الثلاثاء، 13 مايو 2025

 همس الروح

همس الروح – الحوار الثالث : "يا من أشرقت بي… فدلّني إليك"
حوار عرفاني وجدانيًا بين الروح والبدن، بنبرة ممزوجة بالحنين، والأنين، والزفرة، والنداء
بهمسات عميقةٌ من هذه الروح المتلهفة للوصل…

الروح تنادي، والبدن يئن، والحنين يمشي بينهما صلاة…
1. الروح (بصوت حنين كنسمة فجر):
يا بُنيّ...
الأنوارُ نواياك،
والأسرار مشاعرك،
والأخبار أفكارك…
وأنا مرآةُ كلّ هذا.
فمن عرفني، عرف نفسه. لانني الطريق اليه
2. البدن (وهو يزفر لوعة):
إني أسمعكِ في لحظة السكون،
حين لا يبقى من الليل إلاّ أنا وأنتِ…
فهل تقترب؟ فقد طال الغياب!
3. الروح:
أنا ما غِبتُ…
لكنك التفتَّ إلى كلّ شيءٍ سواي،
فأصبحتَ مزدحمًا بالبعيد،
وغريبًا عن القريب…
4. البدن:
أحيانًا…
أشعر أنني ثقيل عليّ،
كأن جسدي لا يطاوعني…
وكل ما بي يرفضني…
5. الروح (برِقّة):
ذلك لأنك نسيتَ من أنا…
أنا الريح التي تسري بك،
لا اليدُ التي تُثقلك.
6. البدن:
هل يكفيني أن أشتاق إليكِ؟
فالحنين يأكلني ولا يُشبعني!
7. الروح:
الحنين طريق…
ولكن لا يكفي.
من اشتاق، سار…
ومن سار، سهر…
ومن سهر، وصل.

---

8. البدن:
ما أشدّ الوحدة في البُعد عنك…
حتى الزحام لا يملؤني.
9. الروح (بحنوّ الأم):
الذين يعرفونني…
يعرفون أني مأواهم، لا مآوي الناس.
فحين تضيق الأرض…
تسعك لمسة مني.
10. البدن:
أنا لا أريدك فقط في سجودي،
أريدك في ضحكتي…
في مشيتي…
في لمسة يدي…
في عيوني حين ترى.
11. الروح:
وهذا هو العهد…
أن لا أكون طقسًا،
بل رفيق صديق اب شفيق  اتغلغل في لحظاتك كلّها.

12. البدن (بأنين):
كلما اقتربت منك،
شعرت أن قلبي ينخلع حبًا…
فهل هذا ألم أم كشف؟
13. الروح:
هو الألم الجميل…
حين تنسلّ الأغلفة،
ويخرج النور من تحت الركام.
14. البدن:
أشعر أنني أتحلل من الكذب شيئًا فشيئًا…
فهل أنا على الطريق؟

15. الروح:
نعم…
حين تزفر حسرتك في صدق،
يُفتح لك بابٌ…
وحين تبكي دون أن تنتظر أحدًا،
أدنو.
16. البدن:
يا روح…
لماذا تشرق فجأة؟
ثم تختفي؟
أنت صمتٌ أشدّ من الكلام!

17. الروح (بصوتٍ عذبٍ محزون):
أنا لا أختفي،
أنتَ تَضيع حين تهرب إلى الخارج…
أما أنا، فبيتك فيك،
فادخل… تجدني
18. البدن:
كلّ ما فيّ يئن نحوك…
حتى حواسي تشتاقك…
حتى ذاكرتي تريد النسيان إلا منكِ.
19. الروح:
لأنني الأصل،
وأنت الفَرع…
لأنني السرّ،
وأنت الخبر.
لأنني إشراقك الأول…
قبل أن تُلبَس جسدًا.
20. البدن (والدمعة تنحدر على خده):
فدلّيني إليك…
إن كنتِ بداخلي،
فأين بابك؟
وإن كنتِ حولي،
فأين ظلالك؟
وإن كنت أنت أنا…
فلماذا أشعر أنني لم أبدأ بعد؟
الروح (بهمس كختم العارفين):
وها قد بدأتَ ترتقي…
حين قلتَ: "دلّيني إليك".
فالسالك لا يُطلب منه الوصول،
بل أن يُحبّ أن يصل…

ليست هناك تعليقات: