السؤال:
هل اتخاذ الإله نزوع فطري، أم أنه خيار إرادي عارض؟
الجواب الاستقرائي :
قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ) (الجاثية: 23)، ليس مجرد وصف لحالة شاذة، بل هو خريطة تكوينية–سلوكية، ترسم للإنسان جهتين متقابلتين: جهة الفطرة الإلهية، وجهة الانحراف الهوائي.
أولاً: المفاهيم التكوينية
1. اتخاذ الإله: حركة وجودية كونية، منطبعة في بنية الإنسان كنداء داخلي متكرر، نابع من الفعل الإلهي في الفطرة.
2. الفطرة: ليست مجرّد ميل، بل هي قانون جذب وجودي نحو الإله الحق (الله).
3. الهوى: ليس شعورًا عابرًا، بل هو بديل مزيف يقدَّم على أنه إله، حين يُهمَل صوت الفطرة.
ثانياً: المواقف الوجودية
الإنسان بين نسختين:
1. نسخة اللاهوت: إذا أمسك بها، كان اتخاذه للإله مطابقًا لحقيقة التوحيد.
2. نسخة الهوى: إذا انساق إليها، كان اتخاذه للإله خاضعًا لظلمات الوهم.
ثالثاً: القاعدة الناظمة
1. "كل من لم يُمسك بنسخة اللاهوت، وقع في نسخة الهوى."
2. فـ"اتخاذ الإله" ضرورة، لكن جهة الاتخاذ تُحدِّد المصير: إما عروج، أو هبوط.
رابعاً: اللطائف والاستبصارات
1. اتخاذ الإله نزوع فطري، لكن اتخاذ الهوى إلهًا انحراف إدراكي–عملي.
2. الآية لم تنفِ الفطرة، بل كشفت كيف يُحرّفها الإنسان باختياره.
3. الهوى لا يُعبد لذاته، بل لأنه يتقمّص صورة "الإله" حين تضعف البصيرة.
خامساً: الإشارات التأملية
1. الكرامة: أثر مباشر من نسخة اللاهوت، فهي فعل إلهي متجلي في الوجود الإنساني المتصل بالله.
2. السحر: نتاج نسخة الهوى، تحايل وجودي يتقمّص المظهر الروحي، لكنه مفصول عن الله.
سادساً: النكتة المعرفية
1. لا فراغ في حركة "اتخاذ الإله": إما الله، أو الهوى.
2. هذا يعيد تعريف "الحرية" بأنها ليست انتفاء الإله، بل اختيار بين إلهين: الحق أو الباطل.
سابعاً: الصدرات المنهجية
1. اتخاذ الإله نزوعٌ مركوز في التكوين، وكل انحراف عنه ليس بسبب انتفاء الداعي، بل بسبب انحراف الإدراك أو التلقي.
2. الفطرة فعل إلهي دائم، والهوى طارئ بشري متكرر.
الخاتمة الاستقرائية:
منهج الآية يرسم طريق التمييز بين الطيب والخبيث، وبين الإيمان والعمل الإلهي، وبين الانحراف السلوكي الذي يجعل من الإنسان عابدًا لما يشتهيه، لا لما يُؤمَر به.
فكل كرامة من إشراق اللاهوت، وكل عقدة من ظلمات الهوى.
وهنا تنكشف للعارف سُننية اتخاذ الإله: إنها فطرة في الأصل، واختبار في المسير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق