الأربعاء، 14 مايو 2025

 تحليل استقرائي لنص الآية: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}


أولًا: البُعد الفكري – قاعدة التقابل الكوني


المفهوم: الآية تفتح بابًا لفهم التقابل بوصفه قانونًا من قوانين التكوين، فالعمى والبصر ليسا حالتين جسديتين فقط، بل رمزان لحالتي الإدراك والجهل، النور والظلمة، الوعي والغفلة.


القاعدة: التقابل القرآني ليس مجرد تباين شكلي، بل يدل على تفاوت الوعي ومسارات المصير.



ثانيًا: البُعد الشعوري – تقابل الإحساس والبصيرة


المعنى: الأعمى لا يحس بالنور كما لا يشعر بالحقيقة، أما البصير فمشاعره موصولة بالحق، متذوقة له.


القاعدة: العمى الشعوري يسبق عمى الفكر، والبصيرة الشعورية تمهد لليقين القلبي.



ثالثًا: البُعد الوجداني – انفعال الروح واستجابة القلب


الشاهد: "فتنفجر دموعنا" – وجدانٌ متصل بأحداث ما وراء الغيب، دمع لا ينبع من صورةٍ بل من إدراكٍ باطني.


القاعدة: وجدانك لا يُبصر إلا إذا انخرطت نيتك ومشاعرك في نية ومشاعر أولياء الله.



رابعًا: البُعد العرفاني – السير من الظاهر إلى الباطن


المدخل: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ} – تسوية المادة شرط لنفخ المعنى. الأرض فراش والسماء بناء: تقابل بين المتناهي واللامتناهي.


القاعدة: البصيرة العرفانية هي إدراك البناء من خلال الفراش، وإدراك الروح من خلال الجسد.



خامسًا: البُعد الأخلاقي – التفاعل المسؤول مع التقابل


البيان: التقابل تكليف، وامتحان، وميزان مسؤولية: "إما شاكرا وإما كفورا".


القاعدة: البصيرة أخلاقية لأنها تُمكِّنك من الاختيار الواعي بين الخير والشر.



سادسًا: البُعد الديني – الإيمان والبصيرة


الرؤية النبوية: "اللهم اجعل البصيرة في ديني" – الدين بلا بصيرة قد يتحول إلى قشر.


القاعدة: صلاح الدين بصلاح البصيرة، والبصيرة هبة من الله تُكتسب بالتفقه.



سابعًا: البُعد التطبيقي – البصيرة فعلٌ ومسار


الشاهد التطبيقي: العامل على غير بصيرة كمن يسير بلا طريق، لا يزيده الإسراع إلا بعدًا.


القاعدة: لا فائدة في العمل بلا رؤية، ولا نفع في الحركة بلا هدى.



ثامنًا: البُعد العملي – مراحل البصيرة


البصيرة تبدأ من:


النية الصادقة


الفكر السليم


الشعور النقي


العمل الموافق



القاعدة: البصيرة ليست فكرة بل تكوين متكامل يبدأ من الداخل ويُترجم إلى الخارج.



تاسعًا: البُعد البياني – المنهج القرآني في عرض التقابل


القرآن يعرض التقابل بثلاث صور:


تقابل لفظي ومعنوي (الضحك والبكاء، الحياة والموت)


تقابل معنوي فقط (الهدى والضلال)


تقابل رمزي (الأرض فراشًا والسماء بناءً)



القاعدة: البيان القرآني لا يُلقي تقابلًا إلا ليقود إلى تمييز واختيار.




---


إعادة الصياغة المنهجية للنص


العنوان: "البصيرة والعمى: منهج استقرائي في التقابل الكوني"


المقدمة: قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} لا يُقدَّم بوصفه وصفًا جسديًا، بل قاعدة كونية تُفَصِّل الحياة إلى طريقين: طريق الوعي، وطريق الغفلة. ومن هذه القاعدة ينبثق المنهج الاستقرائي في فهم التقابل الكوني في القرآن، وفي حياة الإنسان.


أولًا: مستويات التقابل


1. تقابل النوايا: نيةٌ ترى الحق، وأخرى تتعامى عنه.



2. تقابل المشاعر: شعورٌ يتفاعل مع نور الله، وآخر يتجمد في الظلام.



3. تقابل الفكر: عقلٌ مبصر بالحكمة، وآخر غارق في الوهم.



4. تقابل العمل والسلوك: عملٌ على بصيرة، وآخر على عمى.




ثانيًا: منطق التقابل


التقابل في القرآن مستمد من فعل الله وفعل العبد.


كل فعل من العبد إمّا أن ينسجم مع فعل الله أو يضاده.


التقابل يُفجّر التكليف، ويطلق الإرادة، ويحرك الطاقة باتجاه الشكر أو الكفر.



ثالثًا: البصيرة وعالم الرؤية


البصيرة ليست مجرد رؤية داخلية، بل اتصال شامل:


نيتي معهم


مشاعري معهم


أفكاري معهم


عملي معهم



إذا تحقق هذا الاتصال، أصبح الإنسان ممن "يبصرون بالدموع".



رابعًا: مراتب البصيرة


البصيرة الدينية: فقه في الدين.


البصيرة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية: إدراك الواقع بنورٍ من الحق.


البصيرة القلبية والعقلية: توحد بين القلب والعقل يُنتج رؤية نافذة.



خامسًا: مفتاح البصيرة


"تفقهوا في دين الله فإن الفقه مفتاح البصيرة".


صلابة الإيمان هي صلابة البصيرة، كما في شهادة الإمام الصادق في العباس عليه السلام.


ليست هناك تعليقات: