضلّوا في تحديد المعبود.
فهم لم ينكروا أصل الإله، بل أخطؤوا في الطريق إليه.

خلاصة الجواب:
معرفة الله فطرية، أي مغروسة في النفس من أصل الخلق.
لكن الناس تتفاوت في الاستجابة لها:
منهم من صفا قلبه فاتصل بالفطرة،
ومنهم من غطاها بالهوى،
ومنهم من ضيّعها حتى أظلم قلبه.
والأنبياء جاؤوا لإيقاظ الفطرة لا لزرعها، فهي مزروعة منذ قال الله:
«أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالوا بلى».


 السلام عليكم و رحمة الله ..

ما هو أثر حفظ زيارات أهل البيت (عليهم السلام) على حياة الإنسان كزيارة أمين الله عاشوراء وراث او زيارة الزهراء و قراءتها بعد كل صلاة أو حفظ الأدعية أيضًا ....
جزاكم الله خيرًا…




وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
سؤالك جميل وعميق، لأنّه يمسّ لبّ السير الروحي في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، فحفظ الزيارات والأدعية ليس مجرد تكرار ألفاظ، بل هو سلوك قلبٍ وتربية وجدان واتصال بنور الولاية.
إليك بيان الأثر على ضوء التجربة العرفانية والعلم الروحي لأهل البيت (ع):

أولاً: أثر الحفظ على الوعي القلبي والمعرفي
عندما يحفظ الإنسان زيارات مثل أمين الله، عاشوراء، وارث، الزهراء، فهو في الحقيقة يحفظ صورة معرفية متكاملة للتوحيد والولاية.
كل زيارة من هذه الزيارات هي درس في العقيدة والسلوك:
زيارة أمين الله: تُعلّمك أدب الدخول على مقام الولاية، وتربط العبادة بالإخلاص، وتغرس في القلب أدب الحضور بين يدي الله وأوليائه.
زيارة عاشوراء: تُعلّمك معنى البراءة من الباطل والولاء للحق، وهي زيارة المجاهدين في الباطن، لأنها تزرع في القلب الشجاعة في مواجهة النفس الظالمة.
زيارة وارث: تجعلك تعي سلسلة النور الإلهي الممتدة من آدم إلى الحسين، فتربط التاريخ الإلهي كله بمسيرة التوحيد.
زيارة الزهراء (ع): تُصفّي البصيرة وتُنمّي الحياء القلبي، لأنها عبير الطهارة الأنثوية النورية.
فحفظها يعني أن معانيها تُصبح جزءًا من وعيك الداخلي، تُعيد تشكيل نظرتك للحياة والناس والآخرة.

ثانيًا: أثرها على الاستقرار النفسي والطمأنينة
الإنسان إذا عاش مع هذه النصوص يوميًا، خصوصًا بعد كل صلاة، يبدأ عقله الباطن بامتصاص نغمها القدسي.
تتبدّل حالاته الداخلية،
ويخفّ قلقه وخوفه،
ويجد أن حضور المعصومين (ع) في وجدانه يسكّن اضطراباته.
"من واظب على قراءة زيارة أمين الله بعد الصلاة، أحسّ بأن الصلاة امتدت، كأنها لم تنتهِ، بل استقرت في القلب."

ثالثًا: أثرها في تصفية النفس ومجاهدة الهوى
الزيارات ليست دعاءً فحسب، بل منهاج تربية:
فيها تولي وبراءة، وفيها عرفان بالله وأوليائه، وفيها ذِكر لصفات المؤمنين، ووصفٌ لحال المخلصين.
فمن حفظها واستحضرها، صار له ميزانٌ يزن به نفسه:
هل هو على خُطى أولياء الله أم على طريق الغفلة؟
ولذلك ترى أهل السلوك يجعلون حفظ الأدعية والزيارات سلاحًا للنفس، لأنها تُوقظ البصيرة حين تميل إلى الغفلة.

رابعًا: أثرها على البركة في العمل والرزق والعلاقات
من حافظ على زيارة المعصومين (ع) بصدق ومحبة، نُسج له سترٌ من اللطف في دنياه.
يُبارك الله في رزقه لأن روحه متصلة بمعدن العطاء.
وتُصلح علاقته بالناس لأن قلبه مطعَّم بلين الولاية.
وتُيسر له أبواب الفهم، لأن المعاني النورانية تصير جارية في لسانه.
يقول بعض الأولياء:
"من داوم على زيارة عاشوراء أربعين يومًا بخشوع، أراه الله أثرها في دنياه قبل آخرته."

خامسًا: أثر حفظ الأدعية
حفظ الأدعية مثل دعاء كميل، دعاء الصباح، العهد، الجوشن الصغير والكبير، يُنشئ في الإنسان لغة جديدة مع الله، لغة وجدانية حية.
يصبح الدعاء حديثًا قلبيًا تلقائيًا، لا يحتاج إلى ورق ولا ترتيب، لأن المعاني صارت في القلب.
وحين تتأصل هذه اللغة، يُصبح القلب دائم الدعاء ولو صمت اللسان.

الخلاصة:
الذكر بلا فهم يورث الثواب،
والذكر مع الفهم يورث النور،
أما الذكر مع الحب، فيورث القرب.
فحفظ الزيارات والأدعية، مع تدبرها واستحضار أهلها، هو طريق القرب، وطريق تهذيب النفس وارتقائها، لأن الإنسان إذا حفظ كلامهم، سكن نورهم في قلبه.


 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مولاي العزيز.. .
قرأت أحد عباراتك التي تقول: سرُّ النجاح والتوفيق بالعناية الإلهية، أن تكون مع الناس كالطبيب: يعالجُ المرضَ ليُحيي المريض، لا أن يقتل المريضَ وتبقى العِلّة.
فتبادر في ذهني سؤال:
كيف نعالج المرض ليحيى المريض؟




وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته حبيبي
أوّلًا: معنى "نعيش الأسماء"
العيش بالأسماء يعني أن يتخلّق الإنسان بصفاتٍ من معانيها، لا أن يكتفي بذكرها باللسان.
يعني أن يكون الاسم الإلهي حالةً يعيشها القلب وسلوكًا يظهر في الواقع.
فإذا قلت "يا شافي"، فالمطلوب أن ترى في كل دواءٍ وفي كل دعاءٍ أثر الرحمة الإلهية التي تشفي، وأن تتعامل مع نفسك والناس بروح الشفاء لا الإيذاء.
ثانيًا: كيف نعيش اسم "الشافي"
اسم الشافي ليس فقط لمن يمرض جسدًا، بل لمن يحتاج شفاءً في قلبه، فكره، أو علاقاته.
أن تعيش هذا الاسم يعني:
أن تكون سببًا في شفاء الآخرين، بكلمةٍ طيبة، بابتسامة، بعونٍ أو بدعاء.
أن لا تزيد مريضًا مرضًا، ولا حزينًا حزنًا، ولا جاهلًا جهلًا.
أن ترى في كل إنسانٍ نقطة نور تنتظر الشفاء، فتدعو لها بدل أن تحكم عليها.
حينها يصبح وجودك دواءً لا داء، ومجالستك راحةً لا رهقًا.
ثالثًا: كيف لا نُمرِض المريض
أحيانًا الناس تذكر اسم الله “الشافي” وهي تُمرِض باللسان — تذكّر المريض بضعفه، تُشعره باليأس، أو تذكّره بالموت بدل الأمل.
وهذا مخالف لروح الاسم.
من يعيش الاسم حقًّا، يوقظ الأمل في القلوب، ويُشعر المريض أن الله أقرب إليه من أنينه.
فالذكر الحقيقي ليس تكرار الحروف، بل استحضار المعنى في الموقف.
رابعًا: خلاصة العرفان
أن تعيش اسم الشافي يعني أن تكون بلسمًا في الوجود.
تشفي بالرحمة، بالكلمة، بالنظرة، وبالإيمان بأن الله هو الفاعل في كل شفاء.
فإذا صرت أنت رحمةً تمشي، شفى الله بك — وبهذا لا تبقى أنت الداعي فقط، بل المجرى الذي يسري فيه الشفاء.


 السلام عليكم حجينا ممكن سؤال هل أصبح الإنترنت مصدرًا رئيسيًا لتشكيل ثقافة الشباب والنساء أكثر من الدين والأسرة؟




وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
سؤالك جميل ومهم ، ويحمل أبعادًا اجتماعية، نفسية، تربوية ودينية.

1. البعد الاجتماعي
نعم، أصبح الإنترنت اليوم من أقوى المؤثرات الاجتماعية في تشكيل ثقافة الأفراد، خاصة الشباب والنساء، لما يقدّمه من تواصل فوري ومتنوع مع ثقافات العالم.
لقد تراجع دور الأسرة والمدرسة في بعض البيئات أمام سطوة الإعلام الرقمي الذي يعيد تعريف المفاهيم الاجتماعية — من العلاقات، إلى الأدوار، إلى نظرة الفرد لذاته.
فالعلاقات الافتراضية صارت في كثير من الأحيان بديلًا عن الحضور الأسري، مما أحدث فجوة بين الأجيال وأضعف سلطة التربية التقليدية.

2. البعد الثقافي والفكري
الإنترنت منح حرية الوصول إلى المعلومات، لكنه في الوقت نفسه فتح الباب أمام ثقافات متباينة، بعضها ينسجم مع قيم المجتمع، وبعضها يتعارض معها.
فالشباب والنساء باتوا يكوّنون قناعاتهم من خلال المحتوى الرقمي، من مؤثرين ومواقع ومنصات، أكثر مما يتلقونه من الأسرة أو المؤسسات الدينية.
هذا التحوّل جعل الثقافة الشخصية هجينًا بين المحلي والعالمي، بين الأصالة والمعاصرة، مما يخلق أحيانًا حالة من التشتت في الهوية والانتماء.

3. البعد النفسي والوجداني
الانغماس في الإنترنت يولّد نوعًا من الارتباط العاطفي بالمحتوى الرقمي؛ فالمتابع يشعر بالقرب من صُنّاع المحتوى أكثر من أفراد أسرته أحيانًا.
تُستبدل القدوات الواقعية بقدوات افتراضية، مما يؤثر على المنظومة الوجدانية والقيمية للشخص.
وفي المقابل، يمكن للوعي الذاتي والإيمان الداخلي أن يجعلا الفرد قادرًا على التوازن بين التأثر بالعالم الرقمي وبين الحفاظ على ذاته وقيمه.

4. البعد الديني والقيمي
الدين ما زال يحتفظ بقوته كمنظومة روحية وأخلاقية، لكنه يواجه تحدّي المنافسة الرقمية؛ حيث تتداخل الأصوات والمفاهيم وتضيع المرجعيات.
غير أن الإنترنت نفسه يمكن أن يكون منبرًا للدين، إذا استُعمل بوعي ومسؤولية، فهناك دعاة ومبادرات رقمية ناجحة أعادت تقديم الدين بروح العصر.
الرهان اليوم ليس على المنع، بل على التأصيل الرقمي للقيم — أن نحمل الدين إلى الفضاء الإلكتروني، لا أن نهرب منه.

5. البعد التربوي والوقائي
من المهم أن تُعاد صياغة التربية لتشمل التربية الرقمية، بحيث يتعلّم الأبناء والنساء كيف يستخدمون الإنترنت بوعي نقدي وأخلاقي.
الأسرة والمربي لم يعودوا مصدرًا وحيدًا للمعلومة، لكن يمكنهم أن يكونوا الميزان الذي يزن ما يُستقبل من الشبكة.
فالمسؤولية التربوية اليوم لا تقتصر على الحماية من الخطر، بل على التمكين من التمييز بين النافع والضار في هذا الفضاء المفتوح.

خلاصة وجدانية:
الإنترنت اليوم ليس عدوًا ولا صديقًا، بل مرآة لوعينا؛ من دخله بعقلٍ ناقدٍ وقلبٍ مؤمن، خرج أكثر وعيًا،
ومن دخله بلا بوصلة، تاه في زحام الصور والأصوات.
الدين والأسرة لم يفقدا مكانتهما، لكن عليهما أن يجلسا إلى طاولة العصر، ويتكلّما بلغة الجيل لا بلغة الماضي.


 السلام عليكم  حجينا  كيف أثّرت العولمة الرقمية وانتشار الإنترنت على هوية الشباب الدينية والقيم الأخلاقية؟




وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته
سؤالك عميق ولطيف ، ويتناول قضية تمسّ وجدان الشباب وهويتهم في زمن العولمة الرقمية، لذا إليك إجابة ذات أبعاد وجدانية، أخلاقية وتربوية:

البعد الوجداني
العولمة الرقمية جعلت العالم قرية صغيرة، لكنها أيضًا فتحت أبوابًا واسعة أمام تيارات فكرية وثقافية متضاربة. الشاب اليوم يعيش حالة تداخل وجداني بين ما يتلقّاه من قيم عبر الإنترنت، وما تربّى عليه في بيئته الدينية والاجتماعية.
هذه الحالة تولّد صراعًا داخليًا: بين الانبهار بعالم الانفتاح، والرغبة في الحفاظ على الهوية والإيمان. كثير من الشباب يشعرون بفراغ روحي رغم كثافة التواصل الافتراضي، لأن الروح لا تُغذّى بالصور والكلمات، بل بالمعنى والسكينة.

البعد الأخلاقي
الفضاء الرقمي منح حريةً غير مسبوقة، لكنها حرية منزوعة الضوابط الأخلاقية في كثير من الأحيان. سهولة الوصول للمحتوى جعلت الحدود بين الخير والشرّ، والحقّ والباطل، أكثر ضبابية.
في المقابل، هناك شباب استطاعوا تحويل التقنية إلى منبرٍ للقيم، فاستثمروا الإنترنت في الدعوة، والتطوع، ونشر الخير. فالمسألة ليست في الأداة، بل في النية والوعي الأخلاقي عند المستخدم.
فالشاب الذي يمتلك بوصلة قيمية راسخة، يستطيع أن يسير في بحر العولمة دون أن تبتلّ قدماه بماء التيه.

البعد التربوي
من الواجب التربوي اليوم ألا نغلق الباب على العالم، بل أن نعلّم أبناءنا فنّ الاختيار والتمييز. التربية لم تعد تلقينًا، بل مرافقةً واعية تعلّم الشاب كيف يفكّر، لا ماذا يفكّر.
من الضروري أن تُزرع في الجيل روح النقد الإيجابي، والقدرة على التمييز بين المعلومة المضلِّلة والحقّ، بين الشهرة والقيمة، وبين الحرية والانفلات.
فالعولمة الرقمية يمكن أن تكون مدرسة للتنوير أو هاوية للضياع، والفيصل هو في التربية التي تزرع في النفس الإيمان بالعقل والضمير معًا.

خلاصة وجدانية
الإنترنت مرآة للإنسان؛ من نظر فيه بعين الإيمان رأى وسيلة للخير، ومن نظر بعين الغفلة رأى وهْمًا يبتلعه.
لذلك، الحفاظ على الهوية الدينية والقيم الأخلاقية في زمن العولمة لا يكون بالانغلاق، بل بالتجذّر في الأصل والانفتاح بوعي — أن يكون الشاب متصلاً بالعالم، لكن متأصلاً في ذاته وإيمانه.


 السؤال:

كيف تكون معرفة الله فطرية، ونحن نرى قبائل بدائية وثنية لا تعرف التوحيد؟
الجواب:
السلام عليكم حياكم الله في ميدان الجواب اقول بسم الله الرحمن الرحيم والصلاه والسلام على محمد وعلى ال محمد
أولًا: أصل الفطرة لا يعني بقاءها بلا انحراف
معرفة الله موجودة في أصل الخِلقة، كما قال تعالى:
«فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا»
لكن الإنسان قد يحجب فطرته بالجهل، أو بالبيئة، أو بالاتباع الأعمى.
فالفطرة تظل موجودة في العمق، حتى لو تراكم عليها غبار الانحراف.
ثانيًا: قوله تعالى (كان الناس أمةً واحدة فبعث الله النبيين)
الآية تشير إلى أن الناس في البداية كانوا على فطرة سليمة، ثم اختلفوا وتباينوا في طرقهم، فبعث الله الأنبياء ليعيدوا الناس إلى الصفاء الأول، إلى النور الذي في داخلهم.
فالمشكلة ليست في "غياب الفطرة"، بل في نسيانها أو تغطيتها، ولهذا سُمّي الكفر "كفرًا" أي تغطية.
ثالثًا: الناس منذ البدء ثلاثة خطوط
الخط الأول: منصف لفطرته
وهم الذين حافظوا على صفاء الحس والعقل والشعور الإنساني، فبنوا حضارات، وكانوا أوعيةً لوحي السماء.
من بينهم خرج الأنبياء والأوصياء، ولهذا قال تعالى:
«إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا...»
فاختيار آدم دليل أن هنالك مجتمعًا بشريًا فيه طيبون وخبيثون، فاختار الله من بينهم الصفوة.
الخط الثاني: المخالف لفطرته عن علم
يعرف أن فطرته سليمة، لكنه يعاندها، فيكذب ويسرق ويظلم، وهو يدرك خطأه.
هؤلاء في كل زمان، حتى بين المؤمنين، تجد من يؤمن بالله بلسانه، لكن سلوكه يخالف نور فطرته.
الخط الثالث: المختلف عن نظام الفطرة
وهو من غابت عنه البصيرة تمامًا، فصار يعيش في ظلمات الجهل، لا يميّز الحق من الباطل، فيعبد الحجر أو النار أو نفسه.
هذا النوع لا يخلو منه زمن، ولكن الله يبعث الأنبياء ليُسمع نداء الفطرة من جديد في آذانهم.
رابعًا: الفطرة تُنادي دائمًا
حتى في القبائل الوثنية، ستجد في عمقهم شعورًا بوجود قوة عليا، وإحساسًا بالرهبة من الغيب.
ذلك هو صوت الفطرة، لكنهم ضلّوا في تحديد المعبود.
فهم لم ينكروا أصل الإله، بل أخطؤوا في الطريق إليه.
خلاصة الجواب:
معرفة الله فطرية، أي مغروسة في النفس من أصل الخلق.
لكن الناس تتفاوت في الاستجابة لها:
منهم من صفا قلبه فاتصل بالفطرة،
ومنهم من غطاها بالهوى،
ومنهم من ضيّعها حتى أظلم قلبه.
والأنبياء جاؤوا لإيقاظ الفطرة لا لزرعها، فهي مزروعة منذ قال الله:
«أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالوا بلى».



 السؤال /لماذا أنا هنا؟ ولماذا في هذه المدينة بالذات؟

  الجواب: لماذا أنا هنا؟
١. لأن الوجود سلسلة واحدة لا انقطاع فيها
الله سبحانه قال:
«خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ»
أي أن أصل الخليقة واحد، وكل ما يأتي بعده امتداد لتلك النفس الأولى.
فالوجود ليس حوادث عشوائية، بل سلسلة حيّة متصلة، كل حلقة منها تلد الأخرى بترتيبٍ حكيم، "يَلِدُ ولم يُولَد" بمعنى أن الله هو الأصل الأول الذي تفرّعت منه سائر الأسباب.
٢. أنت امتداد في النسب، لا مصادفة في المكان  وخلق منها زوجها. فتوالدت  (منها) الله بين انه بعد هذا التوالد الزوجي صار التحول من الخلق للبث وبث فيها رجال كثير ونساء وجود 
وجودك في هذه المدينة، وفي هذا الزمان، ليس صدفة، بل هو نتاج نسبٍ وسلسلةٍ أرادها الله لك:
نسب الجسد من آبائك وأمهاتك،
ونسب العقل  وهو الادب. والثقافة والحضارة والبيئة
ونسب الروح وهو السبب من أصل الفطرة الأولى.
فالله قدّر لك أن تكون في هذا الموضع لأن فيه سببًا من أسباب تكاملك، فلك هنا رسالة، أو لقاء، أو تجربة تُنضج روحك.
٣. التوالد ثلاث انواع : نَسَبي وأدَبي وسببي
التوالد بالنسب: هو ولادة الأجساد من أصل واحد، امتداد الدم والعرق والجينات.
التوالد بالأدب (بيئتك لغتك. حضرتك ثقافتك ): هو ولادة المعاني والأنوار من المعلمين والأنبياء والأولياء، أي سلسلة الهداية.
السبب  هو الفطره والنفس الواحدة
فكما أن الجسد جاء من أبٍ وأمّ، كذلك الروح تُولد بالمعنى من "آباء الأدب"، من المعلمين الذين يغذّونها بالعلم والنور.
ولهذا نقول عن المعلم: هو أبو الروح.
٤. وجودك في مكانك هو جزء من السبب
المدينة التي أنت فيها ليست جغرافيا فحسب، بل ساحة امتحان وظهور لمعناك.
قد يكون فيها من يُكمّل تجربتك، أو من تحتاج أن تتعلم منه الصبر أو الرحمة أو الفهم.
فالله يوزّع عباده في الأمكنة كما توزّع الحروف في الكلمة: كل حرف في موضعه ليكتمل المعنى. وقد تشير الروايات لو ان الناس خير لهم لاختاروا ما عليه من مكان وزمان وبيئه وتمكين وصلاح او فساد وكفور او شكور وتقوى او  فجور فكله أفعال وقرارات واختيارات الانسان التي يعلمها الله
خلاصة القول
أنت لست هنا صدفة، بل هنا لحكمة.
جئت من سلسلة نسب جسدية، وسلسلة أدبية معنوية، وكلاهما من إرادة الله.
فحيثما وُجدت، اعلم أنك في الموضع الذي أراده الله لتثمر فيه.


 السؤال:

هل اختلاف العلماء سبب تخلف الأمة؟ وكيف نفهم قولهم: اختلاف أمتي رحمة؟
الجواب :
الاختلاف الحقيقي ليس في الدين بل في المقامات، لأن الدين هو محمد (صلى الله عليه وآله) في بدايته ونهايته ووسطه — كما ورد:
«اولنا محمد، وأوسطنا محمد، وآخرنا محمد.»
١. أصل الدين واحد، وتجلّيه متنوع
الله تعالى أنزل دينًا واحدًا منذ آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله)، كما قال:
«إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلَامُ».
فلا يوجد "اختلاف في الدين"، لأن الدين في جوهره وجه واحد هو محمدي الوجود.
ولهذا قال الأئمة (ع):
«اولنا محمد، وأوسطنا محمد، وآخرنا محمد. بل كلنا محمد »
أي أن الدين في بدايته (النبوة)، وفي وسطه (الإمامة)، وفي غايته (الولاية) هو تجلٍّ واحد لنور محمدي، تتبدّل الأسماء والوجوه، لكن الأصل واحد.
٢. الاختلاف في الدين كفرٌ، أما الاختلاف في المكان فهو سنةُ الرحمة
سُئلوا اهل البيت  (عليه السلام): فقالوا  هذا المعنى
"إذا كان اختلاف علماء أمتي رحمة، فهل توافقهم نقمة؟"
فقال:
"ليس كما ذهبت، إنما الاختلاف ليس في الدين، وإنما في المكان."
أي أن الاختلاف الذي تحدّثت عنه الروايات ليس في أصل العقيدة والشريعة، بل في المقام والموقع الوجودي:
فواحد في مقام الفقه،
وآخر في مقام الحكمة،
وثالث في مقام الذوق والعرفان،
وكلٌّ منهم يتناول الدين من زاويته الخاصة. بمعنى الاختلاف بالتخصص
فكما أن الأسماء الحسنى لله متكثرة، كذلك مظاهر العلم الديني متنوّعة.
لكنها كلها تصبّ في بحرٍ واحد، هو الحقّ المحمدي.
٣. التفاوت مقاماتٌ لا تناقضات
الاختلاف في "المكان" يعني اختلاف المراتب لا اختلاف الوجهة،
كما تختلف الكواكب في المدار لكنها كلها تدور حول الشمس.
فلو أدرك العلماء ذلك، لكان اختلافهم تكاملاً في التجليات،
أما إذا غاب عنهم الأصل المحمدي الجامع، صار اختلافهم تنازعًا في الأنا. بغيا بينهم  كما يشخص القران الكريم  المشكلة وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم.
٤. العِلْم إن لم يُربَط بالنور المحمدي يُنتج التفرّق
العالم الذي لا يرى في علمه وجهَ محمدٍ (ص)، يجعل من الفهم ساحةَ تنافس، لا ساحةَ عبادة.
أما إذا رأى أن كل علمٍ فرعٌ من شجرة النبوة، صار علمه رحمةً لا خصومة.
فالعلماء ورثة الأنبياء، لا لأنهم يحفظون النصوص،
بل لأنهم يحملون النور المحمدي في مقاماتهم.
ومن المؤكد. اختلافهم اذا بينهم يكون سبب تفرقة الامة!!
الخلاصة:
الدين في أصله واحد، وهو محمديّ الوجود.
والاختلاف المقبول هو اختلاف المقامات لا اختلاف الأصول.
الرحمة في أن يتكامل العلماء حول النور الواحد، لا أن يتنازعوا حول الأسماء.
فمن كان محمدُهُ في قلبه، كان علمه رحمة.


 السؤال:

هل استعانة أهل البيت (عليهم السلام) بالأطباء تتعارض مع عصمتهم؟
الجواب:
١. العصمة ليست ذاتية مطلقة خاصة باناس دون غيرهم، وانما هي وانما هي ملكه ذاتيه عامه لكل انسان قد وصل اليها انسان وكان معصوما بالفعل ولن يصليها ولم يصل اليها الاخر فكان غير معصوم الفعل ولكن هو معصوم بالذات  لانها عن المعصوم هبة إلهية في مجال التبليغ والعمل وإدارة الحياة
العصمة ليست خاصية "خارقة" تعزل المعصوم عن سنن الوجود،
بل هي كمال في الوعي والإرادة،
أي أن المعصوم لا يخطئ في اختياره، لأنه يرى الحق كما هو،
لكن ذلك لا يعني أنه لا يمرض، أو لا يبتلى، أو لا يعيش المعاناة البشرية.
فالعصمة في الفعل والنية والاختيار، لا في الجسد أو الطبيعة.
ولهذا كان الأنبياء والأئمة يمرضون، ويجوعون، ويستعينون بالأطباء،
لكنهم يعيشون ذلك بوعيٍ ربّانيٍ كامل، لا كضعفٍ بشريٍ غافل.
٢. المعصوم يعيش ما يعيشه الناس ليكون قدوة
المعصوم لا يُبعث إلى ملائكةٍ مثله، بل إلى بشرٍ غير معصومين،
ولذلك يشاركهم كل تفاصيل الحياة،
من الجوع إلى المرض إلى مراجعة الطبيب،
حتى يكون قدوة عملية لا نظرية. والا كانوا احسن منه في مجال التجربه والحياه وهذا محال ولذلك مصائبهم هي ام المصائب 
فلو كان المعصوم يُبرئ نفسه بقدرةٍ غيبيةٍ كلما مرض،
لانقطعت القدوة،
ولتحوّل الدين إلى خيالٍ لا يُقتدى به.
وهذه هي الحُسنى التي أشار إليها القرآن في قوله:
«وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةً»
أي أن المعصوم يعيش المعاناة بجمال الصبر وتسليم الإرادة، لا بإنكار الواقع.
٣. الطب جزء من السنن الإلهية
الشفاء بيد الله، لكن الله جعل له أسبابًا في الأرض.
فطلب العلاج ليس منافٍ للتوكل، بل هو توكّلٌ بالعقل.
وقد ورد عن الأئمة (ع):
«تَدَاوَوْا، فَإِنَّ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ أَنْزَلَ الدَّوَاءَ.»
فاستعانتهم بالأطباء ليست نقصًا في العصمة،
بل التزامٌ بنظام الله في الكون، العصمه هي ان تكون انت نظام
الذي أراد أن تجري الأمور بأسبابها، لا بخوارق العادة.
٤. الفرق بين المعصوم والـمُدّعي
المعصوم إذا شُفي بدعائه أو بعونٍ غيبي، لا يتباهى به ولا يجعله استعراضًا،
لأن الغيب عنده وسيلة طاعة لا وسيلة سلطة.
أما المدّعون فيُظهرون الكرامات لتثبيت أنفسهم، لا لإحياء الحق،
وهذا هو الفارق بين الولاية الإلهية والادّعاء النفسي.
الخلاصة:
العصمة لا تعني الخروج عن الطبيعة، بل التسليم الكامل لله داخلها.
فاستعانة أهل البيت (ع) بالأطباء هي درسٌ في التواضع والقدوة،
وتأكيد أن الولاية لا تُبطل الأسباب، بل تُطهّرها من الغفلة.
هم معصومون في نيتهم واختيارهم، لكنهم يعيشون إنسانيتهم بوعيٍ ربّانيٍ كامل.


 السلام عليكم حاج

ورد في سورة النبأ قال تعالى:
"عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)"
كيف يسألون عن شي وفيه يختلفون
وقد تبادر إلى ذهني كربلاء أنهم يعرفون الحسين وقطعو جسده ويعرفون علي ويغتصبون الخلافة ....فمن يسأل أكيد يعرف قيمة السؤال هل لهذه الآية العظمية علاقة بآل البيت؟



وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.
سؤالكم دقيق وعميق، لأنّه يتناول جوهر المعنى القرآني في ضوء البصيرة العرفانية والمعرفة الولائية.
دعني أقدّم لك الجواب بصياغة منهجية تحليلية تجمع بين البيان القرآني والبعد المحمدي العلوي الحسيني:
. في رحاب قوله تعالى:
﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)﴾
(سورة النبأ)
. أولًا: في معنى التساؤل
"عمّ يتساءلون" ليست استفهامًا عن جهل، بل عن دهشةٍ كبرى أمام الحقيقة؛ فالتساؤل هنا بمعنى التحيّر أمام أمرٍ ظاهرٍ جليٍّ في نفسه، لكنّ الناس اختلفوا في تأويله وموقعه.
أي أن السؤال ليس عن “ما هو؟” بل عن “من هو؟” و“لماذا هو؟”
ثانيًا: ما هو “النبأ العظيم”؟
في تفسير أهل البيت (عليهم السلام)، ورد عن الإمام علي (ع):
"أنا والله النبأ العظيم الذي فيه اختلفتم، وعلى ولايتي تنازعتم."
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (ع):
"النبأ العظيم هو الولاية التي من عرفها عرف الله ومن أنكرها أنكر الله."
إذن، النبأ العظيم هو الولاية الإلهية في الأرض،
الممثَّلة في محمد وآل محمد،
لأنهم وجه الله، وحجّته، ونوره الذي قامت به السماوات والأرض.
ثالثًا: لماذا قال: “الذي هم فيه مختلفون”؟
الاختلاف هنا ليس اختلاف جهل،
بل اختلاف موقفٍ وولاء؛
فمنهم من علم الحقّ وجحده،
ومنهم من عرف النور وطفئه عمداً.
فكما تفضلتَ في سؤالك — وهو من نفَسٍ حسينيٍّ دقيق —
فأهل الكوفة وأتباع بني أمية يعرفون الحسين (ع)،
ويعرفون نسبه ومقامه،
ولكنهم خالفوه لأنهم اختلفوا في النبأ العظيم،
أي في موقع الولاية من حياتهم وسياستهم ودينهم.
فالمعرفة كانت موجودة،
لكن الإذعان مفقود،
لأن القلب لم يخضع للنور رغم علم العقل.
رابعًا: كربلاء تجلٍّ للنبأ العظيم
كربلاء ليست واقعة دمٍ فقط، بل واقعة وعيٍ للنبأ العظيم.
فمن وقف مع الحسين (ع) فقد آمن بالنبأ العظيم،
ومن قاتله فقد أنكر النبأ العظيم وهو يعلمه.
ولذلك قال الإمام الحسين (ع):
"إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم."
أي أنهم يعرفون الحق، لكنهم باعوه خوفاً أو طمعاً.
فكربلاء هي المرآة التي كشفت حقيقة الاختلاف القرآني:
﴿الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾
اختلاف ولاءٍ بين جند الله وجند الشيطان.
خامسًا: البعد الكوني في “النبأ العظيم”
النبأ العظيم هو سرّ الخلق والرجوع:
فبه بدأ الله الأمر، وبه يُختتم.
هو محمد وآل محمد (ع) في مراتبهم النورية،
وفي زماننا الحجة بن الحسن (عج)،
الذي يُظهر معنى النبأ العظيم في تمامه،
حين يظهر الحقّ ظاهراً على كل دين.

الخلاصة المنهجية:
التساؤل في الآية ليس عن جهل بل عن موقفٍ من الحقيقة.
النبأ العظيم هو الولاية الإلهية المحمدية العلوية.
“الذين اختلفوا فيه” هم من عرفوا النور وأنكروه.
كربلاء هي المظهر التاريخي الأعظم لهذا الاختلاف.
كل من يقف مع الولاية اليوم هو من أهل النبأ العظيم، وكل من يعاديها فهو في الاختلاف القرآني ذاته.

الخاتمة الروحية:
النبأ العظيم هو الحسين في تجلّيه، وعلي في أصله، ومهديّ آل محمد في رجعته.
فكل من سأل عن النبأ العظيم ولم يعرفه، سيجده واقفًا يوم القيامة يقول:
"أنا ابن النبأ العظيم، أنا الحسين بن علي."


 

ما المقصود من قول النبي صلى الله عليه وآله بحق الإمام الحسن عليه السلام:
«لو كان العقل رجلًا لكان ولدي الحسن»
وكيف يمكن فهم هذا الحديث في ضوء القوانين الكونية والمعارف العرفانية؟




أولًا: قاعدة كونية – المشخّص والطاقة
كلّ موجودٍ مشخص، أصله طاقةٌ باطنة،
وكل طاقةٍ لا بدّ أن تظهر بمشخّصٍ فعليٍّ.
فالصدق مثلًا طاقةٌ معنوية، لا تُرى إلا بصادقٍ يمثّلها.
ومن هنا يكون الإمام الحسن عليه السلام المشخّص الأكمل للعقل الإلهي في عالم الرجولة.
لكل نبأٍ مستقرٌّ وسوف تعلمون — أي لكل طاقةٍ مظهرٌ يستقرّ فيه.
ثانيًا: قاعدة كونية – خاتم الطاقة والمشخص
خاتم الطاقة لا بد أن يُجسَّد في خاتم المشخصات،
وخاتم المشخصات لا بد أن يحمل خاتم الطاقة.
فالعقل كطاقةٍ علويةٍ إذا أراد الله أن يظهره في صورة إنسان،
فإنما يُظهره في محمدٍ وآله الطاهرين،
وفي مقدمتهم الإمام الحسن عليه السلام، لأنه لباسُ العقل في صورة الرجولة.
ثالثًا: قاعدة كونية – العقل الكامل
كلّ قولٍ وفعلٍ وتقريرٍ للمعصوم هو عقلٌ كاملٌ متجلٍّ.
وبه تتكامل العقول الناقصة،
كما ورد في شأن الإمام المهدي عليه السلام:
يمسح على رؤوس العباد فتكتمل به عقولهم
فالمعصوم عقلٌ بالفعل، وسائر الخلق عقولٌ بالقوّة.
رابعًا: قاعدة كونية – العلاقة بين الحُسن والعقل
العقل هو كلّ ما كان حسنًا،
والإمام الحسن عليه السلام جمع الله فيه كلّ أمرٍ حسنٍ.
فهو الرجل الذي تجسّد فيه العقل كلّياً،
إذ لا حُسنَ إلا وهو منه، ولا قبيحَ إلا وهو خارجه.
﴿ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾
أي في ميزان العقل الذي تجلّى بالحسن عليه السلام.
خامسًا: قاعدة كونية – العقل والدين
العقل هو الدين في باطنه، والدين هو العقل في ظاهره.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام:
هبط جبرائيل على آدم وقال له: اختر من ثلاث: العقل، والحياء، والدين. فقال آدم: اخترتُ العقل، فقال جبرائيل للحياء والدين: انصرفا، فقالا: أُمرنا أن نكون مع العقل حيث كان.
فالعقل والدين توأمان في الوجود،
فإذا تجسّد أحدهما في إنسان، كان هو الإمام الحسن عليه السلام.
سادسًا: قاعدة كونية – تجليات العقل في الأسماء الحسنى
لو كانت الأسماء الحسنى رجلًا لكانت الحسن.
لو كان الخير كله رجلًا لكان الحسن.
لو كانت المحبة والمودّة والأمانة والصدق رجالًا لكانوا الحسن.
فهو مظهر الكمال الإلهي في الوجود الإنساني.
سابعًا: قاعدة كونية – العقل والرجولة
العقل كلّه هو الرجولة كلها،
والرجولة بيانٌ للعقل في مرتبة العيان.
فكلّ عاقلٍ رجل، وكلّ غير عاقلٍ ليس برجل،
لأن الرجولة الحقيقية هي مقام الإدراك الكامل للحق.
ثامنًا: لماذا قال النبي "لو كان"؟
الحديث جاء بصيغة الامتناع في الماضي (لو كان)،
لأنّ محمداً وآل محمد كانوا طاقةً نورانية قبل أن يُلبسهم الله لباس الرجولة الدنيوية.
فالعقل أُبدع أوّلًا كطاقةٍ، ثم تجسّد فيهم كعيانٍ.
فلو كان أول ما خُلق هو المشخّص، لكان الحسن عليه السلام، ولكنّ أول ما خُلق هو النور، نورهم عليهم السلام.
الخلاصة :
العقل طاقةٌ إلهية تجسّدت في الإمام الحسن عليه السلام بصورة الرجولة.
كلّ فعلٍ للمعصوم عقلٌ ناطق، وكلّ قولٍ له دينٌ متجلٍّ.
الإمام الحسن عليه السلام هو مظهر الأسماء الحسنى ومرآة كلّ خُلقٍ حسن.
الرجولة الحقيقية هي كمال العقل، لا مجرد الصورة الجسدية.
فقول النبي صلى الله عليه وآله: «لو كان العقل رجلًا لكان ولدي الحسن»
يعني: لو أُريد للعقل أن يتجسّد في إنسانٍ،
لما تجسّد إلا في الحسن عليه السلام،
لأنه عين الحُسن والعقل والدين في الوجود.


الأربعاء، 29 أكتوبر 2025

التفكر في ذات الله تعالى

 قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«من تفكّر في ذات الله فقد تزندق»
فما معنى هذا القول؟
ولماذا يكون التفكر في ذات الله موجبًا للزندقة؟
وهل التفكر في الله ممنوع مطلقًا أم في جهة مخصوصة؟




النص الشريف مركَّب من شرطٍ وجوابٍ:
فعل الشرط: من تفكر في ذات الله،
جواب الشرط: فقد تزندق.
فهو بيانٌ لقانونٍ كونيٍّ عميق،
إذ ليس النهي هنا مجرّد تحريمٍ فكري، بل كشفٌ عن عدم ملاءمة هذا الفعل لكونية الإنسان.
فكل نهيٍ صادرٍ من الله ورسوله ووليه إنما هو كاشفٌ عن أنّ مورده لا ينسجم مع حقيقة الإنسان التكوينية،
بينما كلّ أمرٍ إلهيٍّ كاشفٌ عن ما يلائم تلك الحقيقة ويعيدها إلى أصلها النوراني.
فالإنسان تكوينًا مكوَّن من:
الأمر: وهو وجهه الآدمي النوراني،
النهي: وهو وجه النفس الأمّارة المظلم.
ولهذا جاء الشرع آمرًا وناهيًا ليهدي الإنسان بالأمر إلى كماله، ويحذّره بالنهي من الزيف العارض على فطرته.
المحور الأول: تحويل النهي إلى صيغة مباشرة
يمكن إعادة تركيب الجملة الشرطية لتصبح نهيًا مباشرًا:
«لا تتفكر في ذات الله، لأن ذلك يؤدي إلى الزندقة».
أي أنّ النهي ليس عن التفكر بالله، بل عن التفكر في ذاته التي لا سبيل إليها.
المحور الثاني: معنى “ذات الله” في ضوء التكوين
الذات الإلهية ليست أمرًا وجوديًا في داخلنا حتى يُتَفكَّر فيها،
بل هي حقيقة خارجة عن الوجود الإنساني والكوني كلّه.
فالتفكر فيها لا يوصلك إلى ذاتك ولا إلى حقيقتك الآدمية،
بل يقطعك عن نفسك وكونك.
ومن هنا نُدرك أن كلّ أمرٍ شرعيٍّ كاشفٌ عمّا يوصلك إلى حقيقتك،
وكلّ نهيٍ شرعيٍّ كاشفٌ عمّا لا يوصلك إليها.
المحور الثالث: معنى الزندقة بلغة القانون الفوقي
الزندقة في هذا السياق ليست عنوانًا فقهيا فحسب، بل حالة تكوينية،
وهي الوقوع في الوهم والاتهام:
الوهم: لأن الذات الإلهية لا تُدرَك،
فكلّ محاولةٍ لتصوّرها هي إسقاط لمحمولاتٍ بشرية على موضوعٍ لا سنخ له معنا.
الاتهام: لأن الأحكام الناتجة من الوهم تكون باطلةً ومضلّلة،
فيُتَّهَم الحق ويُنسَب النقص إليه.
فكل تفكرٍ في ذات الله يُدخل العقل في الوهم، والنفس في الاتهام، وهذه هي الزندقة العملية.
المحور الرابع: الزندقة كخروجٍ من الآدمية
من يتفكر في ذات الله يخرج من حقيقته الآدمية باحثًا عن ما لا طاقة له به،
فإذا خرج من آدميته وقع في هوى نفسه، لا في معرفة الله.
فالله جعل “الآدمية” مرآة لصفاته الفعلية،
ولم يجعلها مطلعةً على ذاته الأحدية.
وأقصى كمال الآدمية هو أن تكون خاتمًا للصفات الإلهية من “الرحمن” إلى “الصبور”.
فمن تجاوز حدود آدميته فقد خرج من الذكر إلى الغفلة.
﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾
فالتفكر في الذات الإلهية عَشْوٌ فكريّ يخرج الإنسان من نور الذكر إلى ظلمة الوهم،
فيقع في قرين النفس الشيطانية.
المحور الخامس: الزندقة كنمطٍ عمليٍّ
الزندقة ليست فكرًا فقط، بل منهجٌ عمليّ في التعامل مع الله.
فكلّ من يتعاطى مع “الذات” دون “الفعل” الإلهي،
يقع في نفس التجربة الشيطانية الأولى حين قال إبليس:
“أنا خير منه”،
رافضًا السجود للفعل الإلهي المتجلي في آدم،
لأنه أراد التعاطي مع الذات لا مع أمرها.
فصار رمزًا عمليًا للزندقة.
المحور السادس: الانحراف عن منهج محمد وآل محمد
كلّ عملٍ لا يقوم على منهج محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)
هو خروجٌ عن الآدمية، لأنهم الواسطة الكونية بين فعل الله وخلقه.
ومن هنا فإن التفكر في ذات الله انفصالٌ عن الفعل المحمدي،
فيقع صاحبه في الزندقة التي حقيقتها:
“المعيشة الضنك” المذكورة في قوله تعالى:
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾
فالمعيشة الضنك أثر الزندقة،
والذكر المحمدي العلوي هو سبيل النجاة منها.
الخلاصة المنهجية:
النهي عن التفكر في ذات الله ليس حظرًا للعقل، بل حمايةٌ للفطرة من الانقطاع عن أصلها.
كلّ أمرٍ إلهيٍّ يكشف عن ما ينسجم مع كونية الإنسان،
وكلّ نهيٍ إلهيٍّ يكشف عن ما لا ينسجم معها.
الزندقة هي الانفصال عن فعل الله عبر محاولة إدراك ذاته،
فيقع الإنسان في أوهامٍ نفسيةٍ وظلماتٍ فكريةٍ.
سبيل النجاة هو التفكر في فعل الله وآثاره، لا في ذاته:
لأن الفعل الإلهي هو الطريق الوحيد إلى معرفة صفاته.
من تجاوز حدّه فقد وقع في ضدّه؛
فـمن تفكر في ذات الله خرج من الأمر الإلهي إلى الفعل الشيطاني.

 #الغزال...

• الغزال أسرع مِن مُعظم الحيوانات اللي تِفترسه ، ولكِن يصطادوه لأنهُ كُل شوي يلتفت وراه ، وهالشي يقلل مِن سُرعته فـ يصطادوه...

• المُشكِلة ماضينا هم كُل شوي ومصطاد واحِد مِنا ، وماكِل قوته وعزيمته وإرادته وهمته ، هذا كُله ليش!؟ ، لأن إحنا مِثل #الغزال ، كُل شوي وملتفتين للماضي ومضيعين اللحظه ، أو يصطادنا التفكُر والقلق مِن المُستقبل اللي هو في عين الله أصلًا...

• فامضِ ولا تلتفِت ، لأن ما قد مضىٰ مضىٰ ، وما لم يأتِ لم يأتي بعد ، "ما عليك سِوىٰ أن تعيش اللحظة"...

الأربعاء، 14 مايو 2025

 حوار الروح والبدن: "هل أنت معي؟"

البدن:
يا روح، أنا مثقل بالانفصال… من أنا متصل به؟ ومن أنا منقطع عنه؟ أشعر أن كل شيء متشابك، ولكن بلا جوهر.
الروح:
الجوهر في "المعية". اسأل نفسك بصدق: هل أنت متصل بالصادقين؟ أم أنك تائه في زيف المترددين؟ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

النقطة المحورية 1: إعادة الاتصال
كن واضحًا في ولائك: اتصل بأهل الصدق، واقطع الحبل مع أهل الباطل.
البدن:
أنا أؤمن… أو هكذا أقول. لكن داخلي متردد، بين تقوى خفيفة وفجور خفي، بين نور ونفاق.
الروح:
الإيمان ليس شعارًا، بل سلوك ونية ومسيرة. اختر طريق النقاء لا الزيف.
النقطة المحورية 2: ترسيخ الإيمان
قاوم النفاق العملي، وازرع التقوى فعلاً في قلبك وسلوكك.
البدن:
لكن ألا نعيش جميعًا في ظل رحمة الله؟ أليست المعية شاملة لكل شيء؟
الروح:
نعم، هذه المعية العامة، كالشبكة المتاحة لكل جهاز. لكن المعية الخاصة هي الاتصال الواعي الفاعل: إن الله مع المتقين.
النقطة المحورية 3: طلب المعية الخاصة
ابحث عن معية الله في كل فعل تتقنه بنيّة صافية، فهي ميزان القرب الحقيقي.
البدن:
أكاد أصدق، لكن لساني لا يوافق أفعالي… أقول شيئًا، وأفعل آخر.

الروح:
هذه منزلقات الكذب. المعية لا تستقر إلا فوق أرض الصدق: قولًا، وفعلاً، وسريرة.
النقطة المحورية 4: الصدق الفعلي لا القولي
لا تكن كمن يقول ما لا يفعل، فالصدق امتحان النفس لا اللسان.
البدن:
أحيانًا أشعر أن لا جدوى… كما قالت النفس بعد الحسين: هونّي وبعده لا كنت أو تكوني.
الروح:
المعية الحقة هي في الفداء: "فَدَاكَ بِنَفْسِهِ وَجَسَدِهِ..."، فهل تبذل روحك في خط الهدى؟
النقطة المحورية 5: اليقظة والبذل
اجعل العمل الصالح فعلًا واعيًا ينبع من قلب متيقظ، لا جسد آلي.
---
البدن:
لكني ساكت… أرى الظلم ولا أتكلم، أخاف… أو أتجاهل.
الروح:
الساكت عن الحق شيطان أخرس، والراضي بالباطل شريك فيه: "الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم".
النقطة المحورية 6: التمييز بين رضا الله ورضا الناس
درّب نفسك على اتخاذ الموقف الأخلاقي حتى في غياب الجمهور.
البدن:
هل يكفي أن أحب الحق؟ حتى لو لم أكن مع الحسين في كربلاء؟
الروح:
نعم، إن صدقت النية، فأنت حاضر معهم، كما في نهج البلاغة: "فقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا قوم...".
النقطة المحورية 7: الاتحاد في نوايا أهل الحق
النية الصادقة تُلحقك بركب الأولياء، فاجعلها يقظة وعملية.
البدن:
وأين يكون قلبي؟ فهو لا يُرى، ولا يُسمع، لكنه يحكم كل شيء.
الروح:
القلب هو الأمة… أمة الحب أو أمة البغض. كل حركة تصدر من رضا أو سخط.
النقطة المحورية 8: العمل بوعي القلب
قوّم نواياك قبل أقوالك، فالاتجاه يحدده القلب لا الجسد.
البدن:
ترددت كثيرًا في قول: يا ليتني كنت معهم… هل أستحقها؟
الروح:
إن كانت نيتك صادقة، وقلبك عامل، وعقلك مريد، فأنت فيهم ومعهم، وفوزك عظيم.
النقطة المحورية 9: منهج "يا ليتني كنت معهم"

حوّل التمني إلى تصميم، ثم إلى برنامج عمل يومي.
البدن:
كيف أستمر في الطريق دون أن أسقط؟
الروح:
بالصحبة، بالمحاسبة، وبالتقييم الدائم… اسأل نفسك دومًا: هل أنا "معهم" أم في الجهة الأخرى؟

النقطة المحورية 10: استدامة التقييم الذاتي

اجعل من سؤالك الداخلي دليلًا وميزانًا… وجدد نيتك كل صباح.

 تحليل استقرائي لنص الآية: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}


أولًا: البُعد الفكري – قاعدة التقابل الكوني


المفهوم: الآية تفتح بابًا لفهم التقابل بوصفه قانونًا من قوانين التكوين، فالعمى والبصر ليسا حالتين جسديتين فقط، بل رمزان لحالتي الإدراك والجهل، النور والظلمة، الوعي والغفلة.


القاعدة: التقابل القرآني ليس مجرد تباين شكلي، بل يدل على تفاوت الوعي ومسارات المصير.



ثانيًا: البُعد الشعوري – تقابل الإحساس والبصيرة


المعنى: الأعمى لا يحس بالنور كما لا يشعر بالحقيقة، أما البصير فمشاعره موصولة بالحق، متذوقة له.


القاعدة: العمى الشعوري يسبق عمى الفكر، والبصيرة الشعورية تمهد لليقين القلبي.



ثالثًا: البُعد الوجداني – انفعال الروح واستجابة القلب


الشاهد: "فتنفجر دموعنا" – وجدانٌ متصل بأحداث ما وراء الغيب، دمع لا ينبع من صورةٍ بل من إدراكٍ باطني.


القاعدة: وجدانك لا يُبصر إلا إذا انخرطت نيتك ومشاعرك في نية ومشاعر أولياء الله.



رابعًا: البُعد العرفاني – السير من الظاهر إلى الباطن


المدخل: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ} – تسوية المادة شرط لنفخ المعنى. الأرض فراش والسماء بناء: تقابل بين المتناهي واللامتناهي.


القاعدة: البصيرة العرفانية هي إدراك البناء من خلال الفراش، وإدراك الروح من خلال الجسد.



خامسًا: البُعد الأخلاقي – التفاعل المسؤول مع التقابل


البيان: التقابل تكليف، وامتحان، وميزان مسؤولية: "إما شاكرا وإما كفورا".


القاعدة: البصيرة أخلاقية لأنها تُمكِّنك من الاختيار الواعي بين الخير والشر.



سادسًا: البُعد الديني – الإيمان والبصيرة


الرؤية النبوية: "اللهم اجعل البصيرة في ديني" – الدين بلا بصيرة قد يتحول إلى قشر.


القاعدة: صلاح الدين بصلاح البصيرة، والبصيرة هبة من الله تُكتسب بالتفقه.



سابعًا: البُعد التطبيقي – البصيرة فعلٌ ومسار


الشاهد التطبيقي: العامل على غير بصيرة كمن يسير بلا طريق، لا يزيده الإسراع إلا بعدًا.


القاعدة: لا فائدة في العمل بلا رؤية، ولا نفع في الحركة بلا هدى.



ثامنًا: البُعد العملي – مراحل البصيرة


البصيرة تبدأ من:


النية الصادقة


الفكر السليم


الشعور النقي


العمل الموافق



القاعدة: البصيرة ليست فكرة بل تكوين متكامل يبدأ من الداخل ويُترجم إلى الخارج.



تاسعًا: البُعد البياني – المنهج القرآني في عرض التقابل


القرآن يعرض التقابل بثلاث صور:


تقابل لفظي ومعنوي (الضحك والبكاء، الحياة والموت)


تقابل معنوي فقط (الهدى والضلال)


تقابل رمزي (الأرض فراشًا والسماء بناءً)



القاعدة: البيان القرآني لا يُلقي تقابلًا إلا ليقود إلى تمييز واختيار.




---


إعادة الصياغة المنهجية للنص


العنوان: "البصيرة والعمى: منهج استقرائي في التقابل الكوني"


المقدمة: قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} لا يُقدَّم بوصفه وصفًا جسديًا، بل قاعدة كونية تُفَصِّل الحياة إلى طريقين: طريق الوعي، وطريق الغفلة. ومن هذه القاعدة ينبثق المنهج الاستقرائي في فهم التقابل الكوني في القرآن، وفي حياة الإنسان.


أولًا: مستويات التقابل


1. تقابل النوايا: نيةٌ ترى الحق، وأخرى تتعامى عنه.



2. تقابل المشاعر: شعورٌ يتفاعل مع نور الله، وآخر يتجمد في الظلام.



3. تقابل الفكر: عقلٌ مبصر بالحكمة، وآخر غارق في الوهم.



4. تقابل العمل والسلوك: عملٌ على بصيرة، وآخر على عمى.




ثانيًا: منطق التقابل


التقابل في القرآن مستمد من فعل الله وفعل العبد.


كل فعل من العبد إمّا أن ينسجم مع فعل الله أو يضاده.


التقابل يُفجّر التكليف، ويطلق الإرادة، ويحرك الطاقة باتجاه الشكر أو الكفر.



ثالثًا: البصيرة وعالم الرؤية


البصيرة ليست مجرد رؤية داخلية، بل اتصال شامل:


نيتي معهم


مشاعري معهم


أفكاري معهم


عملي معهم



إذا تحقق هذا الاتصال، أصبح الإنسان ممن "يبصرون بالدموع".



رابعًا: مراتب البصيرة


البصيرة الدينية: فقه في الدين.


البصيرة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية: إدراك الواقع بنورٍ من الحق.


البصيرة القلبية والعقلية: توحد بين القلب والعقل يُنتج رؤية نافذة.



خامسًا: مفتاح البصيرة


"تفقهوا في دين الله فإن الفقه مفتاح البصيرة".


صلابة الإيمان هي صلابة البصيرة، كما في شهادة الإمام الصادق في العباس عليه السلام.


 محاضرة: تجسيم الأعمال في ضوء الصيرورة الباطنية


أولًا: البعد الكوني – منشأ تجسيم الأعمال


1. إن تجسم الأعمال في صورها الظاهرة له منشأ كوني، إذ تتشكل الأفعال في عوالم أخرى غير مادية بحسب قوانين التصاير والتغاير.



2. الكون ليس سطحًا جامدًا، بل عميق الباطن، ينبض بالحركة النفسية والروحية والعقلية.



3. هذه البواطن تتفاعل بحسب الملكات التي نتجلى بها، تمامًا كما تتجلّى الطاقة في صورة نور.




ثانيًا: البعد النفسي–الروحي – بين الملكات والعقد


4. الملكات الروحية هي طاقات نورانية تتجلى في الأعمال الحسنة، وهي ما يُعبَّر عنها بـ"النور الذي نمشي به بين الناس".



5. قال تعالى:

(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [الأنعام: 122].



6. أما العقد النفسية، فهي طاقات سلبية تتجلى بالظلمة، وهي تمثل الجانب "الظلماوي" من باطن الإنسان.




ثالثًا: البعد السلوكي–العملي – قانون التصاير


7. بما أن الباطن الإنساني يحمل وجهين (نوراني وظلماوي)، فهو يتصف بالتغاير والتصاير.



8. التغاير يعني الانتقال من حال إلى حال، ما يترتب عليه محو الحالة السابقة، وإثبات الحالة اللاحقة.



9. هذه السيرورة المستمرة تُظهر أثرها في الظاهر، لأن كل باطن له ظاهر، يتشكل بحسب ما ترسّخ في الداخل.




رابعًا: البعد القرآني – الأمثلة على الصيرورات


10. القرآن الكريم عرض صورًا باطنية لأحوال البشر في صيروراتهم، منها:


الكاذب: قال تعالى (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ) [الأعراف: 176].


الغافل والجاهل: (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) [الجمعة: 5].


الضال: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 44].


الأعمى: (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى) [الإسراء: 72].




11. هذه الأمثلة ليست خيالية، بل هي واقعية تكشف عن صيرورات فعلية في العوالم الباطنية.




خامسًا: البعد الشهودي–الكشفي – البصيرة والرؤية الباطنية


12. الرؤية البصرية العادية لا ترى إلا المحسوسات، لكن إن كُشف عنها الغطاء، سترى صيرورات الملكات ونشوء البدن الروحي أو النفسي.



13. يرى أهل البصيرة أن الإنسان يملك:


بدنًا روحيًا نورانيًا: هو ذاته الحقيقي، وهو الذي "يمشي به".


بدنًا نفسيًا ظلماويًا: هو بدن طارئ ناتج عن الانغلاق في عالم الإمكان.




14. لا يمكن التخلّص من هذا البدن النفسي الظلماوي إلا عبر التحول إلى صيرورة البدن النوراني.




سادسًا: البعد التطبيقي–التحويلي – أمثلة عملية


15. من أمثلة التحول:


الكاذب يمكنه محو صيرورة الكذب بالرجوع إلى صيرورة الصدق، التي تقابلها الرفعة في الدنيا والخلود في السماء.


الغافل يمكنه محو صيرورة الجهل بالتحول إلى العلم والمعرفة.




16. الصيرورات لا تثبت إلا بالنية والفعل المستمر، وبالرجوع إلى النور الأصلي.

الثلاثاء، 13 مايو 2025

 الحلقة الرابعة من "همس الروح"

في الحوار  منتجات التطبيقية اهمها
1. مفكرة المناجاة اليومية
2. ورقة زفرة الليل
3. خريطة الأشواق المحمدي
4. برنامج  المرآة الحسينية
5. رسالة إلى الإمام الغائب
6. ورقة المحاسبة الوجدانية
الحوار – "دلّوني على الدليل   على الله"
البدن (بزفرة طويلة):
روحي...
لقد صرختُ دون أن أتكلم،
واشتقتُ دون أن أرى،
وبكيتُ دون أن ينتبه أحد…
فهل تُسجل هذه المناجاة؟
الروح (بحنان نوراني):
نعم، وسأسجّلها لك في مفكرة المناجاة اليومية،
كلّ زفرةٍ لكَ فيها سطر،
وكل شوقٍ لك فيها عنوان،
أكتب، ولا تخف من الأخطاء…
فمن كتب لنفسه بصدق، اقترب من ربّه. فصحيفتك  تطى لدي
البدن:
وماذا أفعل بزفرات الليل التي لا يسمعها أحد؟
الروح:
اختر منها واحدةً كل ليلة،
واكتبها في ورقة زفرة الليل،
ثم ضعها تحت وسادتك…
ستكون وسيلتك للاعتراف الهادئ،
وشهادتك على نفسك أمام الله… لا أحد سواه.
البدن:
أشعر أن حبّ أهل البيت عليكم السلام يشتدّ عليّ حتى يوجع…
كيف أرتّب هذا الحبّ؟
الروح:
ارسم خريطة الأشواق المحمدية،
ضع فيها أسماءهم، وألوان نورهم، ومناقبهم فهم اهلا وهم فوقها
واكتب تحت كل اسم: ما الذي يُحرّكك فيه؟
في الحسين: ما يُبكيك؟
في فاطمة: ما يُرهبك؟
في المهدي: ما يُوقظك؟
هكذا تُبصِر قلبك.
البدن:
كلّما تذكرت كربلاء… شعرت أنني عاجز عن الوفاء.
الروح:
مارس برنامج المرآة الحسينية،
اجلس صامتًا،
وتأمل وجهك في المرآة بعد سماع مجلس عن كربلاء،
واسأل نفسك:
"هل وجهي يشبه الوجوه التي مشت إلى الطف؟"
ثم أجب… ببكاء، لا بكلمات. هل ابيض وجهي وطاب ريحي؟
البدن:
إني مشتااااق…
لكن الإمام غائب!
الروح:
اكتب له، لا تنتظر ظهوره…
اكتب رسالة إلى الإمام الغائب،
اخبره بما لا تجرؤ أن تقوله لأحد…
أرسلها إلى الله، لا إلى عنوان بريدي،
فهو يقرأ القلوب، لا الأوراق.
البدن:
وهل من شيء أفعله في نهاية هذه المناجاة؟
الروح:
نعم، خُذ ورقة المحاسبة الوجدانية،
وفيها اجعل أعمدتك الأربعة كل ليلة:
• متى اشتقت؟
• متى بكيت؟
• متى غفلت؟
• متى صمتُّ عن مناداة الله؟
ووقّع في النهاية: "عبدٌ أراد أن يرتقي".
البدن (بخشوع):
يا روحي…
كل هذه الأوراق أراها كأنها دعاء…
وأنا، أريد أن أكون دعاءً…
الروح (بهمس عميق):
وها قد بدأتَ ترتقي…
وبدأت تصل إلى الأسفار الهادية المهدية!!!!! 

 همس الروح

همس الروح – الحوار الثالث : "يا من أشرقت بي… فدلّني إليك"
حوار عرفاني وجدانيًا بين الروح والبدن، بنبرة ممزوجة بالحنين، والأنين، والزفرة، والنداء
بهمسات عميقةٌ من هذه الروح المتلهفة للوصل…

الروح تنادي، والبدن يئن، والحنين يمشي بينهما صلاة…
1. الروح (بصوت حنين كنسمة فجر):
يا بُنيّ...
الأنوارُ نواياك،
والأسرار مشاعرك،
والأخبار أفكارك…
وأنا مرآةُ كلّ هذا.
فمن عرفني، عرف نفسه. لانني الطريق اليه
2. البدن (وهو يزفر لوعة):
إني أسمعكِ في لحظة السكون،
حين لا يبقى من الليل إلاّ أنا وأنتِ…
فهل تقترب؟ فقد طال الغياب!
3. الروح:
أنا ما غِبتُ…
لكنك التفتَّ إلى كلّ شيءٍ سواي،
فأصبحتَ مزدحمًا بالبعيد،
وغريبًا عن القريب…
4. البدن:
أحيانًا…
أشعر أنني ثقيل عليّ،
كأن جسدي لا يطاوعني…
وكل ما بي يرفضني…
5. الروح (برِقّة):
ذلك لأنك نسيتَ من أنا…
أنا الريح التي تسري بك،
لا اليدُ التي تُثقلك.
6. البدن:
هل يكفيني أن أشتاق إليكِ؟
فالحنين يأكلني ولا يُشبعني!
7. الروح:
الحنين طريق…
ولكن لا يكفي.
من اشتاق، سار…
ومن سار، سهر…
ومن سهر، وصل.

---

8. البدن:
ما أشدّ الوحدة في البُعد عنك…
حتى الزحام لا يملؤني.
9. الروح (بحنوّ الأم):
الذين يعرفونني…
يعرفون أني مأواهم، لا مآوي الناس.
فحين تضيق الأرض…
تسعك لمسة مني.
10. البدن:
أنا لا أريدك فقط في سجودي،
أريدك في ضحكتي…
في مشيتي…
في لمسة يدي…
في عيوني حين ترى.
11. الروح:
وهذا هو العهد…
أن لا أكون طقسًا،
بل رفيق صديق اب شفيق  اتغلغل في لحظاتك كلّها.

12. البدن (بأنين):
كلما اقتربت منك،
شعرت أن قلبي ينخلع حبًا…
فهل هذا ألم أم كشف؟
13. الروح:
هو الألم الجميل…
حين تنسلّ الأغلفة،
ويخرج النور من تحت الركام.
14. البدن:
أشعر أنني أتحلل من الكذب شيئًا فشيئًا…
فهل أنا على الطريق؟

15. الروح:
نعم…
حين تزفر حسرتك في صدق،
يُفتح لك بابٌ…
وحين تبكي دون أن تنتظر أحدًا،
أدنو.
16. البدن:
يا روح…
لماذا تشرق فجأة؟
ثم تختفي؟
أنت صمتٌ أشدّ من الكلام!

17. الروح (بصوتٍ عذبٍ محزون):
أنا لا أختفي،
أنتَ تَضيع حين تهرب إلى الخارج…
أما أنا، فبيتك فيك،
فادخل… تجدني
18. البدن:
كلّ ما فيّ يئن نحوك…
حتى حواسي تشتاقك…
حتى ذاكرتي تريد النسيان إلا منكِ.
19. الروح:
لأنني الأصل،
وأنت الفَرع…
لأنني السرّ،
وأنت الخبر.
لأنني إشراقك الأول…
قبل أن تُلبَس جسدًا.
20. البدن (والدمعة تنحدر على خده):
فدلّيني إليك…
إن كنتِ بداخلي،
فأين بابك؟
وإن كنتِ حولي،
فأين ظلالك؟
وإن كنت أنت أنا…
فلماذا أشعر أنني لم أبدأ بعد؟
الروح (بهمس كختم العارفين):
وها قد بدأتَ ترتقي…
حين قلتَ: "دلّيني إليك".
فالسالك لا يُطلب منه الوصول،
بل أن يُحبّ أن يصل…

 "همس الروح"

"وها قد بدأت ترتقي..."
همس الروح – الحوار الثاني: حين تنظر إليّ بعين القلب
الروح (هامسة):
وها قد بدأتَ ترتقي...
حين نظرتَ إليّ لا بعين الرأس، بل بعين القلب.
حين لم تَعُد تسأل: "ماذا أفعل؟"
بل همستَ في داخلك: "ماذا أفعل بكِ يا روحي؟"
البدن (بصوتٍ خافت):
أشعر أنني تائه حين أغيب عنكِ،
كأنّني أتحرك كثيرًا… لكن بلا وِجهة.
الروح:
وهل للريح أن تهدأ إن لم تعرف موطنها؟
أنتَ تتحرك، نعم… لكن ليست كل حركة حياة.
الحياة أن تسير نحوي…
بصبر، وصدق، ونبضٍ يعرف ما يريد.
البدن:
أرشديني… كيف أسمعكِ في زحام رغباتي؟
الروح:
أن تَسكن قليلاً…
أن تصمت حين تصرخ الدنيا…
أن تنام على نية اللقاء لا على تعب الهروب…
هناك أتكلم، لا بصوت، بل بإشارات…
وأنتَ وحدك تعرفها حين تصدق.
البدن:
أشعر أنني أشتاق إليكِ،
كأنني انفصلت عن شيءٍ كان يسكنني منذ البدء.
الروح:
أنا أنتَ حين كنتَ نقيًا،
أنا الماء الذي خرجتَ منه أول مرّة،
أنا النور الذي نفخه الله فيك،
فلا تبتعد… فإن أقرب طريق إليّ،
هو أن تُحبني.
البدن:
أحبكِ؟
لكنني لا أفهمكِ أحيانًا…
الروح:
ولم يُطلب منك أن تفهمني دائمًا،
بل أن تؤمن أنني معك…
أرشدك حين تغفل،
أمسح دمعتك حين لا يراك أحد،
أضيء شمعتك حين تنطفئ من الخارج.
البدن (بصوتٍ خاشع):
وها أنا أسمعكِ الآن…
فهل لي أن أرافقكِ في ارتقاءٍ جديد؟
الروح:
تعال…
ولكن لا تحمِل معك إلا الصدق،
والتوبة،
وشوقك لي…
فأنا الطريق الذي لا يضلّ سالكوه.

 سلوكك مرآتي"،

حوار بين البدن والروح عن السلوك والنور)
عنوان الحوار: "هل أنا ما أفعله من الروح؟!"
البدن:
يا روحُ، أشعر أنني أتحرك كثيرًا… أفعل وأقول وأسير… لكنني لا أفهم لمَ أُحاسب على كل ذلك؟!
الروح:
يا بُنيّ، لستَ تُحاسب على الحركة… بل على ما تحمله النية في تلك الحركة. السلوك هو جسدك يترجم سرّي.
البدن:
لكن أحيانًا أتصرف بلا وعي، بردود فعل تلقائية… هل هذا أنا أيضًا؟
الروح:
بل هو أنت حين تغيب عني. إن فارقتني، أصبحت ردودًا لا رسائل. وإن كنتَ معي، صار سلوكك صلاة.
البدن:
وهل في سلوك الحركات نورٌ؟
الروح:
أما قرأت قوله تعالى: "اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء"؟
سلوك موسى كان أمرًا بسيطًا… لكن حين امتزج بوحي، صار نورًا.
البدن:
وهل سلوكي يُخفي نيتي أم يكشفها؟
الروح:
السلوك لا يملك أن يُخفي... هو لا إراديًا يُفصح. إن كنت صادقًا، بانت ملامح الصدق في مشيتك، وصوتك، ونظرتك.
البدن:
وإن أخطأت في سلوكي، هل يعني أنني معيب؟
الروح:
بل يعني أنك إنسان… والجميل أنك تقدر أن تعود. الخطأ بداية إصلاح، لا نهاية كرامة.
البدن:
علّمني كيف أُنمّي سلوكي ليكون طاهرًا منك؟
الروح:
ابدأ بالنية... لا تفعل شيئًا حتى تسألني: لِمَ أفعل؟
ثم افعل، كأنك تكتب كتابًا سيُقرأ عليك.
ثم راقب نفسك، دون قسوة… بل بحنان الناصح.
البدن:
هل سلوكي يبني قدري؟
الروح:
هو قدرك بالفعل. ما تسلكه من طريقٍ، هو ما تصير إليه.
السلوك ليس تفصيلةً عابرة… بل هو مركب المصير.
البدن:
أشعر أنني مُقيَّد أحيانًا بثقافةٍ أو مجتمع… ماذا أفعل؟
الروح:
لك أن تسمع من حولك، لكن لا تتركهم يسكنونك.
استشرني في كل سلوك، لأعطيك البوصلة.
البدن:
هل رأيتِ النبي؟ كيف كان سلوكه؟
الروح:
رأيته حين قال الله فيه: "وإنك لعلى خلق عظيم".
كان يمشي، فيشعّ حلمًا… ويبتسم، فيُحيي قلبًا…
لم يكن صوته مرتفعًا، لكنه كان يهزّ الجبال.
البدن:
وعليٌّ، كيف كان سلوكه؟
الروح:
كان سيفًا بيد العدالة، ويدًا تمسح رأس اليتيم بلطافة.
لا يفصل بين الجهاد والرحمة… فكلاهما عنده سلوك توحيد.
البدن:
هل يمكن أن أرتقي بكِ من خلال سلوكي؟
الروح:
إن جعلت سلوكك سلمًا إليّ، صرت نورًا متحركًا.
فأنا لا أطلب منك الكمال… بل الصدق في التدرج.
البدن:
هل أستطيع أن أغيّر تاريخي بسلوكي الجديد؟
الروح:
بل تصنع تاريخًا جديدًا. كل لحظة سلوك نقي، تُمحى بها آلاف اللحظات الغافلة.
البدن:
فيا روحي... هل أنا ما أفكر، أم ما أفعل؟
الروح:
أنت ما تُريد فعله، إن صدقت…
وما تفعله، إن راقبته…
وما تتوب منه، إن أخطأت…
البدن:
إذن دلّيني... أين أبدأ؟
الروح:
ابدأ من حيث تشعر أنك تبتعد عني… هناك تمامًا تبدأ عودتك.
البدن:
يا روح... الآن فهمت:
لستُ ما يُقال عني… بل أنا ما أفعله في حضرتك، وما أتركه لأجل الله.
الروح (بهمس):
وها قد بدأت ترتقي

 سلسلة دروس... السلوك في ضوء القرآن والروايات

العنوان
الدرس الأول:
السلوك: بين التكوين والاختيار – قراءة قرآنية ورواية تربوية
الأهداف:
1. فهم المفهوم القرآني والروائي للسلوك.

2. التمييز بين أنواع السلوك: الإرادي، اللاإرادي، الظاهر، الباطن.
3. إدراك أثر السلوك على الفرد والمجتمع.
4. اكتساب مهارات تأملية تساعد في ضبط السلوك وتزكيته.
أولاً: مدخل تمهيدي
سؤال تحفيزي:
ما الفرق بين:
رد فعلك حين يسقط أحدهم شيئًا عليك دون قصد.
وتصرفك حين يسيء إليك متعمّدًا؟
النتيجة المتوقعة: السلوك قد يكون تلقائيًا أو مدبّرًا، وقد يكون رد فعل غريزيًا أو سلوكًا أخلاقيًا نابعًا من وعي داخلي.
ثانيًا: مفهوم السلوك وأنواعه

السلوك هو كل فعل أو رد فعل يصدر عن الكائن الحي ويؤثر في محيطه أو ذاته.
قد يكون:
واعياً أو غير واعٍ.
طوعيًا أو غير طوعي.
ظاهرًا (كالكلام والحركة) أو باطنيًا (كالنية والميل).
أنواع السلوك:
السلوك الإجرائي: ناتج عن استجابة لمؤثر خارجي.
السلوك الفضولي: مدفوع برغبة داخلية في الاستكشاف والمعرفة.
السلوك المقصود والمدبَّر: ناتج عن نية وتخطيط مسبق.
ثالثًا: السلوك في القرآن الكريم
1. قوله تعالى: "اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ"
يشير إلى أن السلوك الظاهري (إدخال اليد) حين يكون مأمورًا من الله، ينتج عنه أثر تكويني (النور والكرامة).
قاعدة: الطاعة السلوكية تثمر النور الرباني.
2. قوله تعالى: "فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا" (في وصف النحل)
يظهر أن حتى الكائنات الصغرى تسلك وفق وحي إلهي، ومن هذا السلوك تنتج النعمة (العسل).
قاعدة: كل سلوك فطري منسجم مع الوحي الإلهي هو طريق للبركة.
3. السلوك في آيات الهداية والضلال
مثل: "ومن يسلك طريقًا..." أو "ومن يضلل الله فلا هادي له"، تدل على أن السلوك يحدد الاتجاه الوجودي.
قاعدة: السلوك طريق للمصير لا مجرد تصرّف وقتي.

رابعًا: السلوك في الروايات الشريفة
1. قال الإمام علي (عليه السلام):
"ثمرةُ التفكر الصلاحُ، ونتيجةُ الصلاحِ السلوكُ على الطريق الواضح."
قاعدة: الفكر الصحيح يثمر سلوكًا صالحًا ومنضبطًا.
2. قال الإمام الصادق (عليه السلام):
"المؤمنُ سلوكُه الحياء، وعنوانُه الوفاء."
قاعدة: الإيمان يتجلّى في السلوك العملي، لا في الادعاء.
3. قال النبي (صلى الله عليه وآله):
"لا ينفع العلم بلا عمل، ولا العمل بلا نية."
قاعدة: السلوك لا يصح إلا بنية، ولا يكفي أن يكون ظاهرًا.

خامسًا: السلوك والهوية
السلوك مرآة النفس، وتجسيد لما نؤمن به ونفكر فيه.
يقال: "الناس يعرفونك من سلوكك قبل كلامك".
هو الطريق الذي نسلكه في الحياة، ويعكس ثقافتنا وقيمنا.
السلوك فطري أحيانًا، ومكتسَب أحيانًا أخرى، ويظهر في ردود الفعل اليومية.

سادسًا: برنامج تطبيقي
1. خريطة السلوك اليومي المطلوب: راقب يوم
2. سلوك قمت به تلقائيًا.
3. سلوك تصرّفت فيه بقصد واضح.
4. سلوك ندمت عليه.
5. سلوك تفخر به.

أسئلة تأملية:
1. ما الذي يميّز السلوك الجيد؟
2. ما أثره عليك وعلى الآخرين؟
3. كيف يمكنك تحويل النية الطيبة إلى سلوك فعّال؟
الخاتمة التأملية:
السلوك هو خلاصة ما نختاره من طرق،
فإن اخترنا طريقًا لله، سار بنا إلى النور،
وإن اخترنا غيره، كان علينا أن نتحمّل تبعاته...
"واسلك سبيل ربك... ذُلُلًا"؛
فمن سلكه بالحب، وصل.


الدرس الثاني ضمن سلسلة "القرآن والسلوك"،
الدرس الثاني: السلوك الإيماني – من النية إلى التحقق
العنوان العام
السلوك بين النية والتجلي – كيف يتحوّل الإيمان إلى فعل؟
الأهداف:
1. أن يميّز المتعلم بين النية والسلوك في المنظور القرآني.
2. أن يفهم كيف ينتقل الإيمان من باطن النفس إلى واقع العمل.
3. أن يتدرب على رصد مراحل تشكّل السلوك من الفكرة إلى التطبيق.
4. أن يتأمل في آثار السلوك الإيماني على النفس والمجتمع.

المحاور الرئيسة للدرس:
أولًا: من النية إلى السلوك
السلوك الإيماني لا يبدأ بالحركة، بل بالنية. ثم المشاعر ان الفكرة ويخلص لنا
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى."

النية هي بذرة السلوك، وهي التي تمنح الفعل قيمته في الميزان.

قاعدة: كل سلوك هو نية تمشي على قدمين.

ثانيًا: السلوك الإيماني في القرآن الكريم

1. "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا" (الشمس: 9-10)
التزكية سلوك ناتج عن نية تطهير النفس.
2. "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ"
الإيمان يُثبت بالسلوك الصالح.
3. "إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ" (الأنعام: 162)

السلوك يشمل كل مظاهر الحياة حين يُؤسَّس على نية التوحيد.
قاعدة: السلوك الصالح هو الوجه العملي للإيمان الخالص. المؤمن يرى إيمانه  في عملك
ثالثًا: السلوك الإيماني في الروايات الشريفة

1. قال الإمام علي (عليه السلام):
"من أصلح سريرته أصلح الله علانيته"
قاعدة: السلوك العلني يتغذّى من النية الباطنية.
2. قال الإمام الصادق (عليه السلام):
"ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل"
قاعدة: العمل هو البرهان الصادق للإيمان الحقيقي.
رابعًا: كيف يتحول الإيمان إلى سلوك؟
مراحل تكوّن السلوك الإيماني:
1. التأمل الداخلي: هل ما أؤمن به حيّ في قلبي؟

2. النية الصادقة: لماذا أريد فعل هذا السلوك؟

3. القرار الإرادي: اختيار الفعل عن وعي.
4. الاستمرار والمجاهدة: الثبات على السلوك رغم الصعوبات.
5. المراجعة والتزكية: تقييم الأثر وتصحيح المسار.
خامسًا: برنامج تطبيقي – مفكرة التحول والتغيير

عنوان البرنامج:
"من النية إلى السلوك – جسر التطبيق"
المطلوب:
اختر قيمة إيمانية (مثل: الصبر – الصدق – العفو – التواضع)
واجب على الأسئلة:
1. ما النية التي أريد ترسيخها؟

2. كيف يمكنني التعبير عنها بسلوك عملي هذا الأسبوع؟
3. ما التحديات المحتملة؟
4. ما الأثر المتوقع عليّ وعلى من حولي؟
5. ما الذي سأقيّمه بعد 7 أيام من التجربة؟

الخاتمة التأملية:
السلوك ليس مجرّد فعل...
بل هو "نيّة مرئية"، و"إيمانٌ مجسّد".
فكن مؤمنًا لا بالقول فقط، بل بالفعل الذي يشهد لك قبل أن تتكلم عن نفسك.


 سلسلة دروس... السلوك في ضوء القرآن والروايات

العنوان
الدرس الأول:
السلوك: بين التكوين والاختيار – قراءة قرآنية ورواية تربوية
الأهداف:
1. فهم المفهوم القرآني والروائي للسلوك.

2. التمييز بين أنواع السلوك: الإرادي، اللاإرادي، الظاهر، الباطن.
3. إدراك أثر السلوك على الفرد والمجتمع.
4. اكتساب مهارات تأملية تساعد في ضبط السلوك وتزكيته.
أولاً: مدخل تمهيدي
سؤال تحفيزي:
ما الفرق بين:
رد فعلك حين يسقط أحدهم شيئًا عليك دون قصد.
وتصرفك حين يسيء إليك متعمّدًا؟
النتيجة المتوقعة: السلوك قد يكون تلقائيًا أو مدبّرًا، وقد يكون رد فعل غريزيًا أو سلوكًا أخلاقيًا نابعًا من وعي داخلي.
ثانيًا: مفهوم السلوك وأنواعه

السلوك هو كل فعل أو رد فعل يصدر عن الكائن الحي ويؤثر في محيطه أو ذاته.
قد يكون:
واعياً أو غير واعٍ.
طوعيًا أو غير طوعي.
ظاهرًا (كالكلام والحركة) أو باطنيًا (كالنية والميل).
أنواع السلوك:
السلوك الإجرائي: ناتج عن استجابة لمؤثر خارجي.
السلوك الفضولي: مدفوع برغبة داخلية في الاستكشاف والمعرفة.
السلوك المقصود والمدبَّر: ناتج عن نية وتخطيط مسبق.
ثالثًا: السلوك في القرآن الكريم
1. قوله تعالى: "اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ"
يشير إلى أن السلوك الظاهري (إدخال اليد) حين يكون مأمورًا من الله، ينتج عنه أثر تكويني (النور والكرامة).
قاعدة: الطاعة السلوكية تثمر النور الرباني.
2. قوله تعالى: "فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا" (في وصف النحل)
يظهر أن حتى الكائنات الصغرى تسلك وفق وحي إلهي، ومن هذا السلوك تنتج النعمة (العسل).
قاعدة: كل سلوك فطري منسجم مع الوحي الإلهي هو طريق للبركة.
3. السلوك في آيات الهداية والضلال
مثل: "ومن يسلك طريقًا..." أو "ومن يضلل الله فلا هادي له"، تدل على أن السلوك يحدد الاتجاه الوجودي.
قاعدة: السلوك طريق للمصير لا مجرد تصرّف وقتي.

رابعًا: السلوك في الروايات الشريفة
1. قال الإمام علي (عليه السلام):
"ثمرةُ التفكر الصلاحُ، ونتيجةُ الصلاحِ السلوكُ على الطريق الواضح."
قاعدة: الفكر الصحيح يثمر سلوكًا صالحًا ومنضبطًا.
2. قال الإمام الصادق (عليه السلام):
"المؤمنُ سلوكُه الحياء، وعنوانُه الوفاء."
قاعدة: الإيمان يتجلّى في السلوك العملي، لا في الادعاء.
3. قال النبي (صلى الله عليه وآله):
"لا ينفع العلم بلا عمل، ولا العمل بلا نية."
قاعدة: السلوك لا يصح إلا بنية، ولا يكفي أن يكون ظاهرًا.

خامسًا: السلوك والهوية
السلوك مرآة النفس، وتجسيد لما نؤمن به ونفكر فيه.
يقال: "الناس يعرفونك من سلوكك قبل كلامك".
هو الطريق الذي نسلكه في الحياة، ويعكس ثقافتنا وقيمنا.
السلوك فطري أحيانًا، ومكتسَب أحيانًا أخرى، ويظهر في ردود الفعل اليومية.

سادسًا: برنامج تطبيقي
1. خريطة السلوك اليومي المطلوب: راقب يوم
2. سلوك قمت به تلقائيًا.
3. سلوك تصرّفت فيه بقصد واضح.
4. سلوك ندمت عليه.
5. سلوك تفخر به.

أسئلة تأملية:
1. ما الذي يميّز السلوك الجيد؟
2. ما أثره عليك وعلى الآخرين؟
3. كيف يمكنك تحويل النية الطيبة إلى سلوك فعّال؟
الخاتمة التأملية:
السلوك هو خلاصة ما نختاره من طرق،
فإن اخترنا طريقًا لله، سار بنا إلى النور،
وإن اخترنا غيره، كان علينا أن نتحمّل تبعاته...
"واسلك سبيل ربك... ذُلُلًا"؛
فمن سلكه بالحب، وصل.


 السلوك: ماهيته، أنواعه، وآثاره في ضوء العقل والوحي

تعريف السلوك:
السلوك هو كل فعل أو ردّ فعل يصدر عن الكائن الحي، ويكون عادةً مرتبطًا بالبيئة المحيطة به. وقد يكون هذا السلوك واعياً أو غير واعٍ، طوعيًا أو غير طوعي، ظاهرًا أو خفيًا.

خصائص السلوك:
يؤثّر السلوك في العالم الخارجي، ويترك أثرًا راجعًا في نفس الكائن، فيكوِّن ما يُعرف بـ"النفس الراجعة ". ومن هنا تنشأ العديد من التفاعلات والمشكلات بين الأفراد، بناءً على اختلاف أنماط السلوك.

أنواع السلوك:

السلوك الإجرائي: استجابة لمثير خارجي.

السلوك الفضولي: مدفوع برغبة داخلية في المعرفة.

السلوك المقصود والمدبَّر: ناتج عن تخطيط ونيّة.

قوانين السلوك:
ذُكرت في علم السلوك قوانين تنظّم آلياته، منها:
1. القوانين الساكنة
2. القوانين المتحرّكة
3. قوانين التفاعل
وكلّها تعبّر عن تفاعل الإرادة مع المحيط، واستجابة النفس للمؤثرات وفق منظومة قيمية ومعرفية.

السلوك في ضوء القرآن الكريم:
السلوك في القرآن لا يُفهم فقط على أنه تصرّف خارجي، بل هو طريق وجودي، ومسلك تكويني نحو النور أو الظلمة، نحو الصلاح أو الفساد. ومن أبرز الآيات التي تعبّر عن هذا المفهوم:

"اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ" (القصص: 32):
إشارة إلى أن السلوك العملي المأمور به من الله، يُثمر نورًا وكرامة حتى في أبسط الحركات.

"فَاسْلُكْ سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا" (النحل: 69):
خطاب للنحل، يُبيّن أن سلوك المخلوقات يجري بوحي رباني، وبهذا السلوك تُنتج العسل:
"يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ"؛ أي أن النتائج المباركة مرتبطة بـ"السلوك المُلهم".

فالسلوك إذًا في القرآن مسلكٌ ربّاني، تتجلّى فيه الطاعة، والتدرج، والانقياد للوحي، ويكون مِعراجًا للإنسان نحو الكمال.

السلوك في الروايات الشريفة:
جاء في الأحاديث عن النبي وآله عليهم السلام ما يعمّق فهمنا للسلوك، لا كفعل فقط، بل كـ"نهج"، و"نية"، و"روح تربوية". ومن ذلك:

قال الإمام علي (عليه السلام):
"ثمرةُ التفكر الصلاحُ، ونتيجةُ الصلاحِ السلوكُ على الطريق الواضح".
أي أن السلوك هو تجلٍّ للفكر والنية، وليس مجرد تصرف منفصل.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام):
"المؤمنُ سلوكُه الحياء، وعنوانُه الوفاء"،
فالسلوك هو مقام تعبير عن الهوية الإيمانية، وليس فقط ردة فعل ظرفية.

السلوك والثقافة:
السلوك هو الوسيلة التي تُترجم بها الثقافة الاجتماعية إلى أفعال.
ويمكن تشبيهه بـ "السلك" الذي ينقل الرضى أو الغضب من الإنسان إلى الآخر أو إلى المجتمع.
فهو امتداد لما نحمله من منظومة قِيَمية، وينعكس في أفعالنا، وقد يختلف من فرد إلى آخر باختلاف الثقافة الاجتماعية التي ينتمي إليها.

السلوك والذات:
السلوك هو الطريق الذي نسلكه في حياتنا،
هو كل ما يصدر عن النفس من أفعال حسنة أو سيئة،
وقد يكون فطريًا ذاتيًا، أو مكتسَبًا من البيئة،
ويظهر في التصرفات وردود الأفعال؛
فنقول: "هذا مهذّب"، و"ذاك غير مؤدّب"، بناءً على ما يصدر من سلوك ظاهر.

السلوك والعواقب:
السلوك هو ما نفعله، أو ما لا نفعله،
وهو ما يصنع حاضرنا ويشكل مستقبلنا،
وهو العامل المباشر في نجاح الإنسان أو فشله،
في الدنيا كما في الآخرة.

 علاج جرثومة المعدة في الطب النبوي وأهل البيت عليهم السلام

أولًا: العلاجات النبوية–العلوية:
1. العسل الطبيعي:
قال النبي (ص): "الشفاء في ثلاثة: شربة عسل...".
طريقة الاستخدام: ملعقة كبيرة صباحًا ومساءً على الريق.
2. الحبة السوداء (حبة البركة):
قال النبي (ص): "في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام".
تقوّي المناعة وتكافح الالتهابات.
طريقة الاستخدام: نصف ملعقة مطحونة يوميًا، مع العسل أو اللبن.
3. السنا والسنوت:

قال النبي (ص): "عليكم بالسنا والسنوت، فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام".

والسنا مكي السنوت فُسّر بالكون وكلاهما مفيدان للهضم.
طريقة الاستخدام: تناول مشروب مغلي  مرة يوميًا.
4. خلّ التفاح أو العنب الطبيعي:
ورد عن الإمام الصادق (ع): "نِعم الإدام الخل...".

يُساعد على التوازن الحمضي في المعدة.
طريقة الاستخدام: ملعقة صغيرة من الخل في كوب ماء دافئ، صباحًا قبل الطعام (يستثنى من  لديه تقرّحات).
ثانيًا: قواعد الوقاية والمعالجة في منهج أهل البيت:
1. تقليل الطعام وعدم امتلاء البطن:
قال النبي (صل الله عليه واله): "ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطنه...".
الأكل باعتدال يقلل من نشاط الجراثيم المعدية.
2. مضغ الطعام جيدًا وتناول الطعام ببطء:
قال أمير المؤمنين (ع): "أكثروا من مضغ الطعام...".
يعين على الهضم الجيد ويقلل التهيج المعدي.
3. الحمية والابتعاد عن الأطعمة الملوثة:
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "المعدة بيت كل داء، والحمية رأس كل دواء".

تجنّب الطعام المكشوف والمياه غير النظيفة من أهم أساسات الوقاية.
ثالثًا: نماذج علاجية يومية :
صباحًا على الريق:
ملعقة عسل + نصف ملعقة حبة سوداء.
كوب ماء دافئ مع ملعقة خل تفاح طبيعي... خلال النهار:
شرب كوب من مغلي  الكمون.

استخدام الزعتر مع الاكل

رابعًا: التوجّه الروحي والنية العلاجية:
1. الدعاء والتضرّع:
قراءة الأدعية المأثورة، خاصة من أدعية الإمام الكاظم عليه السلام للمرضى.
2. الاستغفار والصلاة على محمد وآل محمد:
لها دور في التصفية الروحية التي تؤثر على الجسد أيضًا.

3. النية الصادقة بالشفاء والتوكل على الله:

قال الإمام الصادق (ع): "إذا مرض المؤمن أوحى الله إلى ملك... أن اكتبه في كل يوم وليلة بمثل ما كان يعمل...".

 السؤال :

ما سبب الخلط بين نوعي السؤال والجواب في القضايا الغيبية والمعارف التجريدية؟
الجواب الاستقرائي:
اللهم صلّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.
من جملة القوانين الكونية الحاكمة في نظام المعرفة الإلهية، أن للسؤال مراتب، وللجواب مقامات. وتحديد مرتبة السؤال شرط للوصول إلى مقام الجواب. وهنا نضع القاعدة الأولى:

القاعدة الأولى: "ليس كل سؤالٍ يُجاب بعقل حصولي، كما أن ليس كل جوابٍ يُنال بمجرد السؤال".

وقد بينت التجربة الفكرية–الروحية أن التمييز بين "السؤال الحضوري" و"السؤال الحصولي" شرط في صحة البحث والسلوك، فمن سأل سؤالاً حضوريًا، وجواب عليه جوابًا حصوليًا، فقد ضيّع الجهة، وغاب عن الفطرة.
المفاهيم المركزية:
السؤال الحصولي: هو السؤال الذهني، المعلوماتي، الذي يطلب المعنى عبر العقل الأداتي والمنطق البرهاني.

السؤال الحضوري: هو السؤال الوجودي، الكينوني، الذي يصدر عن احتكاك الذات بالحقيقة، ويطلب المعرفة بالتجرد لا بالتصور.

الجواب الحصولي: جواب قائم على البيان المنطقي، الحجّة، الاستدلال.

الجواب الحضوري: جواب يتم بـــ"معاينة القلب"، وهو نور يُلقى، لا فكرة تُنتزع.
الموقف الاسقرائي:
مشكلة العصر المعرفي:
أنّ كثيرًا من المثقفين، بل حتى بعض أساتذة الجامعات، يطلبون البرهان الحصولي على حقائق لا تُنال إلا بالذوق الحضوري، كالسؤال عن:
وجود جبرائيل عليه السلام.
مقامات العارفين.
حقائق الملكوت.
أسرار النبوة والإمامة.
وهم في ذلك يقيسون عالم التجرد بمسطرة المادة، وعالم النور بمنطق المعادلة.
الإشارة القرآنية:
قوله تعالى:
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) (الإسراء: 85)
تَجلية قرآنية أن العجز عن إدراك "الروح" ليس عجزًا في الحقيقة، بل عجزًا في نوع العلم، لأنهم طلبوا جوابًا حضوريًا بعقل حصولي، فاستحالت المعرفة عليهم.
النكتة المنهجية:
حين يُطلب وجود الملكوت بالدليل العقلي وحده، فكأنك تطلب طعم العسل من وصفه، لا من تذوقه.
الحقائق العالية لا تُستدل، بل تُذوق. وهذه الذائقة لا تنفتح إلا للتقي النقي.
اللطيفة السلوكية:
حين سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله: "متى الساعة؟" لم يجب عن الزمن، بل أجاب عن الاستعداد:
"وما أعددت لها؟"
وهذه قاعدة سلوكية عليا:
"السؤال عن الالام الغيبي لا يُجاب بتحديده، بل بالتهيؤ له."
فالسؤال الحضوري هو: هل أنا على استعداد للقاء؟
وليس: متى اللقاء؟
الصدرات التربوية:
1. الجواب الحضوري ثمرة تهذيب، لا ثمرة تحصيل.
2. التجرد الخُلقي باب المعرفة العرفانية.
3. الذي لا يطهر قلبه لا يذوق أسرار النبوة ولا مقام الإمامة.
4. المعلومة لا تنقذ، لكن المعرفة تنجي، (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ... فَقَدْ فَازَ).
5. كثير من إنكار الغيب مرده إلى خمول روحي، لا إلى نقص منطقي.
الإشارة الأخيرة: مظلومية العوالم
ما يعيشه الإنسان من إنكار أو جمود روحي، هو من مظلومية عوالم الإنسان:
مظلومية الروح أمام الذهن.
مظلومية الحضور أمام التحصيل.
مظلومية النور أمام البيان.
ولهذا لا يُعترف بالنبوة والإمامة إلا في أفق التجرد، لا في منطق الظن العقلي البارد.
الخلاصة الاستقرائية:
السؤال الحق هو الذي يُنزل صاحبه منزلة المتعلّم من الله، لا الباحث عن إثباتٍ لنفيٍ مستتر.
والجواب الحق هو الذي يرتقي بصاحبه إلى مقام المشاهدة، لا الجدل.
ومن لم يتجرد، لم يُبصر، ومن لم يُبصر، لم يعرف.

 السؤال:

هل اتخاذ الإله نزوع فطري، أم أنه خيار إرادي عارض؟


الجواب الاستقرائي :

قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ) (الجاثية: 23)، ليس مجرد وصف لحالة شاذة، بل هو خريطة تكوينية–سلوكية، ترسم للإنسان جهتين متقابلتين: جهة الفطرة الإلهية، وجهة الانحراف الهوائي.


أولاً: المفاهيم التكوينية


1. اتخاذ الإله: حركة وجودية كونية، منطبعة في بنية الإنسان كنداء داخلي متكرر، نابع من الفعل الإلهي في الفطرة.

2. الفطرة: ليست مجرّد ميل، بل هي قانون جذب وجودي نحو الإله الحق (الله).

3. الهوى: ليس شعورًا عابرًا، بل هو بديل مزيف يقدَّم على أنه إله، حين يُهمَل صوت الفطرة.



ثانياً: المواقف الوجودية


الإنسان بين نسختين:


1. نسخة اللاهوت: إذا أمسك بها، كان اتخاذه للإله مطابقًا لحقيقة التوحيد.

2. نسخة الهوى: إذا انساق إليها، كان اتخاذه للإله خاضعًا لظلمات الوهم.




ثالثاً: القاعدة الناظمة


1.  "كل من لم يُمسك بنسخة اللاهوت، وقع في نسخة الهوى."

2. فـ"اتخاذ الإله" ضرورة، لكن جهة الاتخاذ تُحدِّد المصير: إما عروج، أو هبوط.

رابعاً: اللطائف والاستبصارات

1. اتخاذ الإله نزوع فطري، لكن اتخاذ الهوى إلهًا انحراف إدراكي–عملي.

2. الآية لم تنفِ الفطرة، بل كشفت كيف يُحرّفها الإنسان باختياره.

3. الهوى لا يُعبد لذاته، بل لأنه يتقمّص صورة "الإله" حين تضعف البصيرة.



خامساً: الإشارات التأملية

1. الكرامة: أثر مباشر من نسخة اللاهوت، فهي فعل إلهي متجلي في الوجود الإنساني المتصل بالله.

2. السحر: نتاج نسخة الهوى، تحايل وجودي يتقمّص المظهر الروحي، لكنه مفصول عن الله.

 سادساً: النكتة المعرفية


1. لا فراغ في حركة "اتخاذ الإله": إما الله، أو الهوى.

2. هذا يعيد تعريف "الحرية" بأنها ليست انتفاء الإله، بل اختيار بين إلهين: الحق أو الباطل.


سابعاً: الصدرات المنهجية

1. اتخاذ الإله نزوعٌ مركوز في التكوين، وكل انحراف عنه ليس بسبب انتفاء الداعي، بل بسبب انحراف الإدراك أو التلقي.

2. الفطرة فعل إلهي دائم، والهوى طارئ بشري متكرر.

 

الخاتمة الاستقرائية: 

منهج الآية يرسم طريق التمييز بين الطيب والخبيث، وبين الإيمان والعمل الإلهي، وبين الانحراف السلوكي الذي يجعل من الإنسان عابدًا لما يشتهيه، لا لما يُؤمَر به.

فكل كرامة من إشراق اللاهوت، وكل عقدة من ظلمات الهوى.

وهنا تنكشف للعارف سُننية اتخاذ الإله: إنها فطرة في الأصل، واختبار في المسير.

 تفسير  استقرائي لرواية الإمام الباقر عليه السلام لجابر الجعفي

المصدر: أمالي الطوسي/296
أولًا: التحليل الاستقرائي للمفاهيم
اولا :الطاعة أساس القرب من الله
1.  لا يُقبل النسب، ولا يُنفع الحب، ما لم يُترجم إلى طاعة عملية.
2. الولاية مشروطة بالطاعة والمحبة
3. المحور الذي يدور عليه الولاء هو الطاعة لله أولًا، ثم حب أهل البيت.
4.  حب أهل البيت ليس ضمانًا آليًا للنجاة
5. الحب إن لم يُرافقه عمل، لا يشفع للعاصي.
6. الثقة بالله ضمان للكفاية والنجاة
7. من توكّل بصدق، كُفي، ومن سأل بيقين، أُعطي.
8. الدنيا حالة انتقال، لا موطن استقرار
9. تشبيهاتها: منزل مؤقت، دابة في المنام، ثوب، جارية؛ كلها تفكّ التعلّق.
10. العبادات وسائل إصلاح وتزكية لا طقوس شكلية
11. الصلاة: تثبيت الإخلاص
12. الزكاة: زيادة في الرزق
13. الصيام والحج: تسكين القلوب.
14. الحدود الإلهية حفظ للمجتمع لا للعقوبة فقط
15. القصاص والحدود تُحقن بها الدماء وتُحمى الأنفس.
16. حب أهل البيت نظام الدين لا زينته
17. حبهم هو الرابط الذي يحفظ الدين من التمزق، ويجعل معانيه متماسكة.

ثانيًا: التحليل الاستقرائي للمواقف التربوية
1.  ضرورة تجدد الطلب العلمي حتى بعد الصحبة الطويلة
2.  "بعد ثماني عشرة سنة يا جابر؟!" تنبيه لمن يغتر بالقرب دون فهم.
3.  تواضع السائل شرط لنيل المعرفة
4. جابر يُظهر أدبًا رفيعًا: "إنكم بحر لا يُنزف" إقرار بالعجز أمام علمهم.
5. التحذير من الغرور النَسبي أو الروحي
6. لا شرف يرفع الإنسان ما لم يكن مصحوبًا بطاعة الله.
7. التنفير من التعلّق بالدنيا بأساليب وجدانية
8.  بتشبيهات لطيفة، يربّي الإمام على الانفصال الوجداني عن الدنيا.

ثالثًا: التحليل الاستقرائي للّطائف والمعاني العرفانية
1. البحر الذي لا يُنزف: رمز للعلم اللدني والمعرفة المحيطة
2. علمهم لا يُستقصى، ولا يُحدّ، ولا يُبلغ قعره.
3.  تشبيهات الدنيا بوسائل زائلة: إشارات رمزية للفناء... فيها تحذير من الوقوع في خداع "الدوام الوهمي".
4. الدنيا كالحلم، من استيقظ أدرك أنها لا شيء لطيفة عرفانية تُربّي على الاستفاقة من التعلق الوهمي.
5. حب أهل البيت كنظام ديني: توحيدٌ للمفاهيم والتشريعات
6. الحب ليس خارجًا عن الدين بل نسيج في قلبه.

 رابعا :نقاط محورية مستخلصة من الرواية

1. لا قرابة بين العبد وربه إلا بالطاعة، ولا تقبل الولاية إلا إذا تأسست على عمل صالح.
2. الصحبة لا تُغني عن السؤال والتعلّم، بل يجب دوام الطلب حتى بعد سنين من الملازمة.
3.  الثقة بالله أصل في التربية الإيمانية، لا يمكن فصل التوكل عن اليقين بالعطاء الإلهي.
4. الدنيا ليست إلا حالة عبور عرفاني، ومَن رآها كذلك تحرر منها.
5. العبادات بوظائفها التزكوية والتكوينية تؤسس لواقع روحي واجتماعي سليم.
6.  الحدود الإلهية ليست انتقامية بل رحيمة، تحفظ الدماء وتحمي الكيان المجتمعي.
7. حب أهل البيت ليس ترفًا عاطفيًا، بل هو ناظم الدين ولبّ العقيدة.

الاثنين، 12 مايو 2025

 الشباب يعانون من العادة السرية؟ .

الحاج العزيز، جزاك الله خيرًا. هل هنالك  علاجٌ نافعٌ – بإذن الله – لكثيرٍ من الشباب يعانون من العادة السرية؟ .
الجواب: طريق الطهارة بنور محمد وآله
نعم، الشفاء من العادة السرية (الاستمناء) ممكن وواقعي، وقد عالجته تعاليم الدين المحمدي بعمق، وخاصةً في كلمات أهل البيت عليهم السلام، لأنهم يعرفون حقيقة النفس، وحاجة الجسد، وطرق الوصول إلى الطهارة.
وهذا برنامجٌ متكامل من خمسة محاور:
روحي، شعوري، معرفي، عملي، علاجي.
1. المحور الروحي: التوجّه إلى الله
• الدعاء بعد كل صلاة بنية الخلاص منها:
"اللهم طهّر قلبي، ونقِّ روحي، وأغنِني بعفوك عن الحرام، وبقربك عن الانحراف، وبنورك عن الشهوة."
• الاستعانة اليومية باسم الله: "النور"، "القدوس"، "الستّار" — يُقرأ سبع مرات بعد كل صلاة.
مع هذا الذكر:
"يا عاصمَ من لا عاصمَ له، اعصمني وطهّرني منها."
• الصلاة على محمد وآل محمد بنية العصمة والحفظ منها: ١١ مرة بعد كل صلاة.
2. المحور الشعوري: إعادة التوازن النفسي
• افهم أن العادة ليست مجرد شهوة، بل وسيلة للهروب من الوحدة، الألم، أو الفراغ.
وهذا يتطلّب مواجهة، وقوة إرادة، وتصميمًا صادقًا على المخالفة.
• مارس تمرين "التحويل الشعوري":
– عندما تهاجمك الرغبة، قل مباشرة:
"يا صاحب الزمان، أغثني! أريدك أن تراني نقيًّا، ساعدني."
3. المحور المعرفي: تغيير الفكرة
• العادة لا تشبع، بل تفتح شهيةً أكبر.
• استبدل فكرة:
"بالمخالفة""
• وقل دائمًا:
"أنا أستطيع ببركة أهل البيت عليهم السلام."
4. المحور العملي: التغيير في السلوك
• أوقف كل ما يمهّد للعادة:
• النوم وحدك بلا ملابس.
• تصفّح الصور والخيالات.
• الفراغ الطويل.
• نظام النجاة اليومي:
• صلاة الفجر في وقتها.
• وضوء دائم كلما شعرت بالضعف أو الخمول.
• اشغل يدك وقلبك دائمًا بشيء نافع:
تعلم خط، رسم، رياضة، أعمال يدوية...
فالعادة تنشأ غالبًا من الفراغ والملل.
5. المحور العلاجي: العلاجات النبوية والطبيعية
• تخفيف الأطعمة المثيرة للشهوة:
• التقليل من: اللحوم الحمراء، البهارات، القهوة.
• الإكثار من: الخس، التفاح، الزبيب،
• حديث نبوي:
"من صام يومًا لله، باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفًا."
الصيام وسيلة عظيمة لكسر شهوة العادة.
• الاغتسال بالماء البارد صباحًا على الرأس والصدر
– مجرّب في تخفيف حدة الشهوة المفرطة.

 يعاني من حكة  وحساسية في المناطق الحساسة 

حجينا السلام عليكم البعض  يعاني من حكة  وحساسية في المناطق الحساسة هل هنالك علاج نبوي ؟

الجواب
عليكم السلام ورحمه الله وبركاته حياكم الله
علاج الحساسية والحكة في المناطق الحساسة وفق الهدي النبوي والعلوي
أولًا: التشخيص المشترك (بدني – روحي)
• بدنيًا:
• قد تكون الحكة ناتجة عن التهابات فطرية، أو جفاف، أو تحسس من الملابس أو مواد التنظيف. مراعاة هذه الامور ضروري
• روحيًا:
• في النصوص، هذه المناطق ترتبط بالطهارة والحياء، مما قد يشير إلى تنبيه باطني لحاجة في السلوك أو الفكر أو النية.
ثانيًا: العلاج النبوي والعلوي
1. الطهارة والنظافة
• الاغتسال بالماء البارد، لما ورد عن النبي: "البرد طهور للمؤمن".
• استخدام منقوع السدر مع رشة ملح خفيف في الغُسل، كما ورد عن الإمام علي: "اغتسلوا بالسدر، فإنه طهور...".
2. الدهن والتلطيف
• استعمال زيت الزيتون بعد التنظيف، لأنه مبارك كما في الحديث الشريف.
• خلط دهان طبيعي:
• ملعقة زيت زيتون
• ٣ قطرات ماء ورد
• رشة صغيرة من كركم نقي
• يستخدم دهانًا ليليًا خارجيًا على الموضع المتأثر.
3. الأذكار والتوجه القلبي
• قول دعاء الطهارة للإمام علي:
"اللهم طهر قلبي من النفاق، وفرجي من الفجور..."
• الإكثار من الاستغفار، وذكر:"يا حي يا قيوم" – ٧ مرة صباحًا. ومساءا
• مسح. على  المواضع اقول الله اكبر الله اكبر الله يبقى انت لا تبقى سبع مرات بعد كل صلاه

• تكرار ذكر:
" يا نُور، يا ستّار" – ٧صباحًا ومساءً.
ثالثًا: نظام وقائي وتربوي
• اختيار اللباس:
• قطن نقي
• غير ضيق
• لون أبيض إن أمكن
• التهوية:
• تعريض الموضع للهواء النقي بعد التنظيف اليومي.
• النظام الغذائي:
• تقليل السكريات والحوامض.
• الإكثار من الماء، الخضروات

 

من وصل لم يقل، ومن قال لم يصل" رحيم الأسدي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
هذه المقولة: "من وصل لم يقل، ومن قال لم يصل"، تُنسب في الغالب إلى بعض التيارات الصوفية والعرفانية، وهي تعكس رؤية مخصوصة حول تجربة "الوصول" إلى الحقيقة الإلهية أو الكشف العرفاني، وتدلّ على أن من "وصل" إلى الحقيقة قد غاب عن العبارة، ومن "قال" لا يزال في مقام الطلب والعبارة.
لكنكم، في لقائنا الكريم معكم، أشرتم إلى أنها تُواجه بإشكالاتٍ جوهرية. فهل بالإمكان توضيح ذلك؟
نرجو منكم بيان الفائدة، والمنفعة، وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمدٍ كمال الدين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، تمام النعمة.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
حياكم الله شيخنا الفاضل.
يمكن الوقوف على هذه الإشكالات في ثلاث رُتب:
الرتبة الأولى: إشكالات منهجية
الرتبة الثانية: إشكالات عقلية
الرتبة الثالثة: إشكالات روحية جذرية
أولًا: التحليل المعرفي والبياني للمقولة
• عبارة متناقضة ذاتيًا:
من يقول: "من قال لم يصل"، فقد قال! وبالتالي، ووفقًا للمقولة نفسها، هو لم يصل! وهذا يجعلها مقولة تلغي ذاتها.
• إنكار ضمني لوظيفة اللغة:
تفترض المقولة أن الوصول إلى الحقيقة لا يُقال، وكأنّ اللغة عاجزة تمامًا عن التعبير عن المعنى الحقيقي، مما ينسف كل مشروع التعليم والتبيين الذي جاءت به النبوة، ويتعارض مع القرآن الذي هو "قول" رباني موجه إلى الخلق.
ثانيًا: الرد التوحيدي–النبوي على المقولة
1. بعثة الأنبياء تردّ على هذا النفي
الأنبياء قد "وصلوا"، و"قالوا"، بل أُمروا بالقول، وعبّروا، وفسّروا. قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [المائدة: 67]
(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) [الكهف: 110]
فالنبي هو أوضح من وصل إلى الله، ومع ذلك بيَّن، وفسّر، وعلّم، وعبّر، وخطب، ودوّن الوحي.
فهل من قائل يقول: إنه لم يصل؟!
2. التعبير فعل عبودية، لا نقيض للوصول
القول ليس ضدّ الوصول، بل هو من ثمار الوصول.
فكما أن الشجرة المثمرة تُخرج الثمر، فإن القلوب الواصلة تُخرج البيان. وهذا هو معنى قوله تعالى:
(الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن: 1–4]
ثالثًا: نقد بنّاء للمقولة ضمن السياق العرفاني
أ. المقولة تنتمي إلى عرفان سلبي (فرداني–صامت)
صوفي لا يؤمن بالتفسير، ولا يؤمن بالتعبير، بل يحتكر الحقيقة في تجربة داخلية منفصلة عن العمل والبيان.
وهذا يخالف العرفان النبوي الذي يُعبّر عن الحق في الخلق، وينقل المعنى، ويُخاطب الناس بالحكمة والموعظة الحسنة.
ب. المقولة تُنتج عزلة سلبية
تحمل في طياتها بينونة عزلة لا بينونة صفة.
من يتبناها قد يظن أن "الصمت" هو قمة القرب، مما يدفعه إلى الانفصال عن المجتمع، وترك الإصلاح والتبليغ والتعليم، وهي خلاف وظيفة الواصلين الربانيين.
ومع ذلك، نلاحظ أن القائلين بها يقولون، ويعبرون، ويفسرون!
فكيف وصلوا إلى حالهم وأحوالهم؟ وكيف عرفوا، ثم قالوا عن تجربتهم الداخلية؟
فإذا لم يحتكروها، فلمَ يدعون إلى الصمت؟!
رابعًا: قواعد تصحيحية للمقولة
• القاعدة الأولى: الواصل الحقّ هو المعبّر عن الحق. كتعبير يوسف عليه السلام، وامتناع بعض طبقة المعبرين عن التعبير 
• القاعدة الثانية: القول النازل من قلبٍ واصل، هو أبلغ من الصمت الصُوري.
• القاعدة الثالثة: من لم يُبيّن، لم يَرحم؛ ومن لم يَرحم، لم يَعرف.
• القاعدة الرابعة: الصمت حالة، لكن البيان رسالة.
خامسًا: المقولة تحت مجهر المنهج الاستقرائي
إذا استقرينا تجارب الأنبياء، والأولياء، والأئمة، وجدنا:
• الواصل يعلّم الناس من موقع القرب.
• القول الحق هو أحد وجوه التجلي الإلهي.
• التعبير ليس نقصًا، بل تكميل لرحمة الوصل.
• السكوت قد يكون أدبًا، لكنه ليس دائمًا حكمة.
خلاصة القول
"من وصل لم يقل، ومن قال لم يصل" مقولة تختزل الوصل في تجربة فردية، وتُلغي التبليغ والبيان، فتقف ضدّ منهج الأنبياء، وتُناقض حكمة الخلق والرحمة والقرآن.
أما العارف الحق، فهو الذي إذا وصل عبّر، وإذا عبّر نوّر، وإذا نوّر دلّ الناس إلى الله لا إلى نفسه.
سادسًا: أصل المقولة وموقعها من فكر النبوة والولاية
• هذه المقولة لم تصدر عن النبي محمد صلى الله عليه وآله، ولا عن وصيٍّ أو وليٍّ معصومٍ من أهل بيته عليهم السلام.
• بل إنها لا تنسجم مع خطاب القرآن، ولا مع البيان العلوي، ولا مع كلام الأئمة الذي وصفوه بأنه:
"نور، وحياة، ولسان الحق."
قال الإمام الصادق عليه السلام:
"حديثُنا يُحيي القلوب، ومن قال عنّا ولم نقل به، فهو في النار."
• فلو لم تكن هذه المقولة كوثرًا محمديًا علويًا نابعًا من نهر النبوة والولاية، فهي إذًا قول أبتر، بلا أصل، كزبدٍ يذهب جفاءً.
لقد كان محمد وآل محمد صلوات الله عليهم هم المفسرون، المعبرون، المعلمون، المربّون، المصابيح التي تنير الكون.
وكما قال الإمام الصادق عليه السلام:
"كلامكم نور، وأمركم رشد، ورأيكم علم."
• وبالتالي، فالمقولة من حيث الأصل ليست جزءًا من المدرسة المحمدية العلوية، بل هي أقرب إلى "الصوفية الصامتة" التي تنكفئ عن البيان باسم "الغيبة في الفناء"، بينما كان أهل البيت هم البيان في القرب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.