الخميس، 30 أكتوبر 2025

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لماذا أنا هنا؟
ولماذا في هذه المدينة بالذات؟

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حياكم الله.

1. لأن الوجود سلسلة واحدة لا انقطاع فيها.
قال الله سبحانه:
﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾،
أي أن أصل الخليقة واحد، وكل ما يأتي بعده امتداد لتلك النفس الأولى.
فالوجود ليس حوادث عشوائية، بل سلسلة حيّة متصلة، كل حلقة منها تلد الأخرى بترتيبٍ حكيم، «يَلِدُ ولم يُولَد»، بمعنى أن الله هو الأصل الأول الذي تفرّعت منه سائر الأسباب.

2. أنت امتداد في النسب، لا مصادفة في المكان.
﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾، فتوالدت منها.
بيَّن الله أنه بعد هذا التوالد الزوجي صار التحوّل من الخلق إلى البثّ:
﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾.
فوجودك في هذه المدينة، وفي هذا الزمان، ليس صدفة، بل هو نتاج نسبٍ وسلسلةٍ أرادها الله لك:
نسب الجسد من آبائك وأمهاتك،
ونسب العقل، وهو الأدب والثقافة والحضارة والبيئة،
ونسب الروح، وهو السبب من أصل الفطرة الأولى.
فالله قدّر لك أن تكون في هذا الموضع لأن فيه سببًا من أسباب تكاملك، فلك هنا رسالة، أو لقاء، أو تجربة تُنضج روحك.

3. التوالد ثلاثة أنواع: نسبي، وأدبي، وسببي.
•التوالد بالنسب: هو ولادة الأجساد من أصل واحد، امتداد الدم والعرق والجينات.

• التوالد بالأدب (بيئتك، لغتك، حضارتك، ثقافتك): هو ولادة المعاني والأنوار من المعلمين والأنبياء والأولياء، أي سلسلة الهداية.

• التوالد بالسبب: وهو الفطرة والنفس الواحدة.
فكما أن الجسد جاء من أبٍ وأمّ، كذلك الروح تُولد بالمعنى من "آباء الأدب"، من المعلمين الذين يغذّونها بالعلم والنور.
ولهذا نقول عن المعلم: هو "أبو الروح".

4. وجودك في مكانك هو جزء من السبب:
المدينة التي أنت فيها ليست جغرافيا فحسب، بل ساحة امتحان وظهور لمعناك.
قد يكون فيها من يُكمّل تجربتك، أو من تحتاج أن تتعلّم منه الصبر أو الرحمة أو الفهم.
فالله يوزّع عباده في الأمكنة كما تُوزَّع الحروف في الكلمة: كل حرف في موضعه ليكتمل المعنى.
وقد تشير الروايات إلى أنه لو خُيّر الناس لاختاروا ما هم عليه من مكان وزمان وبيئة وتمكين وصلاح أو فساد، وكفور أو شكور، وتقوى أو فجور، فكلّها أفعال وقرارات واختيارات الإنسان التي يعلمها الله.

خلاصة القول:
أنت لست هنا صدفة، بل هنا لحكمة.
جئت من سلسلة نسبٍ جسدية، وسلسلةٍ أدبيةٍ معنوية، وكلاهما من إرادة الله.
فحيثما وُجدت، فاعلم أنك في الموضع الذي أراده الله لتثمر فيه.

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف تكون معرفة الله فطرية، ونحن نرى قبائل بدائية وثنية لا تعرف التوحيد؟




السلام عليكم حياكم الله في ميدان الجواب أقول بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وعلى آل محمد

أولًا: أصل الفطرة لا يعني بقاءها بلا انحراف
معرفة الله موجودة في أصل الخِلقة، كما قال تعالى:
«فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا»
لكن الإنسان قد يحجب فطرته بالجهل، أو بالبيئة، أو بالاتباع الأعمى.
فالفطرة تظل موجودة في العمق، حتى لو تراكم عليها غبار الانحراف.

ثانيًا: قوله تعالى (كان الناس أمةً واحدة فبعث الله النبيين)
الآية تشير إلى أن الناس في البداية كانوا على فطرة سليمة، ثم اختلفوا وتباينوا في طرقهم، فبعث الله الأنبياء ليعيدوا الناس إلى الصفاء الأول، إلى النور الذي في داخلهم.
فالمشكلة ليست في "غياب الفطرة"، بل في نسيانها أو تغطيتها، ولهذا سُمّي الكفر "كفرًا" أي تغطية.

ثالثًا: الناس منذ البدء ثلاثة خطوط
الخط الأول: منصف لفطرته
وهم الذين حافظوا على صفاء الحس والعقل والشعور الإنساني، فبنوا حضارات، وكانوا أوعيةً لوحي السماء.
من بينهم خرج الأنبياء والأوصياء، ولهذا قال تعالى:
«إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا...»
فاختيار آدم دليل أن هنالك مجتمعًا بشريًا فيه طيبون وخبيثون، فاختار الله من بينهم الصفوة.
الخط الثاني: المخالف لفطرته عن علم
يعرف أن فطرته سليمة، لكنه يعاندها، فيكذب ويسرق ويظلم، وهو يدرك خطأه.
هؤلاء في كل زمان، حتى بين المؤمنين، تجد من يؤمن بالله بلسانه، لكن سلوكه يخالف نور فطرته.
الخط الثالث: المختلف عن نظام الفطرة
وهو من غابت عنه البصيرة تمامًا، فصار يعيش في ظلمات الجهل، لا يميّز الحق من الباطل، فيعبد الحجر أو النار أو نفسه.
هذا النوع لا يخلو منه زمن، ولكن الله يبعث الأنبياء ليُسمع نداء الفطرة من جديد في آذانهم.

رابعًا: الفطرة تُنادي دائمًا
حتى في القبائل الوثنية، ستجد في عمقهم شعورًا بوجود قوة عليا، وإحساسًا بالرهبة من الغيب.
ذلك هو صوت الفطرة، لكنهم ضلّوا في تحديد المعبود.
فهم لم ينكروا أصل الإله، بل أخطؤوا في الطريق إليه.

خلاصة الجواب:
معرفة الله فطرية، أي مغروسة في النفس من أصل الخلق.
لكن الناس تتفاوت في الاستجابة لها:
منهم من صفا قلبه فاتصل بالفطرة،
ومنهم من غطاها بالهوى،
ومنهم من ضيّعها حتى أظلم قلبه.
والأنبياء جاؤوا لإيقاظ الفطرة لا لزرعها، فهي مزروعة منذ قال الله:
«أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالوا بلى».


 السلام عليكم و رحمة الله ..

ما هو أثر حفظ زيارات أهل البيت (عليهم السلام) على حياة الإنسان كزيارة أمين الله عاشوراء وراث او زيارة الزهراء و قراءتها بعد كل صلاة أو حفظ الأدعية أيضًا ....
جزاكم الله خيرًا…




وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
سؤالك جميل وعميق، لأنّه يمسّ لبّ السير الروحي في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، فحفظ الزيارات والأدعية ليس مجرد تكرار ألفاظ، بل هو سلوك قلبٍ وتربية وجدان واتصال بنور الولاية.
إليك بيان الأثر على ضوء التجربة العرفانية والعلم الروحي لأهل البيت (ع):

أولاً: أثر الحفظ على الوعي القلبي والمعرفي
عندما يحفظ الإنسان زيارات مثل أمين الله، عاشوراء، وارث، الزهراء، فهو في الحقيقة يحفظ صورة معرفية متكاملة للتوحيد والولاية.
كل زيارة من هذه الزيارات هي درس في العقيدة والسلوك:
زيارة أمين الله: تُعلّمك أدب الدخول على مقام الولاية، وتربط العبادة بالإخلاص، وتغرس في القلب أدب الحضور بين يدي الله وأوليائه.
زيارة عاشوراء: تُعلّمك معنى البراءة من الباطل والولاء للحق، وهي زيارة المجاهدين في الباطن، لأنها تزرع في القلب الشجاعة في مواجهة النفس الظالمة.
زيارة وارث: تجعلك تعي سلسلة النور الإلهي الممتدة من آدم إلى الحسين، فتربط التاريخ الإلهي كله بمسيرة التوحيد.
زيارة الزهراء (ع): تُصفّي البصيرة وتُنمّي الحياء القلبي، لأنها عبير الطهارة الأنثوية النورية.
فحفظها يعني أن معانيها تُصبح جزءًا من وعيك الداخلي، تُعيد تشكيل نظرتك للحياة والناس والآخرة.

ثانيًا: أثرها على الاستقرار النفسي والطمأنينة
الإنسان إذا عاش مع هذه النصوص يوميًا، خصوصًا بعد كل صلاة، يبدأ عقله الباطن بامتصاص نغمها القدسي.
تتبدّل حالاته الداخلية،
ويخفّ قلقه وخوفه،
ويجد أن حضور المعصومين (ع) في وجدانه يسكّن اضطراباته.
"من واظب على قراءة زيارة أمين الله بعد الصلاة، أحسّ بأن الصلاة امتدت، كأنها لم تنتهِ، بل استقرت في القلب."

ثالثًا: أثرها في تصفية النفس ومجاهدة الهوى
الزيارات ليست دعاءً فحسب، بل منهاج تربية:
فيها تولي وبراءة، وفيها عرفان بالله وأوليائه، وفيها ذِكر لصفات المؤمنين، ووصفٌ لحال المخلصين.
فمن حفظها واستحضرها، صار له ميزانٌ يزن به نفسه:
هل هو على خُطى أولياء الله أم على طريق الغفلة؟
ولذلك ترى أهل السلوك يجعلون حفظ الأدعية والزيارات سلاحًا للنفس، لأنها تُوقظ البصيرة حين تميل إلى الغفلة.

رابعًا: أثرها على البركة في العمل والرزق والعلاقات
من حافظ على زيارة المعصومين (ع) بصدق ومحبة، نُسج له سترٌ من اللطف في دنياه.
يُبارك الله في رزقه لأن روحه متصلة بمعدن العطاء.
وتُصلح علاقته بالناس لأن قلبه مطعَّم بلين الولاية.
وتُيسر له أبواب الفهم، لأن المعاني النورانية تصير جارية في لسانه.
يقول بعض الأولياء:
"من داوم على زيارة عاشوراء أربعين يومًا بخشوع، أراه الله أثرها في دنياه قبل آخرته."

خامسًا: أثر حفظ الأدعية
حفظ الأدعية مثل دعاء كميل، دعاء الصباح، العهد، الجوشن الصغير والكبير، يُنشئ في الإنسان لغة جديدة مع الله، لغة وجدانية حية.
يصبح الدعاء حديثًا قلبيًا تلقائيًا، لا يحتاج إلى ورق ولا ترتيب، لأن المعاني صارت في القلب.
وحين تتأصل هذه اللغة، يُصبح القلب دائم الدعاء ولو صمت اللسان.

الخلاصة:
الذكر بلا فهم يورث الثواب،
والذكر مع الفهم يورث النور،
أما الذكر مع الحب، فيورث القرب.
فحفظ الزيارات والأدعية، مع تدبرها واستحضار أهلها، هو طريق القرب، وطريق تهذيب النفس وارتقائها، لأن الإنسان إذا حفظ كلامهم، سكن نورهم في قلبه.


 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مولاي العزيز.. .
قرأت أحد عباراتك التي تقول: سرُّ النجاح والتوفيق بالعناية الإلهية، أن تكون مع الناس كالطبيب: يعالجُ المرضَ ليُحيي المريض، لا أن يقتل المريضَ وتبقى العِلّة.
فتبادر في ذهني سؤال:
كيف نعالج المرض ليحيى المريض؟




وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته حبيبي
أوّلًا: معنى "نعيش الأسماء"
العيش بالأسماء يعني أن يتخلّق الإنسان بصفاتٍ من معانيها، لا أن يكتفي بذكرها باللسان.
يعني أن يكون الاسم الإلهي حالةً يعيشها القلب وسلوكًا يظهر في الواقع.
فإذا قلت "يا شافي"، فالمطلوب أن ترى في كل دواءٍ وفي كل دعاءٍ أثر الرحمة الإلهية التي تشفي، وأن تتعامل مع نفسك والناس بروح الشفاء لا الإيذاء.
ثانيًا: كيف نعيش اسم "الشافي"
اسم الشافي ليس فقط لمن يمرض جسدًا، بل لمن يحتاج شفاءً في قلبه، فكره، أو علاقاته.
أن تعيش هذا الاسم يعني:
أن تكون سببًا في شفاء الآخرين، بكلمةٍ طيبة، بابتسامة، بعونٍ أو بدعاء.
أن لا تزيد مريضًا مرضًا، ولا حزينًا حزنًا، ولا جاهلًا جهلًا.
أن ترى في كل إنسانٍ نقطة نور تنتظر الشفاء، فتدعو لها بدل أن تحكم عليها.
حينها يصبح وجودك دواءً لا داء، ومجالستك راحةً لا رهقًا.
ثالثًا: كيف لا نُمرِض المريض
أحيانًا الناس تذكر اسم الله “الشافي” وهي تُمرِض باللسان — تذكّر المريض بضعفه، تُشعره باليأس، أو تذكّره بالموت بدل الأمل.
وهذا مخالف لروح الاسم.
من يعيش الاسم حقًّا، يوقظ الأمل في القلوب، ويُشعر المريض أن الله أقرب إليه من أنينه.
فالذكر الحقيقي ليس تكرار الحروف، بل استحضار المعنى في الموقف.
رابعًا: خلاصة العرفان
أن تعيش اسم الشافي يعني أن تكون بلسمًا في الوجود.
تشفي بالرحمة، بالكلمة، بالنظرة، وبالإيمان بأن الله هو الفاعل في كل شفاء.
فإذا صرت أنت رحمةً تمشي، شفى الله بك — وبهذا لا تبقى أنت الداعي فقط، بل المجرى الذي يسري فيه الشفاء.


 السلام عليكم حجينا ممكن سؤال هل أصبح الإنترنت مصدرًا رئيسيًا لتشكيل ثقافة الشباب والنساء أكثر من الدين والأسرة؟




وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
سؤالك جميل ومهم ، ويحمل أبعادًا اجتماعية، نفسية، تربوية ودينية.

1. البعد الاجتماعي
نعم، أصبح الإنترنت اليوم من أقوى المؤثرات الاجتماعية في تشكيل ثقافة الأفراد، خاصة الشباب والنساء، لما يقدّمه من تواصل فوري ومتنوع مع ثقافات العالم.
لقد تراجع دور الأسرة والمدرسة في بعض البيئات أمام سطوة الإعلام الرقمي الذي يعيد تعريف المفاهيم الاجتماعية — من العلاقات، إلى الأدوار، إلى نظرة الفرد لذاته.
فالعلاقات الافتراضية صارت في كثير من الأحيان بديلًا عن الحضور الأسري، مما أحدث فجوة بين الأجيال وأضعف سلطة التربية التقليدية.

2. البعد الثقافي والفكري
الإنترنت منح حرية الوصول إلى المعلومات، لكنه في الوقت نفسه فتح الباب أمام ثقافات متباينة، بعضها ينسجم مع قيم المجتمع، وبعضها يتعارض معها.
فالشباب والنساء باتوا يكوّنون قناعاتهم من خلال المحتوى الرقمي، من مؤثرين ومواقع ومنصات، أكثر مما يتلقونه من الأسرة أو المؤسسات الدينية.
هذا التحوّل جعل الثقافة الشخصية هجينًا بين المحلي والعالمي، بين الأصالة والمعاصرة، مما يخلق أحيانًا حالة من التشتت في الهوية والانتماء.

3. البعد النفسي والوجداني
الانغماس في الإنترنت يولّد نوعًا من الارتباط العاطفي بالمحتوى الرقمي؛ فالمتابع يشعر بالقرب من صُنّاع المحتوى أكثر من أفراد أسرته أحيانًا.
تُستبدل القدوات الواقعية بقدوات افتراضية، مما يؤثر على المنظومة الوجدانية والقيمية للشخص.
وفي المقابل، يمكن للوعي الذاتي والإيمان الداخلي أن يجعلا الفرد قادرًا على التوازن بين التأثر بالعالم الرقمي وبين الحفاظ على ذاته وقيمه.

4. البعد الديني والقيمي
الدين ما زال يحتفظ بقوته كمنظومة روحية وأخلاقية، لكنه يواجه تحدّي المنافسة الرقمية؛ حيث تتداخل الأصوات والمفاهيم وتضيع المرجعيات.
غير أن الإنترنت نفسه يمكن أن يكون منبرًا للدين، إذا استُعمل بوعي ومسؤولية، فهناك دعاة ومبادرات رقمية ناجحة أعادت تقديم الدين بروح العصر.
الرهان اليوم ليس على المنع، بل على التأصيل الرقمي للقيم — أن نحمل الدين إلى الفضاء الإلكتروني، لا أن نهرب منه.

5. البعد التربوي والوقائي
من المهم أن تُعاد صياغة التربية لتشمل التربية الرقمية، بحيث يتعلّم الأبناء والنساء كيف يستخدمون الإنترنت بوعي نقدي وأخلاقي.
الأسرة والمربي لم يعودوا مصدرًا وحيدًا للمعلومة، لكن يمكنهم أن يكونوا الميزان الذي يزن ما يُستقبل من الشبكة.
فالمسؤولية التربوية اليوم لا تقتصر على الحماية من الخطر، بل على التمكين من التمييز بين النافع والضار في هذا الفضاء المفتوح.

خلاصة وجدانية:
الإنترنت اليوم ليس عدوًا ولا صديقًا، بل مرآة لوعينا؛ من دخله بعقلٍ ناقدٍ وقلبٍ مؤمن، خرج أكثر وعيًا،
ومن دخله بلا بوصلة، تاه في زحام الصور والأصوات.
الدين والأسرة لم يفقدا مكانتهما، لكن عليهما أن يجلسا إلى طاولة العصر، ويتكلّما بلغة الجيل لا بلغة الماضي.


 السلام عليكم  حجينا  كيف أثّرت العولمة الرقمية وانتشار الإنترنت على هوية الشباب الدينية والقيم الأخلاقية؟




وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته
سؤالك عميق ولطيف ، ويتناول قضية تمسّ وجدان الشباب وهويتهم في زمن العولمة الرقمية، لذا إليك إجابة ذات أبعاد وجدانية، أخلاقية وتربوية:

البعد الوجداني
العولمة الرقمية جعلت العالم قرية صغيرة، لكنها أيضًا فتحت أبوابًا واسعة أمام تيارات فكرية وثقافية متضاربة. الشاب اليوم يعيش حالة تداخل وجداني بين ما يتلقّاه من قيم عبر الإنترنت، وما تربّى عليه في بيئته الدينية والاجتماعية.
هذه الحالة تولّد صراعًا داخليًا: بين الانبهار بعالم الانفتاح، والرغبة في الحفاظ على الهوية والإيمان. كثير من الشباب يشعرون بفراغ روحي رغم كثافة التواصل الافتراضي، لأن الروح لا تُغذّى بالصور والكلمات، بل بالمعنى والسكينة.

البعد الأخلاقي
الفضاء الرقمي منح حريةً غير مسبوقة، لكنها حرية منزوعة الضوابط الأخلاقية في كثير من الأحيان. سهولة الوصول للمحتوى جعلت الحدود بين الخير والشرّ، والحقّ والباطل، أكثر ضبابية.
في المقابل، هناك شباب استطاعوا تحويل التقنية إلى منبرٍ للقيم، فاستثمروا الإنترنت في الدعوة، والتطوع، ونشر الخير. فالمسألة ليست في الأداة، بل في النية والوعي الأخلاقي عند المستخدم.
فالشاب الذي يمتلك بوصلة قيمية راسخة، يستطيع أن يسير في بحر العولمة دون أن تبتلّ قدماه بماء التيه.

البعد التربوي
من الواجب التربوي اليوم ألا نغلق الباب على العالم، بل أن نعلّم أبناءنا فنّ الاختيار والتمييز. التربية لم تعد تلقينًا، بل مرافقةً واعية تعلّم الشاب كيف يفكّر، لا ماذا يفكّر.
من الضروري أن تُزرع في الجيل روح النقد الإيجابي، والقدرة على التمييز بين المعلومة المضلِّلة والحقّ، بين الشهرة والقيمة، وبين الحرية والانفلات.
فالعولمة الرقمية يمكن أن تكون مدرسة للتنوير أو هاوية للضياع، والفيصل هو في التربية التي تزرع في النفس الإيمان بالعقل والضمير معًا.

خلاصة وجدانية
الإنترنت مرآة للإنسان؛ من نظر فيه بعين الإيمان رأى وسيلة للخير، ومن نظر بعين الغفلة رأى وهْمًا يبتلعه.
لذلك، الحفاظ على الهوية الدينية والقيم الأخلاقية في زمن العولمة لا يكون بالانغلاق، بل بالتجذّر في الأصل والانفتاح بوعي — أن يكون الشاب متصلاً بالعالم، لكن متأصلاً في ذاته وإيمانه.


 السؤال:

كيف تكون معرفة الله فطرية، ونحن نرى قبائل بدائية وثنية لا تعرف التوحيد؟
الجواب:
السلام عليكم حياكم الله في ميدان الجواب اقول بسم الله الرحمن الرحيم والصلاه والسلام على محمد وعلى ال محمد
أولًا: أصل الفطرة لا يعني بقاءها بلا انحراف
معرفة الله موجودة في أصل الخِلقة، كما قال تعالى:
«فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا»
لكن الإنسان قد يحجب فطرته بالجهل، أو بالبيئة، أو بالاتباع الأعمى.
فالفطرة تظل موجودة في العمق، حتى لو تراكم عليها غبار الانحراف.
ثانيًا: قوله تعالى (كان الناس أمةً واحدة فبعث الله النبيين)
الآية تشير إلى أن الناس في البداية كانوا على فطرة سليمة، ثم اختلفوا وتباينوا في طرقهم، فبعث الله الأنبياء ليعيدوا الناس إلى الصفاء الأول، إلى النور الذي في داخلهم.
فالمشكلة ليست في "غياب الفطرة"، بل في نسيانها أو تغطيتها، ولهذا سُمّي الكفر "كفرًا" أي تغطية.
ثالثًا: الناس منذ البدء ثلاثة خطوط
الخط الأول: منصف لفطرته
وهم الذين حافظوا على صفاء الحس والعقل والشعور الإنساني، فبنوا حضارات، وكانوا أوعيةً لوحي السماء.
من بينهم خرج الأنبياء والأوصياء، ولهذا قال تعالى:
«إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا...»
فاختيار آدم دليل أن هنالك مجتمعًا بشريًا فيه طيبون وخبيثون، فاختار الله من بينهم الصفوة.
الخط الثاني: المخالف لفطرته عن علم
يعرف أن فطرته سليمة، لكنه يعاندها، فيكذب ويسرق ويظلم، وهو يدرك خطأه.
هؤلاء في كل زمان، حتى بين المؤمنين، تجد من يؤمن بالله بلسانه، لكن سلوكه يخالف نور فطرته.
الخط الثالث: المختلف عن نظام الفطرة
وهو من غابت عنه البصيرة تمامًا، فصار يعيش في ظلمات الجهل، لا يميّز الحق من الباطل، فيعبد الحجر أو النار أو نفسه.
هذا النوع لا يخلو منه زمن، ولكن الله يبعث الأنبياء ليُسمع نداء الفطرة من جديد في آذانهم.
رابعًا: الفطرة تُنادي دائمًا
حتى في القبائل الوثنية، ستجد في عمقهم شعورًا بوجود قوة عليا، وإحساسًا بالرهبة من الغيب.
ذلك هو صوت الفطرة، لكنهم ضلّوا في تحديد المعبود.
فهم لم ينكروا أصل الإله، بل أخطؤوا في الطريق إليه.
خلاصة الجواب:
معرفة الله فطرية، أي مغروسة في النفس من أصل الخلق.
لكن الناس تتفاوت في الاستجابة لها:
منهم من صفا قلبه فاتصل بالفطرة،
ومنهم من غطاها بالهوى،
ومنهم من ضيّعها حتى أظلم قلبه.
والأنبياء جاؤوا لإيقاظ الفطرة لا لزرعها، فهي مزروعة منذ قال الله:
«أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالوا بلى».



 السؤال /لماذا أنا هنا؟ ولماذا في هذه المدينة بالذات؟

  الجواب: لماذا أنا هنا؟
١. لأن الوجود سلسلة واحدة لا انقطاع فيها
الله سبحانه قال:
«خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ»
أي أن أصل الخليقة واحد، وكل ما يأتي بعده امتداد لتلك النفس الأولى.
فالوجود ليس حوادث عشوائية، بل سلسلة حيّة متصلة، كل حلقة منها تلد الأخرى بترتيبٍ حكيم، "يَلِدُ ولم يُولَد" بمعنى أن الله هو الأصل الأول الذي تفرّعت منه سائر الأسباب.
٢. أنت امتداد في النسب، لا مصادفة في المكان  وخلق منها زوجها. فتوالدت  (منها) الله بين انه بعد هذا التوالد الزوجي صار التحول من الخلق للبث وبث فيها رجال كثير ونساء وجود 
وجودك في هذه المدينة، وفي هذا الزمان، ليس صدفة، بل هو نتاج نسبٍ وسلسلةٍ أرادها الله لك:
نسب الجسد من آبائك وأمهاتك،
ونسب العقل  وهو الادب. والثقافة والحضارة والبيئة
ونسب الروح وهو السبب من أصل الفطرة الأولى.
فالله قدّر لك أن تكون في هذا الموضع لأن فيه سببًا من أسباب تكاملك، فلك هنا رسالة، أو لقاء، أو تجربة تُنضج روحك.
٣. التوالد ثلاث انواع : نَسَبي وأدَبي وسببي
التوالد بالنسب: هو ولادة الأجساد من أصل واحد، امتداد الدم والعرق والجينات.
التوالد بالأدب (بيئتك لغتك. حضرتك ثقافتك ): هو ولادة المعاني والأنوار من المعلمين والأنبياء والأولياء، أي سلسلة الهداية.
السبب  هو الفطره والنفس الواحدة
فكما أن الجسد جاء من أبٍ وأمّ، كذلك الروح تُولد بالمعنى من "آباء الأدب"، من المعلمين الذين يغذّونها بالعلم والنور.
ولهذا نقول عن المعلم: هو أبو الروح.
٤. وجودك في مكانك هو جزء من السبب
المدينة التي أنت فيها ليست جغرافيا فحسب، بل ساحة امتحان وظهور لمعناك.
قد يكون فيها من يُكمّل تجربتك، أو من تحتاج أن تتعلم منه الصبر أو الرحمة أو الفهم.
فالله يوزّع عباده في الأمكنة كما توزّع الحروف في الكلمة: كل حرف في موضعه ليكتمل المعنى. وقد تشير الروايات لو ان الناس خير لهم لاختاروا ما عليه من مكان وزمان وبيئه وتمكين وصلاح او فساد وكفور او شكور وتقوى او  فجور فكله أفعال وقرارات واختيارات الانسان التي يعلمها الله
خلاصة القول
أنت لست هنا صدفة، بل هنا لحكمة.
جئت من سلسلة نسب جسدية، وسلسلة أدبية معنوية، وكلاهما من إرادة الله.
فحيثما وُجدت، اعلم أنك في الموضع الذي أراده الله لتثمر فيه.


 السؤال:

هل اختلاف العلماء سبب تخلف الأمة؟ وكيف نفهم قولهم: اختلاف أمتي رحمة؟
الجواب :
الاختلاف الحقيقي ليس في الدين بل في المقامات، لأن الدين هو محمد (صلى الله عليه وآله) في بدايته ونهايته ووسطه — كما ورد:
«اولنا محمد، وأوسطنا محمد، وآخرنا محمد.»
١. أصل الدين واحد، وتجلّيه متنوع
الله تعالى أنزل دينًا واحدًا منذ آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله)، كما قال:
«إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلَامُ».
فلا يوجد "اختلاف في الدين"، لأن الدين في جوهره وجه واحد هو محمدي الوجود.
ولهذا قال الأئمة (ع):
«اولنا محمد، وأوسطنا محمد، وآخرنا محمد. بل كلنا محمد »
أي أن الدين في بدايته (النبوة)، وفي وسطه (الإمامة)، وفي غايته (الولاية) هو تجلٍّ واحد لنور محمدي، تتبدّل الأسماء والوجوه، لكن الأصل واحد.
٢. الاختلاف في الدين كفرٌ، أما الاختلاف في المكان فهو سنةُ الرحمة
سُئلوا اهل البيت  (عليه السلام): فقالوا  هذا المعنى
"إذا كان اختلاف علماء أمتي رحمة، فهل توافقهم نقمة؟"
فقال:
"ليس كما ذهبت، إنما الاختلاف ليس في الدين، وإنما في المكان."
أي أن الاختلاف الذي تحدّثت عنه الروايات ليس في أصل العقيدة والشريعة، بل في المقام والموقع الوجودي:
فواحد في مقام الفقه،
وآخر في مقام الحكمة،
وثالث في مقام الذوق والعرفان،
وكلٌّ منهم يتناول الدين من زاويته الخاصة. بمعنى الاختلاف بالتخصص
فكما أن الأسماء الحسنى لله متكثرة، كذلك مظاهر العلم الديني متنوّعة.
لكنها كلها تصبّ في بحرٍ واحد، هو الحقّ المحمدي.
٣. التفاوت مقاماتٌ لا تناقضات
الاختلاف في "المكان" يعني اختلاف المراتب لا اختلاف الوجهة،
كما تختلف الكواكب في المدار لكنها كلها تدور حول الشمس.
فلو أدرك العلماء ذلك، لكان اختلافهم تكاملاً في التجليات،
أما إذا غاب عنهم الأصل المحمدي الجامع، صار اختلافهم تنازعًا في الأنا. بغيا بينهم  كما يشخص القران الكريم  المشكلة وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم.
٤. العِلْم إن لم يُربَط بالنور المحمدي يُنتج التفرّق
العالم الذي لا يرى في علمه وجهَ محمدٍ (ص)، يجعل من الفهم ساحةَ تنافس، لا ساحةَ عبادة.
أما إذا رأى أن كل علمٍ فرعٌ من شجرة النبوة، صار علمه رحمةً لا خصومة.
فالعلماء ورثة الأنبياء، لا لأنهم يحفظون النصوص،
بل لأنهم يحملون النور المحمدي في مقاماتهم.
ومن المؤكد. اختلافهم اذا بينهم يكون سبب تفرقة الامة!!
الخلاصة:
الدين في أصله واحد، وهو محمديّ الوجود.
والاختلاف المقبول هو اختلاف المقامات لا اختلاف الأصول.
الرحمة في أن يتكامل العلماء حول النور الواحد، لا أن يتنازعوا حول الأسماء.
فمن كان محمدُهُ في قلبه، كان علمه رحمة.


 السؤال:

هل استعانة أهل البيت (عليهم السلام) بالأطباء تتعارض مع عصمتهم؟
الجواب:
١. العصمة ليست ذاتية مطلقة خاصة باناس دون غيرهم، وانما هي وانما هي ملكه ذاتيه عامه لكل انسان قد وصل اليها انسان وكان معصوما بالفعل ولن يصليها ولم يصل اليها الاخر فكان غير معصوم الفعل ولكن هو معصوم بالذات  لانها عن المعصوم هبة إلهية في مجال التبليغ والعمل وإدارة الحياة
العصمة ليست خاصية "خارقة" تعزل المعصوم عن سنن الوجود،
بل هي كمال في الوعي والإرادة،
أي أن المعصوم لا يخطئ في اختياره، لأنه يرى الحق كما هو،
لكن ذلك لا يعني أنه لا يمرض، أو لا يبتلى، أو لا يعيش المعاناة البشرية.
فالعصمة في الفعل والنية والاختيار، لا في الجسد أو الطبيعة.
ولهذا كان الأنبياء والأئمة يمرضون، ويجوعون، ويستعينون بالأطباء،
لكنهم يعيشون ذلك بوعيٍ ربّانيٍ كامل، لا كضعفٍ بشريٍ غافل.
٢. المعصوم يعيش ما يعيشه الناس ليكون قدوة
المعصوم لا يُبعث إلى ملائكةٍ مثله، بل إلى بشرٍ غير معصومين،
ولذلك يشاركهم كل تفاصيل الحياة،
من الجوع إلى المرض إلى مراجعة الطبيب،
حتى يكون قدوة عملية لا نظرية. والا كانوا احسن منه في مجال التجربه والحياه وهذا محال ولذلك مصائبهم هي ام المصائب 
فلو كان المعصوم يُبرئ نفسه بقدرةٍ غيبيةٍ كلما مرض،
لانقطعت القدوة،
ولتحوّل الدين إلى خيالٍ لا يُقتدى به.
وهذه هي الحُسنى التي أشار إليها القرآن في قوله:
«وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةً»
أي أن المعصوم يعيش المعاناة بجمال الصبر وتسليم الإرادة، لا بإنكار الواقع.
٣. الطب جزء من السنن الإلهية
الشفاء بيد الله، لكن الله جعل له أسبابًا في الأرض.
فطلب العلاج ليس منافٍ للتوكل، بل هو توكّلٌ بالعقل.
وقد ورد عن الأئمة (ع):
«تَدَاوَوْا، فَإِنَّ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ أَنْزَلَ الدَّوَاءَ.»
فاستعانتهم بالأطباء ليست نقصًا في العصمة،
بل التزامٌ بنظام الله في الكون، العصمه هي ان تكون انت نظام
الذي أراد أن تجري الأمور بأسبابها، لا بخوارق العادة.
٤. الفرق بين المعصوم والـمُدّعي
المعصوم إذا شُفي بدعائه أو بعونٍ غيبي، لا يتباهى به ولا يجعله استعراضًا،
لأن الغيب عنده وسيلة طاعة لا وسيلة سلطة.
أما المدّعون فيُظهرون الكرامات لتثبيت أنفسهم، لا لإحياء الحق،
وهذا هو الفارق بين الولاية الإلهية والادّعاء النفسي.
الخلاصة:
العصمة لا تعني الخروج عن الطبيعة، بل التسليم الكامل لله داخلها.
فاستعانة أهل البيت (ع) بالأطباء هي درسٌ في التواضع والقدوة،
وتأكيد أن الولاية لا تُبطل الأسباب، بل تُطهّرها من الغفلة.
هم معصومون في نيتهم واختيارهم، لكنهم يعيشون إنسانيتهم بوعيٍ ربّانيٍ كامل.


 السلام عليكم حاج

ورد في سورة النبأ قال تعالى:
"عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)"
كيف يسألون عن شي وفيه يختلفون
وقد تبادر إلى ذهني كربلاء أنهم يعرفون الحسين وقطعو جسده ويعرفون علي ويغتصبون الخلافة ....فمن يسأل أكيد يعرف قيمة السؤال هل لهذه الآية العظمية علاقة بآل البيت؟



وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.
سؤالكم دقيق وعميق، لأنّه يتناول جوهر المعنى القرآني في ضوء البصيرة العرفانية والمعرفة الولائية.
دعني أقدّم لك الجواب بصياغة منهجية تحليلية تجمع بين البيان القرآني والبعد المحمدي العلوي الحسيني:
. في رحاب قوله تعالى:
﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)﴾
(سورة النبأ)
. أولًا: في معنى التساؤل
"عمّ يتساءلون" ليست استفهامًا عن جهل، بل عن دهشةٍ كبرى أمام الحقيقة؛ فالتساؤل هنا بمعنى التحيّر أمام أمرٍ ظاهرٍ جليٍّ في نفسه، لكنّ الناس اختلفوا في تأويله وموقعه.
أي أن السؤال ليس عن “ما هو؟” بل عن “من هو؟” و“لماذا هو؟”
ثانيًا: ما هو “النبأ العظيم”؟
في تفسير أهل البيت (عليهم السلام)، ورد عن الإمام علي (ع):
"أنا والله النبأ العظيم الذي فيه اختلفتم، وعلى ولايتي تنازعتم."
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (ع):
"النبأ العظيم هو الولاية التي من عرفها عرف الله ومن أنكرها أنكر الله."
إذن، النبأ العظيم هو الولاية الإلهية في الأرض،
الممثَّلة في محمد وآل محمد،
لأنهم وجه الله، وحجّته، ونوره الذي قامت به السماوات والأرض.
ثالثًا: لماذا قال: “الذي هم فيه مختلفون”؟
الاختلاف هنا ليس اختلاف جهل،
بل اختلاف موقفٍ وولاء؛
فمنهم من علم الحقّ وجحده،
ومنهم من عرف النور وطفئه عمداً.
فكما تفضلتَ في سؤالك — وهو من نفَسٍ حسينيٍّ دقيق —
فأهل الكوفة وأتباع بني أمية يعرفون الحسين (ع)،
ويعرفون نسبه ومقامه،
ولكنهم خالفوه لأنهم اختلفوا في النبأ العظيم،
أي في موقع الولاية من حياتهم وسياستهم ودينهم.
فالمعرفة كانت موجودة،
لكن الإذعان مفقود،
لأن القلب لم يخضع للنور رغم علم العقل.
رابعًا: كربلاء تجلٍّ للنبأ العظيم
كربلاء ليست واقعة دمٍ فقط، بل واقعة وعيٍ للنبأ العظيم.
فمن وقف مع الحسين (ع) فقد آمن بالنبأ العظيم،
ومن قاتله فقد أنكر النبأ العظيم وهو يعلمه.
ولذلك قال الإمام الحسين (ع):
"إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم."
أي أنهم يعرفون الحق، لكنهم باعوه خوفاً أو طمعاً.
فكربلاء هي المرآة التي كشفت حقيقة الاختلاف القرآني:
﴿الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾
اختلاف ولاءٍ بين جند الله وجند الشيطان.
خامسًا: البعد الكوني في “النبأ العظيم”
النبأ العظيم هو سرّ الخلق والرجوع:
فبه بدأ الله الأمر، وبه يُختتم.
هو محمد وآل محمد (ع) في مراتبهم النورية،
وفي زماننا الحجة بن الحسن (عج)،
الذي يُظهر معنى النبأ العظيم في تمامه،
حين يظهر الحقّ ظاهراً على كل دين.

الخلاصة المنهجية:
التساؤل في الآية ليس عن جهل بل عن موقفٍ من الحقيقة.
النبأ العظيم هو الولاية الإلهية المحمدية العلوية.
“الذين اختلفوا فيه” هم من عرفوا النور وأنكروه.
كربلاء هي المظهر التاريخي الأعظم لهذا الاختلاف.
كل من يقف مع الولاية اليوم هو من أهل النبأ العظيم، وكل من يعاديها فهو في الاختلاف القرآني ذاته.

الخاتمة الروحية:
النبأ العظيم هو الحسين في تجلّيه، وعلي في أصله، ومهديّ آل محمد في رجعته.
فكل من سأل عن النبأ العظيم ولم يعرفه، سيجده واقفًا يوم القيامة يقول:
"أنا ابن النبأ العظيم، أنا الحسين بن علي."


 

ما المقصود من قول النبي صلى الله عليه وآله بحق الإمام الحسن عليه السلام:
«لو كان العقل رجلًا لكان ولدي الحسن»
وكيف يمكن فهم هذا الحديث في ضوء القوانين الكونية والمعارف العرفانية؟




أولًا: قاعدة كونية – المشخّص والطاقة
كلّ موجودٍ مشخص، أصله طاقةٌ باطنة،
وكل طاقةٍ لا بدّ أن تظهر بمشخّصٍ فعليٍّ.
فالصدق مثلًا طاقةٌ معنوية، لا تُرى إلا بصادقٍ يمثّلها.
ومن هنا يكون الإمام الحسن عليه السلام المشخّص الأكمل للعقل الإلهي في عالم الرجولة.
لكل نبأٍ مستقرٌّ وسوف تعلمون — أي لكل طاقةٍ مظهرٌ يستقرّ فيه.
ثانيًا: قاعدة كونية – خاتم الطاقة والمشخص
خاتم الطاقة لا بد أن يُجسَّد في خاتم المشخصات،
وخاتم المشخصات لا بد أن يحمل خاتم الطاقة.
فالعقل كطاقةٍ علويةٍ إذا أراد الله أن يظهره في صورة إنسان،
فإنما يُظهره في محمدٍ وآله الطاهرين،
وفي مقدمتهم الإمام الحسن عليه السلام، لأنه لباسُ العقل في صورة الرجولة.
ثالثًا: قاعدة كونية – العقل الكامل
كلّ قولٍ وفعلٍ وتقريرٍ للمعصوم هو عقلٌ كاملٌ متجلٍّ.
وبه تتكامل العقول الناقصة،
كما ورد في شأن الإمام المهدي عليه السلام:
يمسح على رؤوس العباد فتكتمل به عقولهم
فالمعصوم عقلٌ بالفعل، وسائر الخلق عقولٌ بالقوّة.
رابعًا: قاعدة كونية – العلاقة بين الحُسن والعقل
العقل هو كلّ ما كان حسنًا،
والإمام الحسن عليه السلام جمع الله فيه كلّ أمرٍ حسنٍ.
فهو الرجل الذي تجسّد فيه العقل كلّياً،
إذ لا حُسنَ إلا وهو منه، ولا قبيحَ إلا وهو خارجه.
﴿ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾
أي في ميزان العقل الذي تجلّى بالحسن عليه السلام.
خامسًا: قاعدة كونية – العقل والدين
العقل هو الدين في باطنه، والدين هو العقل في ظاهره.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام:
هبط جبرائيل على آدم وقال له: اختر من ثلاث: العقل، والحياء، والدين. فقال آدم: اخترتُ العقل، فقال جبرائيل للحياء والدين: انصرفا، فقالا: أُمرنا أن نكون مع العقل حيث كان.
فالعقل والدين توأمان في الوجود،
فإذا تجسّد أحدهما في إنسان، كان هو الإمام الحسن عليه السلام.
سادسًا: قاعدة كونية – تجليات العقل في الأسماء الحسنى
لو كانت الأسماء الحسنى رجلًا لكانت الحسن.
لو كان الخير كله رجلًا لكان الحسن.
لو كانت المحبة والمودّة والأمانة والصدق رجالًا لكانوا الحسن.
فهو مظهر الكمال الإلهي في الوجود الإنساني.
سابعًا: قاعدة كونية – العقل والرجولة
العقل كلّه هو الرجولة كلها،
والرجولة بيانٌ للعقل في مرتبة العيان.
فكلّ عاقلٍ رجل، وكلّ غير عاقلٍ ليس برجل،
لأن الرجولة الحقيقية هي مقام الإدراك الكامل للحق.
ثامنًا: لماذا قال النبي "لو كان"؟
الحديث جاء بصيغة الامتناع في الماضي (لو كان)،
لأنّ محمداً وآل محمد كانوا طاقةً نورانية قبل أن يُلبسهم الله لباس الرجولة الدنيوية.
فالعقل أُبدع أوّلًا كطاقةٍ، ثم تجسّد فيهم كعيانٍ.
فلو كان أول ما خُلق هو المشخّص، لكان الحسن عليه السلام، ولكنّ أول ما خُلق هو النور، نورهم عليهم السلام.
الخلاصة :
العقل طاقةٌ إلهية تجسّدت في الإمام الحسن عليه السلام بصورة الرجولة.
كلّ فعلٍ للمعصوم عقلٌ ناطق، وكلّ قولٍ له دينٌ متجلٍّ.
الإمام الحسن عليه السلام هو مظهر الأسماء الحسنى ومرآة كلّ خُلقٍ حسن.
الرجولة الحقيقية هي كمال العقل، لا مجرد الصورة الجسدية.
فقول النبي صلى الله عليه وآله: «لو كان العقل رجلًا لكان ولدي الحسن»
يعني: لو أُريد للعقل أن يتجسّد في إنسانٍ،
لما تجسّد إلا في الحسن عليه السلام،
لأنه عين الحُسن والعقل والدين في الوجود.


الأربعاء، 29 أكتوبر 2025

التفكر في ذات الله تعالى

 قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«من تفكّر في ذات الله فقد تزندق»
فما معنى هذا القول؟
ولماذا يكون التفكر في ذات الله موجبًا للزندقة؟
وهل التفكر في الله ممنوع مطلقًا أم في جهة مخصوصة؟




النص الشريف مركَّب من شرطٍ وجوابٍ:
فعل الشرط: من تفكر في ذات الله،
جواب الشرط: فقد تزندق.
فهو بيانٌ لقانونٍ كونيٍّ عميق،
إذ ليس النهي هنا مجرّد تحريمٍ فكري، بل كشفٌ عن عدم ملاءمة هذا الفعل لكونية الإنسان.
فكل نهيٍ صادرٍ من الله ورسوله ووليه إنما هو كاشفٌ عن أنّ مورده لا ينسجم مع حقيقة الإنسان التكوينية،
بينما كلّ أمرٍ إلهيٍّ كاشفٌ عن ما يلائم تلك الحقيقة ويعيدها إلى أصلها النوراني.
فالإنسان تكوينًا مكوَّن من:
الأمر: وهو وجهه الآدمي النوراني،
النهي: وهو وجه النفس الأمّارة المظلم.
ولهذا جاء الشرع آمرًا وناهيًا ليهدي الإنسان بالأمر إلى كماله، ويحذّره بالنهي من الزيف العارض على فطرته.
المحور الأول: تحويل النهي إلى صيغة مباشرة
يمكن إعادة تركيب الجملة الشرطية لتصبح نهيًا مباشرًا:
«لا تتفكر في ذات الله، لأن ذلك يؤدي إلى الزندقة».
أي أنّ النهي ليس عن التفكر بالله، بل عن التفكر في ذاته التي لا سبيل إليها.
المحور الثاني: معنى “ذات الله” في ضوء التكوين
الذات الإلهية ليست أمرًا وجوديًا في داخلنا حتى يُتَفكَّر فيها،
بل هي حقيقة خارجة عن الوجود الإنساني والكوني كلّه.
فالتفكر فيها لا يوصلك إلى ذاتك ولا إلى حقيقتك الآدمية،
بل يقطعك عن نفسك وكونك.
ومن هنا نُدرك أن كلّ أمرٍ شرعيٍّ كاشفٌ عمّا يوصلك إلى حقيقتك،
وكلّ نهيٍ شرعيٍّ كاشفٌ عمّا لا يوصلك إليها.
المحور الثالث: معنى الزندقة بلغة القانون الفوقي
الزندقة في هذا السياق ليست عنوانًا فقهيا فحسب، بل حالة تكوينية،
وهي الوقوع في الوهم والاتهام:
الوهم: لأن الذات الإلهية لا تُدرَك،
فكلّ محاولةٍ لتصوّرها هي إسقاط لمحمولاتٍ بشرية على موضوعٍ لا سنخ له معنا.
الاتهام: لأن الأحكام الناتجة من الوهم تكون باطلةً ومضلّلة،
فيُتَّهَم الحق ويُنسَب النقص إليه.
فكل تفكرٍ في ذات الله يُدخل العقل في الوهم، والنفس في الاتهام، وهذه هي الزندقة العملية.
المحور الرابع: الزندقة كخروجٍ من الآدمية
من يتفكر في ذات الله يخرج من حقيقته الآدمية باحثًا عن ما لا طاقة له به،
فإذا خرج من آدميته وقع في هوى نفسه، لا في معرفة الله.
فالله جعل “الآدمية” مرآة لصفاته الفعلية،
ولم يجعلها مطلعةً على ذاته الأحدية.
وأقصى كمال الآدمية هو أن تكون خاتمًا للصفات الإلهية من “الرحمن” إلى “الصبور”.
فمن تجاوز حدود آدميته فقد خرج من الذكر إلى الغفلة.
﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾
فالتفكر في الذات الإلهية عَشْوٌ فكريّ يخرج الإنسان من نور الذكر إلى ظلمة الوهم،
فيقع في قرين النفس الشيطانية.
المحور الخامس: الزندقة كنمطٍ عمليٍّ
الزندقة ليست فكرًا فقط، بل منهجٌ عمليّ في التعامل مع الله.
فكلّ من يتعاطى مع “الذات” دون “الفعل” الإلهي،
يقع في نفس التجربة الشيطانية الأولى حين قال إبليس:
“أنا خير منه”،
رافضًا السجود للفعل الإلهي المتجلي في آدم،
لأنه أراد التعاطي مع الذات لا مع أمرها.
فصار رمزًا عمليًا للزندقة.
المحور السادس: الانحراف عن منهج محمد وآل محمد
كلّ عملٍ لا يقوم على منهج محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)
هو خروجٌ عن الآدمية، لأنهم الواسطة الكونية بين فعل الله وخلقه.
ومن هنا فإن التفكر في ذات الله انفصالٌ عن الفعل المحمدي،
فيقع صاحبه في الزندقة التي حقيقتها:
“المعيشة الضنك” المذكورة في قوله تعالى:
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾
فالمعيشة الضنك أثر الزندقة،
والذكر المحمدي العلوي هو سبيل النجاة منها.
الخلاصة المنهجية:
النهي عن التفكر في ذات الله ليس حظرًا للعقل، بل حمايةٌ للفطرة من الانقطاع عن أصلها.
كلّ أمرٍ إلهيٍّ يكشف عن ما ينسجم مع كونية الإنسان،
وكلّ نهيٍ إلهيٍّ يكشف عن ما لا ينسجم معها.
الزندقة هي الانفصال عن فعل الله عبر محاولة إدراك ذاته،
فيقع الإنسان في أوهامٍ نفسيةٍ وظلماتٍ فكريةٍ.
سبيل النجاة هو التفكر في فعل الله وآثاره، لا في ذاته:
لأن الفعل الإلهي هو الطريق الوحيد إلى معرفة صفاته.
من تجاوز حدّه فقد وقع في ضدّه؛
فـمن تفكر في ذات الله خرج من الأمر الإلهي إلى الفعل الشيطاني.

 #الغزال...

• الغزال أسرع مِن مُعظم الحيوانات اللي تِفترسه ، ولكِن يصطادوه لأنهُ كُل شوي يلتفت وراه ، وهالشي يقلل مِن سُرعته فـ يصطادوه...

• المُشكِلة ماضينا هم كُل شوي ومصطاد واحِد مِنا ، وماكِل قوته وعزيمته وإرادته وهمته ، هذا كُله ليش!؟ ، لأن إحنا مِثل #الغزال ، كُل شوي وملتفتين للماضي ومضيعين اللحظه ، أو يصطادنا التفكُر والقلق مِن المُستقبل اللي هو في عين الله أصلًا...

• فامضِ ولا تلتفِت ، لأن ما قد مضىٰ مضىٰ ، وما لم يأتِ لم يأتي بعد ، "ما عليك سِوىٰ أن تعيش اللحظة"...