السلوك: ماهيته، أنواعه، وآثاره في ضوء العقل والوحي
تعريف السلوك:
السلوك هو كل فعل أو ردّ فعل يصدر عن الكائن الحي، ويكون عادةً مرتبطًا بالبيئة المحيطة به. وقد يكون هذا السلوك واعياً أو غير واعٍ، طوعيًا أو غير طوعي، ظاهرًا أو خفيًا.
خصائص السلوك:
يؤثّر السلوك في العالم الخارجي، ويترك أثرًا راجعًا في نفس الكائن، فيكوِّن ما يُعرف بـ"النفس الراجعة ". ومن هنا تنشأ العديد من التفاعلات والمشكلات بين الأفراد، بناءً على اختلاف أنماط السلوك.
أنواع السلوك:
السلوك الإجرائي: استجابة لمثير خارجي.
السلوك الفضولي: مدفوع برغبة داخلية في المعرفة.
السلوك المقصود والمدبَّر: ناتج عن تخطيط ونيّة.
قوانين السلوك:
ذُكرت في علم السلوك قوانين تنظّم آلياته، منها:
1. القوانين الساكنة
2. القوانين المتحرّكة
3. قوانين التفاعل
وكلّها تعبّر عن تفاعل الإرادة مع المحيط، واستجابة النفس للمؤثرات وفق منظومة قيمية ومعرفية.
السلوك في ضوء القرآن الكريم:
السلوك في القرآن لا يُفهم فقط على أنه تصرّف خارجي، بل هو طريق وجودي، ومسلك تكويني نحو النور أو الظلمة، نحو الصلاح أو الفساد. ومن أبرز الآيات التي تعبّر عن هذا المفهوم:
"اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ" (القصص: 32):
إشارة إلى أن السلوك العملي المأمور به من الله، يُثمر نورًا وكرامة حتى في أبسط الحركات.
"فَاسْلُكْ سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا" (النحل: 69):
خطاب للنحل، يُبيّن أن سلوك المخلوقات يجري بوحي رباني، وبهذا السلوك تُنتج العسل:
"يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ"؛ أي أن النتائج المباركة مرتبطة بـ"السلوك المُلهم".
فالسلوك إذًا في القرآن مسلكٌ ربّاني، تتجلّى فيه الطاعة، والتدرج، والانقياد للوحي، ويكون مِعراجًا للإنسان نحو الكمال.
السلوك في الروايات الشريفة:
جاء في الأحاديث عن النبي وآله عليهم السلام ما يعمّق فهمنا للسلوك، لا كفعل فقط، بل كـ"نهج"، و"نية"، و"روح تربوية". ومن ذلك:
قال الإمام علي (عليه السلام):
"ثمرةُ التفكر الصلاحُ، ونتيجةُ الصلاحِ السلوكُ على الطريق الواضح".
أي أن السلوك هو تجلٍّ للفكر والنية، وليس مجرد تصرف منفصل.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام):
"المؤمنُ سلوكُه الحياء، وعنوانُه الوفاء"،
فالسلوك هو مقام تعبير عن الهوية الإيمانية، وليس فقط ردة فعل ظرفية.
السلوك والثقافة:
السلوك هو الوسيلة التي تُترجم بها الثقافة الاجتماعية إلى أفعال.
ويمكن تشبيهه بـ "السلك" الذي ينقل الرضى أو الغضب من الإنسان إلى الآخر أو إلى المجتمع.
فهو امتداد لما نحمله من منظومة قِيَمية، وينعكس في أفعالنا، وقد يختلف من فرد إلى آخر باختلاف الثقافة الاجتماعية التي ينتمي إليها.
السلوك والذات:
السلوك هو الطريق الذي نسلكه في حياتنا،
هو كل ما يصدر عن النفس من أفعال حسنة أو سيئة،
وقد يكون فطريًا ذاتيًا، أو مكتسَبًا من البيئة،
ويظهر في التصرفات وردود الأفعال؛
فنقول: "هذا مهذّب"، و"ذاك غير مؤدّب"، بناءً على ما يصدر من سلوك ظاهر.
السلوك والعواقب:
السلوك هو ما نفعله، أو ما لا نفعله،
وهو ما يصنع حاضرنا ويشكل مستقبلنا،
وهو العامل المباشر في نجاح الإنسان أو فشله،
في الدنيا كما في الآخرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق