السلام عليكم حاج
ورد في سورة النبأ قال تعالى:"عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)"
كيف يسألون عن شي وفيه يختلفون
وقد تبادر إلى ذهني كربلاء أنهم يعرفون الحسين وقطعو جسده ويعرفون علي ويغتصبون الخلافة ....فمن يسأل أكيد يعرف قيمة السؤال هل لهذه الآية العظمية علاقة بآل البيت؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.
سؤالكم دقيق وعميق، لأنّه يتناول جوهر المعنى القرآني في ضوء البصيرة العرفانية والمعرفة الولائية.
دعني أقدّم لك الجواب بصياغة منهجية تحليلية تجمع بين البيان القرآني والبعد المحمدي العلوي الحسيني:
. في رحاب قوله تعالى:
﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)﴾
(سورة النبأ)
. أولًا: في معنى التساؤل
"عمّ يتساءلون" ليست استفهامًا عن جهل، بل عن دهشةٍ كبرى أمام الحقيقة؛ فالتساؤل هنا بمعنى التحيّر أمام أمرٍ ظاهرٍ جليٍّ في نفسه، لكنّ الناس اختلفوا في تأويله وموقعه.
أي أن السؤال ليس عن “ما هو؟” بل عن “من هو؟” و“لماذا هو؟”
ثانيًا: ما هو “النبأ العظيم”؟
في تفسير أهل البيت (عليهم السلام)، ورد عن الإمام علي (ع):
"أنا والله النبأ العظيم الذي فيه اختلفتم، وعلى ولايتي تنازعتم."
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (ع):
"النبأ العظيم هو الولاية التي من عرفها عرف الله ومن أنكرها أنكر الله."
إذن، النبأ العظيم هو الولاية الإلهية في الأرض،
الممثَّلة في محمد وآل محمد،
لأنهم وجه الله، وحجّته، ونوره الذي قامت به السماوات والأرض.
ثالثًا: لماذا قال: “الذي هم فيه مختلفون”؟
الاختلاف هنا ليس اختلاف جهل،
بل اختلاف موقفٍ وولاء؛
فمنهم من علم الحقّ وجحده،
ومنهم من عرف النور وطفئه عمداً.
فكما تفضلتَ في سؤالك — وهو من نفَسٍ حسينيٍّ دقيق —
فأهل الكوفة وأتباع بني أمية يعرفون الحسين (ع)،
ويعرفون نسبه ومقامه،
ولكنهم خالفوه لأنهم اختلفوا في النبأ العظيم،
أي في موقع الولاية من حياتهم وسياستهم ودينهم.
فالمعرفة كانت موجودة،
لكن الإذعان مفقود،
لأن القلب لم يخضع للنور رغم علم العقل.
رابعًا: كربلاء تجلٍّ للنبأ العظيم
كربلاء ليست واقعة دمٍ فقط، بل واقعة وعيٍ للنبأ العظيم.
فمن وقف مع الحسين (ع) فقد آمن بالنبأ العظيم،
ومن قاتله فقد أنكر النبأ العظيم وهو يعلمه.
ولذلك قال الإمام الحسين (ع):
"إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم."
أي أنهم يعرفون الحق، لكنهم باعوه خوفاً أو طمعاً.
فكربلاء هي المرآة التي كشفت حقيقة الاختلاف القرآني:
﴿الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾
اختلاف ولاءٍ بين جند الله وجند الشيطان.
خامسًا: البعد الكوني في “النبأ العظيم”
النبأ العظيم هو سرّ الخلق والرجوع:
فبه بدأ الله الأمر، وبه يُختتم.
هو محمد وآل محمد (ع) في مراتبهم النورية،
وفي زماننا الحجة بن الحسن (عج)،
الذي يُظهر معنى النبأ العظيم في تمامه،
حين يظهر الحقّ ظاهراً على كل دين.
الخلاصة المنهجية:
التساؤل في الآية ليس عن جهل بل عن موقفٍ من الحقيقة.
النبأ العظيم هو الولاية الإلهية المحمدية العلوية.
“الذين اختلفوا فيه” هم من عرفوا النور وأنكروه.
كربلاء هي المظهر التاريخي الأعظم لهذا الاختلاف.
كل من يقف مع الولاية اليوم هو من أهل النبأ العظيم، وكل من يعاديها فهو في الاختلاف القرآني ذاته.
الخاتمة الروحية:
النبأ العظيم هو الحسين في تجلّيه، وعلي في أصله، ومهديّ آل محمد في رجعته.
فكل من سأل عن النبأ العظيم ولم يعرفه، سيجده واقفًا يوم القيامة يقول:
"أنا ابن النبأ العظيم، أنا الحسين بن علي."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق