محاضرة: تجسيم الأعمال في ضوء الصيرورة الباطنية
أولًا: البعد الكوني – منشأ تجسيم الأعمال
1. إن تجسم الأعمال في صورها الظاهرة له منشأ كوني، إذ تتشكل الأفعال في عوالم أخرى غير مادية بحسب قوانين التصاير والتغاير.
2. الكون ليس سطحًا جامدًا، بل عميق الباطن، ينبض بالحركة النفسية والروحية والعقلية.
3. هذه البواطن تتفاعل بحسب الملكات التي نتجلى بها، تمامًا كما تتجلّى الطاقة في صورة نور.
ثانيًا: البعد النفسي–الروحي – بين الملكات والعقد
4. الملكات الروحية هي طاقات نورانية تتجلى في الأعمال الحسنة، وهي ما يُعبَّر عنها بـ"النور الذي نمشي به بين الناس".
5. قال تعالى:
(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [الأنعام: 122].
6. أما العقد النفسية، فهي طاقات سلبية تتجلى بالظلمة، وهي تمثل الجانب "الظلماوي" من باطن الإنسان.
ثالثًا: البعد السلوكي–العملي – قانون التصاير
7. بما أن الباطن الإنساني يحمل وجهين (نوراني وظلماوي)، فهو يتصف بالتغاير والتصاير.
8. التغاير يعني الانتقال من حال إلى حال، ما يترتب عليه محو الحالة السابقة، وإثبات الحالة اللاحقة.
9. هذه السيرورة المستمرة تُظهر أثرها في الظاهر، لأن كل باطن له ظاهر، يتشكل بحسب ما ترسّخ في الداخل.
رابعًا: البعد القرآني – الأمثلة على الصيرورات
10. القرآن الكريم عرض صورًا باطنية لأحوال البشر في صيروراتهم، منها:
الكاذب: قال تعالى (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ) [الأعراف: 176].
الغافل والجاهل: (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) [الجمعة: 5].
الضال: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 44].
الأعمى: (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى) [الإسراء: 72].
11. هذه الأمثلة ليست خيالية، بل هي واقعية تكشف عن صيرورات فعلية في العوالم الباطنية.
خامسًا: البعد الشهودي–الكشفي – البصيرة والرؤية الباطنية
12. الرؤية البصرية العادية لا ترى إلا المحسوسات، لكن إن كُشف عنها الغطاء، سترى صيرورات الملكات ونشوء البدن الروحي أو النفسي.
13. يرى أهل البصيرة أن الإنسان يملك:
بدنًا روحيًا نورانيًا: هو ذاته الحقيقي، وهو الذي "يمشي به".
بدنًا نفسيًا ظلماويًا: هو بدن طارئ ناتج عن الانغلاق في عالم الإمكان.
14. لا يمكن التخلّص من هذا البدن النفسي الظلماوي إلا عبر التحول إلى صيرورة البدن النوراني.
سادسًا: البعد التطبيقي–التحويلي – أمثلة عملية
15. من أمثلة التحول:
الكاذب يمكنه محو صيرورة الكذب بالرجوع إلى صيرورة الصدق، التي تقابلها الرفعة في الدنيا والخلود في السماء.
الغافل يمكنه محو صيرورة الجهل بالتحول إلى العلم والمعرفة.
16. الصيرورات لا تثبت إلا بالنية والفعل المستمر، وبالرجوع إلى النور الأصلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق