السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لماذا أنا هنا؟ولماذا في هذه المدينة بالذات؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حياكم الله.
1. لأن الوجود سلسلة واحدة لا انقطاع فيها.
قال الله سبحانه:
﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾،
أي أن أصل الخليقة واحد، وكل ما يأتي بعده امتداد لتلك النفس الأولى.
فالوجود ليس حوادث عشوائية، بل سلسلة حيّة متصلة، كل حلقة منها تلد الأخرى بترتيبٍ حكيم، «يَلِدُ ولم يُولَد»، بمعنى أن الله هو الأصل الأول الذي تفرّعت منه سائر الأسباب.
2. أنت امتداد في النسب، لا مصادفة في المكان.
﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾، فتوالدت منها.
بيَّن الله أنه بعد هذا التوالد الزوجي صار التحوّل من الخلق إلى البثّ:
﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾.
فوجودك في هذه المدينة، وفي هذا الزمان، ليس صدفة، بل هو نتاج نسبٍ وسلسلةٍ أرادها الله لك:
نسب الجسد من آبائك وأمهاتك،
ونسب العقل، وهو الأدب والثقافة والحضارة والبيئة،
ونسب الروح، وهو السبب من أصل الفطرة الأولى.
فالله قدّر لك أن تكون في هذا الموضع لأن فيه سببًا من أسباب تكاملك، فلك هنا رسالة، أو لقاء، أو تجربة تُنضج روحك.
3. التوالد ثلاثة أنواع: نسبي، وأدبي، وسببي.
•التوالد بالنسب: هو ولادة الأجساد من أصل واحد، امتداد الدم والعرق والجينات.
• التوالد بالأدب (بيئتك، لغتك، حضارتك، ثقافتك): هو ولادة المعاني والأنوار من المعلمين والأنبياء والأولياء، أي سلسلة الهداية.
• التوالد بالسبب: وهو الفطرة والنفس الواحدة.
فكما أن الجسد جاء من أبٍ وأمّ، كذلك الروح تُولد بالمعنى من "آباء الأدب"، من المعلمين الذين يغذّونها بالعلم والنور.
ولهذا نقول عن المعلم: هو "أبو الروح".
4. وجودك في مكانك هو جزء من السبب:
المدينة التي أنت فيها ليست جغرافيا فحسب، بل ساحة امتحان وظهور لمعناك.
قد يكون فيها من يُكمّل تجربتك، أو من تحتاج أن تتعلّم منه الصبر أو الرحمة أو الفهم.
فالله يوزّع عباده في الأمكنة كما تُوزَّع الحروف في الكلمة: كل حرف في موضعه ليكتمل المعنى.
وقد تشير الروايات إلى أنه لو خُيّر الناس لاختاروا ما هم عليه من مكان وزمان وبيئة وتمكين وصلاح أو فساد، وكفور أو شكور، وتقوى أو فجور، فكلّها أفعال وقرارات واختيارات الإنسان التي يعلمها الله.
خلاصة القول:
أنت لست هنا صدفة، بل هنا لحكمة.
جئت من سلسلة نسبٍ جسدية، وسلسلةٍ أدبيةٍ معنوية، وكلاهما من إرادة الله.
فحيثما وُجدت، فاعلم أنك في الموضع الذي أراده الله لتثمر فيه.